الأرض قد عطشت وللمولى افتقرت***أغثنا بالعفو واروها يا مقتدر
ذ. معاذ الصمدي
هوية بريس – الخميس 25 فبراير 2016
“لا تحاسَدوا، ولا تباغَضوا، ولا تناجَشوا، ولا تدابَروا، ولا يبِع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عبادَ الله إخوانا“؛ لو ابتعدنا عن هذه الخصال الدميمة لأنزل الله علينا من السماء ماءا مباركا في الوقت الذي شكونا فيه جذب ديارنا وتأخر نزول القطر عنا.
الأرض قد عطشت وللمولى افتقرت***أغثنا بالعفو واروها يا مقتدر
ما بالنا بأعدائنا الذين يحسدوننا جهارا نهارا على ديننا ووحدتنا وأمننا وأمامنا واستقرارنا وما متع الله به مغربنا من وحدة بين الإمام والرعية.
…معاشر المسلمين، روى أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله قال: “…لا تحاسَدوا، ولا تباغَضوا، ولا تناجَشوا، ولا تدابَروا، ولا يبِع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عبادَ الله إخوانا..” الحديث رواه مسلم في صحيحه.
عباد الله من نِعم الله على العبدِ أن يجعلَ قلبَه طاهرًا من الغلِّ والحِقد، سليمًا مِن هذا المرضِ الخطير، فمن رزقَه الله طهارةَ القلب وسلامتَه من الغلّ والحقد والحسد والبغضاء فليعلم أنّها نعمة عظيمةٌ تستوجب الشكر، وها هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحذرنا مِن أشياء تسبِّب بُعد بعضِنا عن بعض وبغضَ بعضِنا لبعض. صلى الله عليك يا سيدنا…، وكأنه حاضر معنا عالم بما أصاب قلوب بعضنا من غل وحقد وحسد فيدعونا لتأليف القلوب وجمع الكلمة وينهانا عن كل خلق ذميم يسبب الفرقة والشتات… “لا تحاسَدوا”.
لا تتمنوا زوالَ نعمةِ الله عَن غيركم لتعودَ إليكم، بل من الناس من يتمنى زوال النعمة عن الغير ولو لم يحصل عليها، لذلك عد النبي صلى الله عليه وسلم الحسد آكلا للحسنات كما تأكل النار الحطب، ما أقبحه وما أسوأ نتائجه، وما أفظع الحاسدين، وما أشنع المغرضين، نفوس تتحطم، بيوت تتهدم، أسر تتشرد، صلات تتقطع، أعراض تتهم، والسبب هو الحسد، إنه بلاء لا يكاد يسلم منه المجتمع .فما بالنا بأعدائنا الذين يحسدوننا جهارا نهارا على ديننا ووحدتنا وأمننا وأمامنا واستقرارنا وما متع الله به مغربنا من وحدة بين الإمام والرعية “أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله”، و لله در الإمام الشافعي القائل:
كلُّ العداوةِ قد تُرْجى مَوَدَّتُهَا***إلاَّ عداوةَ من عَادَاكَ عن حَسَدِ
ثمّ نهانا نبيّنا عن التباغُض بقوله “ولا تباغَضوا” أجل، أنتم مؤمنون، أخوة إيمانية “وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ”، إذًا فليس للبَغضاء مَجال في قاموس أهل الإيمان، بل حتى البغض الذي منشؤه الأهواء فإنّ ذلك ممنوعٌ منه المسلم.
لَمَّا عَفَوْتُ وَلَمْ أحْقِدْ عَلَى أحَدٍ***أرَحْتُ نَفْسِي مِنْ هَمِّ الْعَدَاوَاتِ
فكل قول يؤدي إلى التباغض، فنحن منهيون عنه، وكل فعل يؤدي إلى التباغض، فنحن منهيون عنه، فالمؤمن مأمور بأن يسعى بما فيه المحبة بين إخوانه المؤمنين، وأما ما فيه من التباغض، فهو حرام أن يسعى فيه بقوله، أو قلمه، أو كلامه، أو عمله، أو تصرفاته، أو إشاراته. ولأجله قال الذي لا ينطق عن الهوى “تعرض الأعمال على الله تعالى كل يوم اثنين وخميس فيغفر لكل امرئ لا يشرك بالله شيئـًا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال انظرا هذين حتى يصطلحا” ثمّ إنّه نهانا عن خُلُق آخر فقال: “ولا تناجشوا”. والنّاجش هو الذي يزيد في السّلع المعروضة للبيع لا يريد شراءَها، ولكن يرفع السّعر لينفعَ به البائع ويضرَّ به المشتريَ، وما أكثر هذا بيننا فالنّاجش خائنٌ آكل للحرام.
وفي حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: “من غشنا فليس منا والمكر والخداع في النار” هذه جملة أخلاق ذميمة نهانا عنها مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة بنا وإسعادا لنا فاللهم خلقنا بأخلاق رسولنا…
ثمّ ماذا يا سيدنا يا رسول الله، قال عليه السلام “ولا يبِع بعضكم على بيعِ بعض” بمعنى أنّ المسلمَ لو اشترى سلعةً أو كان يساوم على سلعةٍ ليشتريَها فإيّاك إياك إياك أن تبيعَ على بيعه حتى يدره أي يتركه ويتخلى عنه، وكذا الشأن في الخطبة “ولا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى يدر”، ثمّ نهانا بقوله: “ولا تدَابَروا” نهانا أن يهجرَ بعضنا بعضا، وفي الحديث “لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام يلتقيان فيُعرض هذا ويُعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام”.
وأخبرنا نبيّنا صلى الله عليه وسلم بأمرٍ جامع بقوله: “وكونوا عبادَ الله إخوانا” الأخوة الدينية، “إنما المومنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون “فمن لازم هذه الأخوّة لا حسدَ، لا بغضاء، لا نجَش ولا بَيع بعضِنا على بيع بعض ولا تدَابر، والله لو ابتعدنا عن هذه الشرور التي عمت وطمت وانتشرت لأنزل الله علينا من السماء ماءا مباركا في الوقت الذي شكونا فيه جذب ديارنا تأخر نزول القطر من السماء عنا.
فاللهم تداركنا بلطفك الخفي يا ذا العطا، وألف بين قلوبنا واجمع على الحق كلمتنا، اللهم ارفع عنا ما حل بنا من قلة المطر، فالأرض قد عطشت وللمولى افتقرت، أغثنا بالعفو واروها يا مقتدر، وارفق بنا يا مولانا في القضا والقدر، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، وصل اللهم وسلم وبارك…