الأسرة المسلمة والتحديات الراهنة
هوية بريس- د.عبد الله بوغوتة/ أستاذ باحث في التاريخ والتربية والتكوين
مقدمة
إن للأسرة في كل الأمم شأن عظيم، فهي أساس المجتمع الإنساني، وما زال المجتمع بخير ما دامت الأسرة على الفطرة محصنة من كل ما يقوض دعائمها ويفسد أساسها، وما يصيبها فضرره على الفرد والمجتمع ضرر جسيم، قد يصل إلى حد الهلاك والزوال، لذلك، ومن باب الحكمة، أن تنال الأسرة عناية خاصة ومستمرة للحفاظ على كيانها وصيانتها من كل ما قد يؤذيها، ولذلك فهي تحتاج إلى إحكام وتحصين، ومناعة تصد بها الغارات الوافدة، وتواجه بها التحديات المحيطة، والمشكلات العارضة.
ونحن، إذ نتحدث عن الأسرة، فإننا نتحدث عن الأسرة المسلمة المكَرَّمة، لا بد أن نستحضر السياق العام الراهن؛ وهذا السياق –للأسف- يبرز فيه هجوم على القيم الفطرية الإنسانية التي جعلها الله عز وجل للناس شرعة ومنهاجا، حيث تعيش هذه الأسرة في بحر هائج، وفي محيط مضطرب، ووضع معقد يراد لها أن يمسها المسخ والفسخ والبخس.
هذا المسخ يستهدف، بالأساس، هويتها الدينية وشخصيتها الإيمانية وفطرتها التي فطرها الله عليها، والفسخ يروم تفكيك بنيتها الاجتماعية وأهميتها في المجتمع من خلال دعم مؤسسات الإفساد، والتبخيس والتقليل من قيمتها التربوية، ووظيفتها الإصلاحية، وكلها تحديات ومخاطر داخلية وخارجية سنتناولها في ثنايا هذه المقالة.
ولمقاربة هذا الموضوع، الذي لا يحق لنا ولا ندعي ذلك أننا سنحيط به من كل جوانبه، سنقوم بتسليط الضوء على أهم المعالم، من باب “ما لا يدرك كله، لا يترك جله”، بل وحتى قليله، خصوصا في زماننا الحالي.
وإن من أهم ما ينبغي البدء به، هو التعريف ومواصفات الأسرة التي نريد، وبعد ذلك سنحاول رصد أهم التحديات الداخلية والخراجية، لنخلص إلى تقديم بعض التوجيهات التي نراها تسهم بشكل كبير في تحصين الأسرة وضمان استمراريتها لأداء المهام المنوطة بها.
أولا: مفهوم الأسرة المسلمة: القدوة التي نريد
معلوم أن للأسرة في الإسلام هوية ربانية، وشخصية إيمانية تتصل بقيمه، وتمتح من معينه، وتسترشد بأحكامه، وقد جعل الله منطلق تأسيس هذه النواة المجتمعية: “رابطة الزوجية” التي جعلها إرادة ناجزة، وسنة ثابتة، وطريقا واضحا لتكثير النوع الإنساني، قال تعالى: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) [سورة النجم، الآية 45]، وقال سبحانه: (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) [سورة القيامة، الآية 39] وقال أيضا: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) [سورة الأعراف، الآية189].
فلا حياة لهذه الأسرة إلا في كنف محضنها الشرعي، ومرتكزها القيمي الذي يراد أن تُفصل عنه، ويُفك ارتباطها به، وتُنتزع منها هذه الهوية حتى يسهل الانقضاض عليها، ومسخ هذه الروح السارية؛ روح الإسلام وقيمه. لذلك نشهد في العقود الأخيرة محاولات دائبة للترويج لأفكار مقطوعة عن هذا السياق الرباني الخالد، بل هي مصادمة له، ومنفرة منه، ومنها الأصوات التي ارتفعت منادية بتشريع ما سمي بـ“الزواج المدني” وهو مقابل “الزواج الديني”، والمطالبة بإدراجه ضمن مدونات الأسرة، وقوانين الأحوال الشخصية، وتشريعاتها المعمول بها في الدول الإسلامية.
وهذا اتجاه لا تخفى مطامحه وأهدافه؛ فهو يريد من خلال ذلك ضرب الأساس، أي عزل الأسرة منذ البداية عن الرباط الديني، وقطع هذا الترابط، وجعل ذلك مقدمة لفصله عن الأحكام الشرعية المتصلة به من إرث، وحضانة، ونسب، وطلاق، وموانع شرعية للزواج… فيصبح الطريق ممهدا لخلخلة هذه المنظومة القيمية المتصلة أجزاؤها ببعض، ونقض هذا البنيان الرباني الذي جعله الله رباطا مقدسا وميثاقا غليظا.
ولا ننسى أن هناك مساع حثيثة لإعادة صياغة تعريف “للأسرة” بما يفتح الباب للزواج المثلي، والشذوذ الجنسي، والانحلال الأخلاقي، والخروج عن الفطرة السوية عبر زواج رجل برجل، أو امرأة بامرأة، أو رجل بأخته، أو أب بابنته ومحارمه، وزواج امرأة بعدة أزواج دفعة واحدة، (كما وقع مؤخرا في جنوب إفريقيا)، بل الأكثر انحطاطا وانحدارا وسفولا زواج إنسان مهما كان جنسه بحيوان، وهنا نستحضر النقاشات التي رافقت إقرار وثيقة بكين سنة 1995، وما رافقها من محاولات مضنية لتغيير طبيعة الأسرة الإيمانية، ورسالتها الأخلاقية، وبنيتها التكوينية القائمة على وجود رجل وامرأة في رباط مقدس، وعقد شرعي، ومحاولة نزع الصبغة الشرعية عن الزواج، وفصله عن منظومته القيمية.
ولذلك لا بد من أن نعود إلى التذكير بمفهوم الأسرة المسلمة، التي تعتبر النواة الصلبة للمجتمع، والحصن الحصين الذي يضمن تماسكه واستقرار نسيجه الاجتماعي والثقافي واستمرارية وجوده، إذ؛ إن ضياع الأسرة مؤذن بخراب المجتمع.
والأسرة التي نعني هي تلك التي تعارفت عليها الطباع الإنسانية السليمة، وأقرتها الأديان السماوية، وفي هذا السياق جاء في “الميثاق الإسلامي العالمي للأسرة” (06 أبريل 2016) أن: “الأسرة وحدة اجتماعية تقوم على ذكر وأنثى يربط بينهما بالتراضي ميثاق زواج شرعي قائم على العدل والإحسان والتعاون والتشاور والمودة والرحمة”. وهذا التعريف لا يختلف في جوهره ما جاء على لسان أهل الحكمة والعقل عبر التاريخ.
ولقد اعتنى الإسلام ببناء الأسرة من خلال منظومة عقدية وقيمية متناسقة وشاملة، يقوم أساسها على تحقيق مبادئ عظيمة، من أهمها: العدل والمودة والرحمة، كما قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [سورة الروم، الآية 30].
ويعتبر الإسلام نظام الأسرة المحضن الوحيد الذي يمكن أن تتم فيه التنشئة الاجتماعية السليمة، وتنمو فيه العلاقات الاجتماعية السوية، لهذا فإنَّ التعاليم التي وضعت في هذا المجال هيأت كل الفرص لتحقيق مجموع من الفوائد، على المستويات الإنسانية والاجتماعية والتربوية والصحية والاقتصادية… بحكم أن الأسرة هي سر وجود واستمرارية المجتمع.
والأسرة القدوة المنشودة هي الأسرة التي بنى عراها وشيد صرحها وأقام ركائزها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهي أسرة “أسرة محمد وأهله” صلوات ربي وسلامه عليه، ورضي الله عن أهله وصحبه أجمعين.
تلك الأسرة التي بنيت على أسس التوحيد والتقرب إلى الله بالمودة والرحمة والتساكن، وكل القيم النبيلة والمعاني السامية، التي تحقق الأمن والطمأنينة، كيف لا، وقائدها هو من قال فيه رب العزة: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [سورة القلم، الآية 4]، والشواهد من القرآن الكريم والسنة والسيرة النبوية الشريفة، أكثر من أن تحصر في هذه العجالة.
ولقد انتظمت الأسرة على عهد الرعيل الأول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم أجمعين، على أسس وقواعد ومقومات، اقتداء بنبي الهدى وأهله، نذكر منها: المودة والرحمة والخدمة والعدل واللطف والحلم وخفض الجناح والتوازن في الحقوق والواجبات، والتراضي والتشاور…
لذلك جعل النبي الكريم، صلوات ربي وسلامه عليه، الأمن سببا من أسباب السعادة، ومقوما من مقومات الاستقرار حين قال: “مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا” [سنن الترمذي، رقم 2346، الأدب المفرد للبخاري رقم 300]، ولأهمية الأمن ابتدأ به صلى الله عليه وسلم باعتبار أسبقيته وضرورته، ولكونه أصلا ينبني عليه غيره، ويحصل به ما دونه.
و”أمن السرب” إشارة إلى أن حصول “الأمن الفردي” متوقف على حصول “الأمن المجتمعي” والعكس صحيح، سواء في المجتمع الصغير -وهو أسرة الفرد ومحضنه الأول – أو في المجتمع الكبير الذي يشكل الامتداد الطبيعي للفرد في علاقاته ومصالحه وارتباطاته، فأمن الأسرة (السرب الصغير) مقدمة لحصول أمن المجتمع والأمة (السرب الكبير)، لذلك قَيَّد النبي صلى الله عليه وسلم المقوم الأول من مقومات الاستقرار: “مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا” بقيد إضافي “آمِنًا فِي سِرْبِهِ” تأكيدا على المعنى المشار إليه آنفا.
ولعل مما يلفت نظر المتأمل في هذا الحديث العظيم تقريره لمعادلة حاسمة تشكل نظرية متكاملة في “الأمن الشامل”قوامها:
الأمن الأسري والمجتمعي + الأمن الصحي + الأمن الغذائي= استقرار الإنسان وسعادته.
وإذا عدنا إلى النصوص المرجعية، ذات العلاقة بالأمن الأسري، خصوصا، نجد أن أهم مقاصد الأسرة تتجلى في:
1 – الإحصان والإعفاف للزوجين وصيانة الأعراض.
2 – حفظ النسل ورعايته صحيا واجتماعيا ونفسيا.
3 – بقاء النوع الإنساني.
4 – السكينة والاستقرار النفسي والمودة والرحمة.
5 – بناء المجتمع الإنساني الآمن المستقر.
6 – تلبية الحاجة إلى الانتماء الأسري.
وكل أسرة غابت عنها هذه المقاصد أو بعدها، فقدت الأمن والأمان، وعاشت التنافر والضنك النفسي والعلائقي.
والمتأمل في واقع الأسرة المسلمة اليوم يجد أنها بدأت تفقد بعض تأثيرها ودورها الريادي في التنشئة السليمة القمينة ببناء الشخصية الإسلامية المنتجة الفاعلة؛ وذلك بسبب الضعف الملحوظ في البناء الإيماني والتصوري والتربوي لبعض الأسر، وبسبب ضعف الثقافة الأسرية؛ لهذا وغيره من الأسباب ظهرت في المجتمع مشكلات كثيرة ومتشعبة، وزاد من حدتها وتنوعها الانفتاح الثقافي، وطغيان العولمة الإعلامية والاجتماعية، وأصبحت الأسرة المسلمة تتعرض لتغيرات سريعة من خلال غزو ثقافي ومفاهيمي في كثير من مكوناتها، كما تتعرض لتحديات خطيرة تهدد هويتها وتماسكها كيانها واستقرارها.
ثانيا: التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة وسبل التحصين.
وهناك نوعان من التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة.
أ. تحديات داخلية.
- ضعف القدوة أو انعدامها واستبدالها بقدوات مزيفة وبئيسة؛
- الخلافات الزوجية، والتي منشؤها أساسا تشوه في الفهم السليم لمفهوم المودة والرحمة والسكن والقوامة وغيرها من القيم الموجهة للحياة الزوجية والأسرية؛
- تعدد المتدخلين واختلافهم الذي قد يصل إلى حد التناقض، فالأم مثلا تفتخر بزوج ابنتها الذي يدللها ويلبي طلباتها ويحاول أن يحقق لها السعادة، وقد يضيق صدرها إذا كان تصرف ابنها مع زوجته؛
- تغير المهام والأدوار التي قد تصل إلى حد المسخ؛ بحيث نجد أن الزوجة تقوم بمهام الزوج، وهو يتحول بحكم الضغط المعيشي والضرورة المزعومة إلى القيام ببعض أدوارها التي لا يمكن أن يقوم بها غيرها؛
- الخلل في ترتيب المطالب والأولويات؛ بحيث تتحول الكماليات والتحسينيات إلى ضروريات، وبما أن الدخل قد لا يكفي تبدأ عملية التداين والاقتراض غير الضروري، ونحن نعلم جيدا أن الدين أرق وعذاب نفسي بالليل ومذلة بالنهار.
ب. تحديات خارجية.
- الإعلام الموجه؛ وخاصة محتويات مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت توجه الحياة بشكل عام والحياة الأسرية بشكل خاص نحو النمط الاستهلاكي والاستلاب الفكري والحضاري.
- التغيرات المجتمعية، بحكم مستجدات الحياة في سياق التطور التكنولوجي والتقارب الكوني، والتدافع الثقافي الذي قد يصل إلى مرحلة الذوبان عند البعض، وخاصة على مستوى الانتقال من سكن العائلة الممتدة، إلى سكن الأسرة النووية (الزوج والزوجة والأبناء ما داموا صغارا)؛
- المتحكمات الثقافية والحضارية المخالفة؛ ودورها في عملية التفكيك والمسخ الذي طال العلاقات الأسرية وأقرت نماذج غريبة عن أصولنا الثقافية وجذورنا الحضارية، وهذا ما يمكن أن نصلح عليه بالتنميط الثقافي والحضاري، وما نلمسه في حياتنا اليومية (اللباس، والأكل، والقراءة…)، وكذا في المناسبات الدينية والاجتماعية التي اندثرت فيها مجموعة من القيم النبيلة…
وفي كلا مسارَيْ هذه التحديات تتفرع تحديات أخرى اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية كثيرة، ولن نستطيع في هذه المقالة بسط ومناقشة كل المشكلات والتحديات التي تواجه الأسرة المسلمة اليوم، لكن حسبنا أن نثير الاهتمام بهذه القضية الحيوية، ونقدم بعض الرؤى والمقترحات العملية التي نراها قمينة بالنهوض بالأسرة المسلمة وإعادتها إلى طبيعتها وفطرتها وتحصينها:
- لا بد من الإقرار بأن دور الأسرة التربوي والاجتماعي قد انحسر في كثير من المجتمعات، وليس فقط عند المجتمعات المسلمة، في الوقت الذي توسع فيه تأثير الفضائيات والأنترنت ونحوها من وسائل الإعلام والاتصال، وأصبحت كثير من الأسر تتخلى، إن لم تكن قد تخلت، عن مسؤوليتها التربوية، المنوطة بها شرعاً وعقلاً، وأخذت تعتني ببعض الشكليات المادية والاستهلاكية؛ بحيث تحولت البيوت إلى فضاءات للأكل والشرب والنوم بدل أن تكون محاضن للتربية بمختلف تجلياتها.
وإن إعادة التوازن التربوي، وترسيخ دور الأسرة الاجتماعي والتربوي من أولى الأولويات التي تسهم في تماسك المجتمع ورقيه؛ وهذه المهمة التربوية ينبغي أن تأتلف عليها كافة مؤسسات المجتمع، وفي مقدمتها المؤسسات التعليمية/التربوية والاجتماعية والإعلامية، كما أن المسجد والفضاءات الدعوية والتربوية المتعددة هي المحضن العظيم الذي يبني الإطار العلمي، ويرسم السبيل القويم لتربية المجتمع وتوجهه نحو العمل الجاد والبناء الصالح، دون إغفال دور كل مؤسسات التربية والتنشئة وعلى رأسها المدرسة والإعلام وجماعات الأقران.
- لا بد أن نعترف بوجود مشكلات مزمنة في المجتمع، نلمس آثارها في ارتفاع نسب الطلاق والاعتداء على الزوجات، وعضل النساء، والعنف ضد الأطفال، وجنوح الأحداث، وانتشار الخمور والمخدرات… وغير ذلك، وإن إدراكنا لهذه المشكلات يجب ألا ينسينا الخير الكثير الذي ينتشر في المجتمع؛ ومهمةُ أهل العلم والتربية والتعليم، قراءةُ هذا الواقع بمنهج علمي رصين، مع التحلي بالموضوعية والإنصاف دون تهويل أو تهوين، ثم الإسهام والانخراط في بناء الخطط القمينة بحفظ كيان المجتمع والدفع به قدماً نحو التنمية والتقدم والبناء والانطلاق نحو مستقبل أفضل.
- اجترار الشكوى والاستمرار في جلد الذات والإكثار من التوصيف لن يغير من الواقع شيئاً، الذي رفع من نسبة التشاؤم والنظرة السوداوية لدى الأفراد والأسر، كما أن التغاضي عن المشكلات سيجعلها تتجذر وتنمو في المجتمع؛ لذا ينبغي السعي لبلورة الخطط والإسهام في تقوية المؤسسات الاجتماعية المتخصصة التي تتصدى لمشكلات الأسرة بوعي وعلم، كما ينبغي أن تتكاتف الجهود الرسمية والشعبية لتحقيق ذلك، ولعل الفرصة سانحة اليوم أكثر من أي وقت مضى من خلال الأدوار الإصلاحية الطلائعية التي أنيطت بجمعيات وهيئات المجتمع المدني بموجب الدستور الجديد.
- نحن –المسلمين- أَوْلى من غيرنا في عنصر المبادرة لاستنقاذ الأسرة وحماية كيانها الاجتماعي، ولا يجوز شرعاً ولا عقلاً أن نتهاون في ذلك، أفرادا وجمعيات وجماعات ومؤسسات؛ حتى لا نقدم للمنظمات الدولية ذريعة للتدخل في شؤوننا الخاصة، ونَقْضِ سيادتنا السياسية والاجتماعية؛ والكون لا يؤمن بالفراغ.
- من المهم أن نستفيد من خبرات الآخرين في المنظمات الدولية خاصة، لكن مع استحضار خصوصيتنا العقدية والثقافية؛ في إطار الاعتزاز بالذات والانفتاح على مكتسبات الحضارة الإنسانية، من باب “الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق بها”، فديننا الحنيف يأمرنا بالعدل والرحمة، وينهانا عن الظلم والاعتداء، لكن مصطلحات (المساواة والحرية الفردية والعنف الأسري) وغيرها تأخذ أبعاداً مختلفة تماما عند بعض المنظمات الأممية، وفي مواثيقها الدولية، ومن المفيد جداً أن نعي أبعاد الواقع الدولي حتى نتعامل معه ببصيرة وحسن فهم، فهو كما أنه ليس خير كله فهو ليس شر كله.
وها هنا يأتي دور الدعاةِ والمصلحين وأهلِ الرأي في حفظ هوية المجتمع، ورعاية ثقافته وجذوره العقدية والاجتماعية. ولن يتحقق ذلك إلا بمزيد من الحيوية والتفاعل مع قضايا المجتمع، وتجديد آلياتنا الدعوية والتربوية، لتكون أكثر نضجاً وعمقاً.