الأحضان الثلاثة وأمن الإنسان
هوية بريس – عبد الحميد بنعلي
الإنسان يجد الأنس والسكينة وراحة البال في ثلاثة أحضان، وكلما نقصه منها حضن نقص من راحته النفسية بحسب ذلك.
الحضن الأول: حضن الأم، وهو أجل هذه الأحضان وأعلاها منزلة، وآكدها لخوص غمار هذه الحياة، وفيه يجد الإنسان العطف والسكينة والحنان، وينال فيه الدعوات الكريمات والكلمات المباركات.
ولضرورة هذا الحضن شاءت قدرة الله تعالى رفقا بهذا الانسان الضعيف أن تكون الأم متأخرة في الموت عن الأب غالبا، لأنها تثبت أبناءها على المصاب، وتلم شملهم، وتجمع شعثهم، وتمشي بينهم بالاصلاح والرعاية.
الحضن الثاني: حضن الأب، والعبارة تقصر عن وصف هذا الحضن، فهو أمان الإنسان من مصائب الدنيا وويلات الدهر، والأب مهما كان قاسيا وجافيا ومهما كان فقيرا معدما فإنه طوق نجاة للبنات والأبناء، يذود عنهم بنفسه وماله، وينقل اليهم تجارب الحياة، ويبصرهم بحقائق الأمور ومعادن الناس، وأنت ترى كيف يصرف الولد المال ولا يقتصد فيه غير مبال بالعواقب لأن له أبا يستند عليه، حتى اذا فجئ بفقده رأيته متسربلا بالمسكنة، شحيحا بخيلا حذرا من الاسراف في النفقات، حتى في الأمور الضروريات!
والاسلام يعتبر فاقد هذا الحضن وهو صغير يتيما، ثم يوصي باليتيم خيرا، ويحذر من احتقاره وأكل ماله {إن الذين ياكلون اموال اليتامى ظلما انما ياكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا}.
الحضن الثالث: حضن الزوجة، وهذا الحضن وإن كان دون الحضنين السابقين غير أنه يقوم بمهام لا توفرها الأم ولا الأب.
فهو بتعبير القرآن (لباس) الإنسان، به يستر عورته، ويجمل حالته، ويتقي به نوائب الدهر وفواجعه كما يتقي باللباس الحر والبرد.
وإلى هذا الحضن يهرع الرجل في النوائب المدلهمة، كما كان من النبي صلى الله عليه وسلم حين نبئ بالوحي ورأى شيئا عظيما مرض على إثره، فما كان إلا أن قصد حضن زوجته خديجة رضي الله عنها، لتنزل عليه كلماتها بردا وسلاما، “قالت: أبشر، كلا والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتصدق الحديث، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق”.
واسمع للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يذكر فضائل هذه الزوجة المومنة الصادقة ويجيب عن عائشة رضي الله عنها أن الله ابدله خيرا منها، فيقول: “ما أبدلني الله عز وجل خيرا منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء”.
وفي هذا الحضن يفرغ الإنسان عواطفه الجياشة وحبه المكنون وشهوته القاهرة، ولولا ذلك لأصابه الجنون حتما.
وفيه الأنس للروح، والسكينة للنفس، والعفة للجوارح، ألم يقل الله تعالى {لتسكنوا إليها}؟ ومن دون هذا الحضن يظل الانسان في قلق ووحشة وشتات، فلا رأيه رصين، ولا ماله خزين، ولا عقله أمين، ولا فرجه مصون.
غير أن الحقيقة المؤسفة: هي: أنه ليس كل زوجة لديها هذا الحضن، إنما ذلك لنوع من الزوجات لا يظفر بهن إلا من وفقه الله سبحانه، وأكثر الأزواج هم في شقاء ونكد عيش، إذا باح لزوجته بمرض زادته مرضا، وإن أفضى إليها بسر صار خبرا، وإن اغتنت بادرت لخلعه غير مأسوف عليه ولا قوة إلا بالله.
وهذا لأنهم لم يتبعوا شرط الزواج السعيد، بل كان همهم الظفر بذات قوام ممشوق، وصدر ناهد، ومشية فاتنة، ثم أي شيء تفعله فهي في حل!