تم اكتشاف جزء جديد في جسم الإنسان يمكن أن يحدث ثورة في أبحاث الدماغ، ويقلب العديد من النظريات الأساسية رأساً على عقب، بنفس الطريقة التي تثير الاهتمام الكبير مثل اكتشاف جزيئات من الحديد أو الماء على سطح المريخ مثلا.
وعلى مدار القرون الماضية، كان معدل اكتشاف أجزاء جديدة في جسم الإنسان يساوي معدل مرور مذنب بالقرب من الأرض، وكان يحدث هذا الاكتشاف مقداراً مماثلاً من الضجة، فمثلاً، كان الاكتشاف الأخير لجزء جديد من الجسم في عام 2013، وقد كان عبارة عن رباط في الركبة، وقبل ذلك، كان طبقة رقيقة مجهرية من مقلة العين، وفي الصيف الماضي، اكتشف (أنطوان لوفو) و(جوناثان كيبنيز) وزملائهما في كلية الطب بجامعة فيرجينيا، جزء جديد من الجسم تستحق أن تنال الكثير من الاهتمام، وهي جزء من الجهاز المناعي يصل تأثيره إلى الدماغ.
واستطاع الباحثون فى العقد الماضي إيجاد العديد من الأدلة التي تشير إلى وجود تفاعل بين الدماغ والجهاز المناعي، ولكن لم يعرف كيفية ذلك، فتبعاً لـ(لوفو) كان الباحثون دائماً يحاولون تفسير كيف يمكن للنظامين أن يتواصلا بناء على حقيقة أن هذه البنية لم تكن موجودة، والآن بعد أن أصبح العلماء يعلمون بأن هذه البنية توجد بالفعل، أصبح لدى الباحثين الذين يعملون على الأمراض الدماغية، والتي كان يعتقد بأن لها علاقة بعناصر مناعية، الفرصة لتجريب شيء جديد تماماً، وإليكم أربعة أمراض يمكن أن يحدث هذا الاكتشاف فرقاً فيها.
علاج الاكتئاب
تشير بعض البحوث المثيرة حول الاكتئاب إلى أن الكائنات الدقيقة في القناة الهضمية – الخلايا البكتيرية التي تعيش في المعدة والأمعاء- تلعب دوراً في الإصابة بالإكتئاب، فعادة ما يكون هناك أنواع بكتيرية معينة في فضلات مرضى الاكتئاب، وحتى الآن وجد الباحثون بأن إطعام الفئران لبروبيوتيك معينة، يمكن أن يحد من سلوكيات تحاكي الاكتئاب، ولكن تبعاً لـ(كيبنيز) فإن هناك بعض الأعمال البحثية الجميلة التي نشرت منذ فترة قريبة والتي أظهرت بأن التغيرات التي يمكن إجراؤها في بكتيريا الأمعاء يمكن أن يغير من بنية ووظيفة الخلايا الدبقية الصغيرة، والتي هي بالأساس عبارة عن خلايا مناعية في الدماغ، وعلى الرغم من أن الكيفية التي يمكن للبكتيريا من خلالها أن تؤثر على تلك الخلايا غير مكتشفة بعد، إلّا أن العلماء يعملون مع مؤلفي هذه الدراسة لمعرفة ذلك.
مرض التصلب المتعدد (MS)
إن الاستجابة المناعية المفرطة لنشاط الجهاز المناعي لدى الأشخاص الذين يعانون من مرض التصلب المتعدد، تجعل الخلايا التائية لديهم تهاجم المايلين، وهي أغماد الخلايا العصبية الدهنية التي تسرع النبضات ضمن الدماغ، وعلى الرغم من وجود أدوية للـ(MS)، مثل الناتاليزوماب -الاسم التجاري له هو (TYSABRI)- التي تعمل من خلال منع الخلايا التائية من المرور في الدماغ من خلال الأوعية الدموية، إلّا أن هذه الأدوية تسمح من جهة ثانية للالتهابات بالإنتشار دون وجود ما يردعها، ولكن بحسب (بروس بيبو)، نائب الرئيس التنفيذي للأبحاث في جمعية (MS) الوطنية، مع ظهور هذا الجزء الجديد، قد يصبح هناك نهج يمكن للعلماء من خلاله استهداف هذه الأوعية اللمفاوية الجديدة لتحقيق نفس الإنجاز دون الحصول على الآثار الجانبية.
التوحد
بالنسبة لبعض الأطفال الذين يعانون من مرض التوحد، فإن الإصابة بالحمى الناتجة عن الانفلونزا أو البرد يمكن يحسن الوظائف السلوكية والانتباهية وحتى المهارات اللفظية لديهم بشكل مؤقت، لذلك يشك الباحثون بأن هذا قد يكون مرتبطاً بمادة كيميائية موصلة تسمى السيتوكينات، والتي يمكن أن تصل بين كل من الخلايا العصبية والخلايا المناعية، ولكن بحسب (جودي فان دي واتر)، وهي عالمة مناعية في جامعة كاليفورنيا ديفيس من معهد (MIND)، فإن معرفة أن هذا النظام موجود، يمكن أن يساعد في محاولة مطابقة ما يحدث في الجسم مع ما يحدث في الدماغ، فقياس السيتوكينات في النظام اللمفاوي للفئران في الوقت الحقيقي يمكن أن يساعد الباحثين على معرفة كيفية عمل تأثير الحمى.
مرض الزهايمر
تبعاً لـ(بروس ت. لامب)، وهو عالم في قسم العلوم العصبية في عيادة كليفلاند، فإن إحدى أكبر المفاجآت في دراسات الجينوم التي ظهرت على مدى السنوات الخمس أو الست الماضية، هي أن هناك مجموعة كاملة من الجينات التي تؤثر على مرض الزهايمر، والتي تعمل في الجهاز المناعي وليس في الخلايا العصبية، ويعتقد معظم العلماء بأن العجز الذي يظهر لدى مرضى الزهايمر يرتبط ببروتين مطوي بشكل خاطئ يسمى أميلويد بيتا لم يتم التخلص منه بالشكل الصحيح من الدماغ، ولكن اكتشاف هذا الجزء الجديد يمكن أن يفتح الباب لتحديد ما إذا كان العطل الحاصل ضمن هذه الأوعية المكتشفة حديثاً هو المسؤول عن ذلك.