الأستاذ المقرئ أبو زيد والنقاب مرة أخرى
هوية بريس – إبراهيم الطالب
ما صرح به الأستاذ المقرئ الإدريسي حول النقاب، هو موقف كثير من الإخوة الأساتذة الذين يحاولون الإصلاح، بل قد لا نكون مجازفين إن قلنا إن هذه الطريقة التي تعامل بها مع الموضوع هي بمثابة منهج لهم في التعامل مع كثير من قضايا الدين، التي يضغط فيها الواقع بتغيراته وإكراهاته على النصوص والأحكام الشرعية، ومن أمثلتها حكم المرتد وأحكام أهل الذمة والمصافحة للمرأة الأجنبية والسفر بدون محرم وجهاد الطلب، والحريات الفردية وبعض متعلقات الممارسة السياسة وغيرها كثير.
والقاسم المشترك بين آرائهم في مثل تلكم القضايا يكون دائما هو الاستجابة لضغطِ واقعٍ ، نعلم جميعا أنه تغير وانحرف بفعل عقود من الاحتلال الفرنسي والإسباني لعبت السياسة فيها بالدين، وتم فيها فصل الدين عن الدولة والشأن التشريعي، والذي استمر بعد الاستقلال، رغم جهود العلماء العظيمة.
والعجيب أن هذه الاستجابة غالبا ما تتخذ سندا لها قولا شاذا أو اجتهادا غير منضبط بقواعد الاجتهاد، بل في بعض الحالات يكون الاجتهاد مع وجود النص.
فالنقاب عزيزي الأستاذ الإدريسي ليس عادة بل عبادة، مرت من ثلاث مراحل:
1– مرحلة التشريع التي قابلتها المسلِمات بالتسليم والامتثال، والنصوص في هذا كثيرة.
2– مرحلة العرف والتقاليد بحيث صار الامتثال الأول ممارسة اجتماعية متعاقبة في الأجيال جيلا بعد جيل، بحيث دخلت تغطية الوجه لتصبح جزء لا يتجزأ من مختلف أنواع الأزياء الساترة التي تلبسها المرأة في البلدان التي دخلت في الإسلام على اختلاف ثقافاتها في الملبس، فرأينا الحايك والتشادور والبرقع والملحاف وغيرها. الأمر الذي يستحيل أن يكون تقليدا وعادة.
3– الرجوع أو العودة إلى حالة الامتثال بعد الغارة على العالم الإسلامي خلال حملات الاحتلال الغربي لبلدان المسلمين، حيث انتشر العري ونزع النقاب بل حورب بقوة من طرف الأنظمة العلمانية كما في تركيا أتاتورك وتونس بورقيبة.
ونأسف مرة أخرى أن أمثال هذا الكلام الذي صدر من الأستاذ الفاضل الإدريسي يثير الموضوعات التي انتهت منها الأمة وقتلت بحثا، وإثارتها لا تفيد في شيء سوى إشغال الشباب بالخلافات الفقهية الجزئية، وإشغال بعض النخب بالرد والتعليق، وللمفارقة هذا أمر كثيرا ما سمعت الأستاذ يشجبه.
كما أن كلامه تضمن تجهيلا لعلماء المذاهب الإسلامية قاطبة والذين اختلفوا بين كونه واجبا أو مستحبا، وهم موزعون على بلدان المسلمين ومنتشرون في كل الشعوب على اختلافها الشديد في عاداتها وتقاليدها، ومعتمدهم جميعهم على القرآن والسنة في تخريج الأحكام، وقد تسلسل وجودهم عبر تاريخ الإسلام إذ يغطون 15 قرنا من تاريخ الفقه، فكيف يترك الأستاذ هذا ويستدل بقول شاذ لأبي شقة رحمه الله وقد رد عليه كثير من العلماء في إبان صدوره.
كيف جاز في عقل الأستاذ أن يقبل به؟؟
للأسف، بعض الأفاضل أمثال أبي شقة ومن قلدهم من أمثال الأستاذ رغم حسن نيتهم وعملهم الجبار في العمل الإسلامي، إلا أنهم لم يستطيعوا اجتناب الضغط العلماني على منظومة التشريعات الإسلامية، ويظنون أن اللجوء إلى القول الشاذ في المسألة، أو اقتحام اجتهاد مقاصدي تأباه قواعد الاجتهاد، هو حل للمعضلات.
إن الأمر الواقع لا يرتفع إلا بخلق واقع بديل عنه منضبط بضوابط الإسلام دون مداهنة في دين الله، بالدعوة والنضال والعمل على الأرض، وليس بمجاراة الواقع الفاسد والخضوع له.
بارك الله فيك.. نحن نحتاج إلى من يقف راسخا.
أحسنت يا أستاذ إبراهيم. أتيت الموضوع من المفصل.