“الأربعة الكبار” هل هو إعلان حرب للمحاور داخل الاتّحاد الأفريقي؟
هوية بريس – عادل بنحمزة
مباشرة بعد قمة بروكسل التي جمعت الاتحادين الأوروبي والأفريقي، أعلنت كل من جنوب أفريقيا ونيجيريا والجزائر وإثيوبيا تشكيل تكتل رباعي داخل القارة الأفريقية، أطلق على نفسه اسم “الأربعة الكبار”. الهدف المعلن من هذا التكتل هو مواجهة أزمات القارة، وهي للمفارقة الأسباب ذاتها التي تأسس من أجلها الاتحاد الأفريقي وقبله منظمة الوحدة الأفريقية.
لذلك، وبعيداً مما أعلنته العواصم الأربع، لا يمكن أن تخرج أسباب هذه الخطوة عن أحد احتمالين: الأول يتمثل في كون الاتحاد الأفريقي وأجهزته ومؤسساته عاجزة وغير قادرة على حل أزمات القارة، وهو أمر وارد في منظمة دولية من حجم اتحاد قاري كالاتحاد الأفريقي، مع كل الأزمات المعقدة التي تعرفها أفريقيا، غير أن معالجة هذه الوضعية استلزم منطقياً العمل الجماعي على تطوير الاتحاد ومؤسساته.
الاحتمال الآخر هو أن الدول التي تشكل التكتل الجديد والتي تصنف نفسها على أنها “الأربعة الكبار” في القارة، أضحت منزعجة من الوضعية داخل الاتحاد الأفريقي، وأنها بدأت تفقد الحظوة التي كانت تتمتع بها داخل أجهزة الاتحاد، وأن المساواة في السيادة بين دول الاتحاد لم تعد تخدم مصالحها، وهو ما يتطلب إطاراً تنسيقياً من خارج الاتحاد ذاته، لكن الغاية النهائية منه هو بحثها عن استرجاع القدرة على التأثير في أجهزة الاتحاد وجعلها مجدداً مجرد غرف للتسجيل لما يتقرر في عواصم “الأربعة الكبار”.
لكن ما الجديد داخل الاتحاد الأفريقي الذي استدعى من الدول الأربع المجازفة ببناء تكتل خارج مؤسسات الاتحاد ولا يضم دولاً أساسية مثل المغرب ومصر وكينيا والسنغال؟
بعض الحوادث والتحولات الأخيرة التي عرفها الاتحاد الأفريقي، يمكن أن تشكل مفاتيح لفهم الدوافع الحقيقية لمجموعة الأربعة. أول تلك التحولات هو عودة المغرب الكبيرة للاتحاد الأفريقي، وهي عودة كانت مطلباً لعدد كبير من الدول الأفريقية التي تربطها بالرباط علاقات اقتصادية وثقافية وسياسية عميقة. هذه العودة توّجت بفوز مرشح المملكة المغربية بمنصب أول مدير عام للاتحاد في تاريخ مفوضية الاتحاد الأفريقي في شخص فتح الله السجلماسي الذي كان يشغل منصب الأمين العام للاتحاد المتوسطي، وهو أعلى منصب غير انتخابي في التسلسل الهرمي لمفوضية الاتحاد الأفريقي. كما تميزت عودة المغرب للاتحاد بانتخابه مرتين لعضوية مجلس السلم والأمن الذي كان عبارة عن حديقة خلفية للجزائر وجوهانسبورغ.
كما شكل السجال حول منح عضوية مراقب لإسرائيل في الاتحاد، لعبة شد حبل أظهرت وجود توجهين داخله، واحد انتقائي ومزاجي يعتبر قرارات الاتحاد مجرد رجع صدى لاختياراته ومصالحه، وأن قراراته تكون مقبولة وسليمة عندما تتوافق مع مزاجه الخاص، والآخر موضوعي يعتبر صياغة القرارات والمواقف تخضع لقواعد واضحة، قد لا تكون صواباً مطلقاً في ذاتها، لكن المسّ بها وفقاً للمزاج السياسي الخاص وللمصالح الوطنية المغلقة، لا يساهم في تطوير الحكامة داخل مؤسسات الاتحاد. لذلك فإن تغيير قواعد بناء القرارات، لا يرتبط بالمواضيع التي تعالجها تلك القرارات، بل في منهجية القرارات ذاتها، لذلك فإن هذا التوجه طرح موضوع تغيير المساطر في موضوع عضوية إسرائيل وليس الركون إلى مواقف سياسية قد تتغير حسب الوضعيات والظروف.
تكتل الأربعة يضم إثيوبيا، وهو ما لا يمكن قراءة خلفياته ودوافعه بعيداً من النزاع الكبير الذي يجمع أديس أبابا مع كل من القاهرة والخرطوم على خلفية سد النهضة، حيث إن تغييب مصر عن التحالف لا يمكن تفسيره سوى كونه استجابة لفيتو إثيوبي، وهو ما يعني في النهاية أن تكتل الأربعة لم يستطع تجاوز التقاطبات الموجودة في القارة وفقاً للأزمات والخلافات المعروفة بين أعضائها، إذ نجد مثلاً محور الجزائر جوهانسبورغ في مواجهة الرباط ومحور أديس أبابا في مواجهة كل من القاهرة والخرطوم، يضاف إلى ذلك أن رئاسة الاتحاد الأفريقي هي اليوم بيد السنغال أحد أبرز حلفاء الرباط في القارة…
على هذا النحو تبدو القارة الأفريقية الغارقة في الأزمات، والتي توجد في ملتقى مصالح القوى الكبرى التي دشنت حرباً باردة جديدة على خلفية الحرب على أوكرانيا، في وضعية هشة أكثر من أي لحظة أخرى، إذ إن دخول دول الاتحاد في لعبة جديدة للمحاور ستعني في النهاية تحويل الاتحاد الأفريقي إلى مجرد محارة فارغة، لا تستطيع معالجة أزمات القارة بل تضعف قدرتها على الاستقلالية والممانعة في وجه القوى الكبرى، والضحية في النهاية هي الشعوب الأفريقية.