الأجوبة الشافية عن الأسئلة المصيرية: من أين؟ لماذا؟ وإلى أين؟ (5)
(خلق الإنسان، أصله ومراحل تكوينه)
ذ. عبد اللطيف الخيالي
هوية بريس – الجمعة 27 نونبر 2015
تقديم: إسلام البروفسور “كيث مور” أب علم الأجنة
خلال سنة 2000م شاهدت شريطا مصورا للشيخ الداعية “عبد المجيد الزنداني” حول علم الأجنة، جاء فيه أنه خلال بحثه في هذا الموضوع وجد أن أهم المراجع تحمل اسم العالم البروفسور “كيث مور”، الذي يمثل (أب) علم الأجنة، الشيء الذي حفزه للقائه، ولما سأل أحد معارفه عن إمكانية هذا اللقاء، أجابه أن ذلك ممكن.
تمر الأيام ويشاء الله أن يدعى البروفسور “كيث مور” لحضور مؤتمر علمي، فيلبي الدعوة، مما أتاح للشيخ الزنداني لقاءه فعرض عليه ترجمة لمعنى الآية: “وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى” [النجم:44-45].
فقال “مور”: هذا غير صحيح، وعندما تساءل الشيخ مستغربا كيف؟
رد السيد “مور” أنه يمزح، وقال: “هذا كلام الله! لأنه لم يكن في مقدور بشر قبل القرن الثامن عشر معرفة أصل الجنين” قلت: أو بالأحرى معرفة الحقيقة المبهرة التي تشير إليها الآية، وهي أن الرجل هو المسؤول عن كون الجنين ذكرا أو أنثى.
لقد أصبح معلوما أن الذكر حامل للصبغيين «x»، «y» وأن الأنثى حاملة للصبغيين«x» ، «x»، فإذا كان الحيوان المنوي الذي يخصب البويضة حاملا للصبغي «y» كان الجنين ذكرا، وإن كان حاملا للصبغي «x» كان الجنين أنثى.
إذا علمنا هذه الحقيقة المبهرة سندرك لماذا أقر البروفسور “كيث مور” دون تردد أن القرآن كلام رب العالمين بمجرد اطلاعه على مضمون الآية السابقة.
لقد كان لمعنى كلمات هذه الآية الأثر الكبير على وجدان هذا العالم الكبير، الشيء الذي دفعه لدراسة كل ما جاء في القرآن والسنة بخصوص علم الأجنة.
عند إعداد هذا الكتاب أول مرجع فكرت فيه كان هو أب علم الأجنة البروفسور “كيث مور” الذي ترجم كتابه في هذا التخصص إلى عدة لغات. بمجرد كتابة اسمه على أحد محركات البحث الأكثر شهرة ظهرت عدة عناوين تحمل هذا الإسم من بينها: “كيث مور مسلم” وهو ما دفعني للضغط على زر البحث لأجد عدة مواقع تتحدث عن إسلام هذا الرجل الشهم، الذي علم الحق فلم ينكره، فشرح الله صدره للإسلام وأعلن إسلامه كما هو مسجل على صفحات الويب.
بل أكثر من ذلك شاهدت شريطا مسجلا له يعرض فيه أمام جمع من الناس -أظنهم من أهل الاختصاص- ما توصل إليه العلم الحديث مقارنا إياه مع ما تشير إليه بعض آيات القرآن، وهو ما سنتطرق إليه لنجيب عن الأسئلة التي طرحناها، وذلك بالرجوع إلى ما جاء في كتاب: “إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان” للدكتور: محمد فياض، طبيب اختصاصي للنساء والحمل والولادة، عمل في هذا الميدان أزيد من ثلاثين سنة حتى تأليف كتابه المذكور (رحمة الله عليه).
المطلب الأول: لمحة عن تاريخ علم الأجنة
اصطلح المختصون على تقسيم علم الأجنة إلى ثلاث مراحل هي:
تمتد قرابة خمسة وعشرين قرنا: من القرن السادس قبل الميلاد حتى التاسع عشر1.
أرسطو أول من خصص جانبا من بحوثه لعلم الأجنة… وقد لخص أرسطو في بحثه عن الأجنة معتقدات أهل عصره ورأيه فيها، واعتبرها تندرج تحت نظريتين:
الأولى: وهي أن الجنين يكون جاهزا في ماء الرجل فإذا دخل ماء الرجل الرحم انعقد، ثم نما كما تنمو البذرة في الأرض يستمد غذاءه من الرحم.
الثانية: أن الجنين يتخلق من دم الحيض حيث يقوم المني بعقده مثلما تفعل الأنفحة باللبن فتعقده وتحوله إلى جبنة. وليس للمني دور في إيجاد الولد قط، وإنما هو دور مساعد… الجدير بالذكر أنه في الوقت (القرن السادس عشر) الذي سادت فيه هذه الفكرة (تكون الجنين من كتلة دموية وبذرة) عند جميع الأطباء إلى ما بعد اكتشاف المجهر، كان العلماء المسلمون يرفضون أن يتولد الجنين من دم الحيض مستندين إلى آيات قرآنية عديدة مثل قوله تعالى: “ألم يك نطفة من مني يمنى” [القيامة 36]، والأحاديث النبوية التي رويت في هذا الباب…2.
لم تكتشف بييضة الثدييات إلا في أواخر القرن التاسع عشر. واعتبارا من نهاية القرن التاسع عشر وحتى الأربعينيات من القرن العشرين بدأت المرحلة التاريخية الثانية… وذلك بكتابات (فون بير) و(داروين) و(هيجل)3.
ـ ثالثا: مرحلة التكنولوجيا الحديثة
وتمتد من الأربعينيات حتى يومنا هذا، وقد أدى تطور الأجهزة والتقنيات الحديثة إلى تأثير كبير على مجرى البحوث والدراسات.
المطلب الثاني: أصل الإنسان ومراحل تكوينه.
لقد أعطى القرآن أهمية كبيرة لمسألة خلق الإنسان وخاصة أصله، لذلك نجد آيات عديدة من القرآن، تشير إلى ذلك، نذكر منها:
“وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ” [المؤمنون:12].
” الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ” [السجدة6-7].
- “أَلَمْ نَخْلُقكُّممِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ” [المرسلات:20].
- ” أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ، أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الخَالِقُونَ” [الواقعة:61-62].
كما اهتمت بعض الأحاديث النبوية هي الأخرى بهذا الموضوع مفصلة بعض جوانبه المهمة، سأذكر بعضها في حينه.
يقول سبحانه وتعالى: “قَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ” [المؤمنون:12-14].
معنى قرار في قواميس اللغة (استقر واستراح) وهو أيضا (مكان يستقر فيه الماء ويتجمع).
وبالرغم من أن طبيعة الجسم أن يطرد كل جسم خارجي فإن الرحم يأوي الجنين ويغذيه. وللرحم عضلات وأوعية رابطة تحمل الجنين داخله… فإنه يستجيب لنمو الجنين ويتمدد بدرجة كبيرة ليتلاءم مع نموه. ويحاط الجنين داخل الرحم بعدة طبقات… وبذلك تتوفر أفضل الظروف للاستقرار والنمو الجيد4.
أما التعبير الجامع، وهو (مكين)، فيعني (مثبت بقوة)، وهذا يشير إلى علاقة الرحم بالجسم، وموقعه المثالي لتخلق ونمو كائن جديد ويقع الرحم في وسط الجسم، وفي مركز الحوض، وهو محاط بالعظام والعضلات والأربطة التي تثبته بقوة في الجسم. [يحفظ الحوض العظمي الرحم بداخله بحيث لا يصله شيء من الكدمات والهزات التي تتعرض لها المرأة… بل لو سقطت من علو شاهق وتكسرت عظامها فإننا نجد الرحم في أغلب الأحوال، سليما لم يمسسه سوء.(د محمد علي البار، خلق الإنسان بين الطب والقرآن)] أي أنه مكين، كما قرر القرآن الكريم5.
—————————-
[1]- د. محمد فياض، إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان، ص: 24.
2- د. محمد فياض، إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان، ص: 28.
3– المرجع السابق، ص: 31-32.
4- المرجع السابق، ص: 82.
5- المرجع نفسه، ص: 83.