الأسباب الستة لانهزام المعارضة التركية أمام أردوغان

02 يونيو 2023 22:08

هوية بريس – سعيد الغماز

منذ إعلان أردوغان ترشحه للانتخابات الرئاسية، أدركت المعارضة التركية أن مهمتها في هذه الانتخابات لن تكون سهلة ولا مفروشة بالورود. فالمواجهة ستكون مع زعيم حزب استطاع نقل تركيا من بلد ينتمي للعالم الثالث، غارق في الفساد والفوارق الاجتماعية والتردي الاقتصادي وكثرة الانقلابات العسكرية….إلى بلد له مكانة بين الدول العظمى وفاعل أساسي في السياسة الدولية. ويكفي أن نشير في هذا الإطار وقوفه أمام دولة من حجم السويد لعرقلة انضمامها لحلف الناتو بزعامة أمريكا. تعرف المعارضة جيدا أنها ستكون في مواجهة زعيم يتمتع بشرعية الإنجاز ونقاط ضعفه قليلة ومن الصعب الاعتماد عليها واستثمارها في الحملة الانتخابية. فما حققه حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان خلال 20 سنة فقط يفوق بكثير ما أنجزته حقبة أتاتورك خلال أكثر من 80 سنة.

استعدت المعارضة لمواجهة زعيم من المعدن الصلب، وتكتلت ستة أحزاب وراء مرشح واحد لهزم رجب طيب أردوغان. من أبجديات السياسة، أن الحزب الذي يترأس الحكومة تكون مهمته صعبة في الحملة الانتخابية لأنه يعرض نفسه للمحاسبة. فيما تكون مهمة المعارضة سهلة قياسا للحزب الحاكم. فخطابها يعتمد أساسا على انتقاد ما لم تفلح فيه الحكومة أو ما يصطلح عليه سياسيا بالنصف الفارغ من الكأس، وطرح برامجها مع تقديم نفسها بديلا للحزب الحاكم.

لكن حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان خيب آمال المعارضة رغم اتحادها، وجعَلَها تعيش وضعا من الصعب أن تتجاوزه بسهولة. ويمكن أن نختزل الأسباب التي أدت إلى انهزام المعارضة برئاسة كمال كليجدار أوغلو في ستة أخطاء:

-1- سوء اختيار منافس لأردوغان: كمال كليجدار يفتقد لشخصية الزعامة وبعيد عن كاريزما أردوغان الذي يتقن فن الخطابة. أضف إلى ذلك أن تاريخ كمال أوغلو السياسي بعيد كل البعد عما راكمه أردوغان في الممارسة السياسية.

-2- تركيز منافس أردوغان على الأزمة الاقتصادية وخاصة التضخم والأسعار. لكنه لم يفلح في إقناع الأتراك بقدرته على حل هذه المعضلة الاقتصادية ولم يطرح البديل الاقتصادي لكي يتفوق على منافسه. زد على ذلك اقتراحه اللجوء إلى الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية لدعم المشاريع التنموية. وهو أمر رأى فيه الأتراك تراجعا عما حققه أردوغان بأداء جميع ديون تركيا. فانضمت البلاد إلى الدول التي لا ديون عليها، بل أصبحت في مجموعة الدول العظمى المساهمة في المؤسسات المالية كصندوق النقد والبنك الدولي. إذا كان أردوغان أخرج تركيا من أزمة الديون، كيف لكمال كليجدار يسمح بإعادة تركيا إلى دوامة الديون من جديد؟ وهو مطلب جعل المعارضة في حرج شديد أمام الناخب التركي.

-3- الرهان على العالم الغربي خاصة أوروبا باعتبارها تساند المعارضة وتنتقد سياسة أردوغان. ربما اعتبرت المعارضة أن دعم أوروبا لها ومساندة الإعلام الغربي، قد يقوي وضعها في الداخل. لكن العكس هو الذي وقع حيث اعتبر الأتراك أن المعارضة فاقدة للاستقلالية وتتحكم فيها أوروبا وتحظى بدعم الإعلام الأجنبي. بينما برز أردوغان كزعيم قومي مستقل وقادر على جعل تركيا تتعامل بندية مع الدول العظمى.

-4-تمسُّك المعارضة بحقبة أتاتورك لتقوية موقعها الانتخابي. وقد شاهدنا زعيمها كمال كليجدار يختتم حملته الانتخابية بزيارة ضريح مؤسس الجمهورية كمال أتاتورك. لكن هذا الأمر لم يكترث به الناخب التركي ولم يكن له التأثير الذي تتوخاه المعارضة، وكأن حقبة أتاتورك بدأت تتلاشى في المخيلة الجمعية للمجتمع التركي بعد بروز زعامة جديدة تتمثل في رجب طيب أردوغان. ومما يدعم هذا الطرح الاختراق الكبير الذي حققه أردوغان في معقل أتاتورك مدينة إزمير. هذا الاختراق شجع حزب العدالة والتنمية بتنظيم حفل النصر لأول مرة وسط المدينة ظلت لعقود مضت رمزا للعلمانية وللفكر الأتاتوركي.

-5-سوء التعامل مع 5 ملايين شاب يصوت لأول مرة. تقرَّب كمال كليجدار من القوميين المتطرفين المعادين للأجانب خاصة السوريين، وفي نفس الوقت تحالف مع حزب الشعوب الكردي وهو ما اعتبره القوميون عملا انتهازيا. هذا النهج البعيد عن المنطق من أجل استمالة الناخبين، لم يستحسنه الشباب الذي يصوت لأول مرة نظرا لكونه، شبابا متشبعا بقيم النزاهة والمبادئ. كما أن هذه الفئة من الناخبين كانت رافضة لخطاب طرد السوريين لكونها فئة شابة تتبنى قيم التعاون والتآزر ومساعدة الآخر. ورغم أنها الفئة الأكثر تضررا من الأزمة الاقتصادية، وهو ما جعل المعارضة تعول على أصواتها لتغليب كفتها، إلا أنها لم تجد نفسها في خطاب كمال كليجدار واتجهت غالبية أصواتها في صناديق أردوغان.

-6-شعار التغيير لإنهاء حقبة أردوغان دون طرح بديل جديد. فقد أرادت المعارضة استثمار طول المدة التي قضاها أردوغان مع حزبه في الحكم والتي فاقت 20 سنة، فشرعت في الترويج لخطاب التغيير. لكن وعي الناخب التركي جعله يطرح سؤال: التغيير من أجل ماذا؟ وحين لم يجد في كمال كليجدار الرجل القادر على طرح بديل أفضل من أردوغان، اختار الناخب التركي الحفاظ على رئيسه وتأجيل موضوع التغيير إلى حين بروز شروط أفضل.

أُسدل الستار عن إحدى الانتخابات التي اكتسبت شهرة عالمية، وتتبعتها وسائل إعلامية على الصعيد الدولي. كما أنها انتخابات عرفت نسبة كبيرة من الاستقطاب، جعلت نسبة المشاركة تفوق 80% وتعدت 90% بين أتراك الخارج. وهي نسبة حسب المحللين، عالية جدا قياسا لباقي الانتخابات في الدول الديمقراطية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. انتخابات تركيا عززت الخيار الديمقراطي لدى الناخب وهو أكبر مكسب للجمهورية التركية في هذه الانتخابات.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M