الأطفال وصعوبة التواجد الآمن في الفضاءات العامة
هوية بريس – لحبيب عكي
خلال مراحل نموه الأولى، يكون الطفل جد مرتبط بمحيط بيته الداخلي، من والديه وإخوته وأقاربه المعتادين، منهم يستقي كل العادات ويتعلم كل المهارات، ليكتشف في ما بعد، أن هناك عالما آخر خارجيا أوسع معرفة وأرحب معارف وأصدقاء وأكثر حرية في الحركة والألعاب،فيحاول اقتحامه واكتشافه لتوسيع اختياراته وتقوية معارفه وتكثير مهاراته،بأشياء جديدة تعزز مكتسباته القديمة وتضيف إليها أشياء جديدة يفتخر باكتسابها اعتمادا على نفسه، من هنا يبدأ انفتاحه على الآخرين بدءا من أقرانه من أبناء الجيران وأصدقاء الروض والكتاب في الحي؟؟.
وتستمر مراحل نمو الطفل، من معارف العائلة والأصدقاء المعتادة والمشاعة إلى مرحلة المعارف العلمية المنظمة والمهارات المؤسسة والاختيارات الشخصية شبه المطلقة، فتأتي مرحلة خروجه إلى المؤسسات الخارجية من الروض والكتاب، إلى المدرسة و الجمعية، إلى الحدائق والملاعب، إلى السواقي والسويقات والغابات، إلى الشواطىء والملاعب والمخيمات..، بمفرده أو رفقة أحد أفراد الأسرة، ومرة رفقة الأصدقاء أو عبر تنظيم خرجات ورحلات ومسابقات ودوريات..مؤسساتية، وفي كل المؤسسات والفضاءات يكتشف الطفل النشء الحياة على حقيقتها، ويتكون من تجاربها حتى يشتد عوده و تقوي شخصيته؟؟
لكن اليوم، – وأكثر من أي وقت مضى – أصبح ولوج الطفل إلى هذه الفضاءات الخارجية العامة والضرورية، تهدده فيها مخاطر متعددة وتعترضه إشكالات ليست بالهينة:
- طفل في العالم القروي، يريد الولوج إلى روض فلا يجده بالمطلق، ويريد التنقل إلى مدرسة وهي عنه بعيدة فلا يجد وسيلة نقل مناسبة، قد يسبح في اليم فيصيبه تلوث أو غرق، أو يتفسح في الغابة فتتسلط عليه رفقة سيئة أو يتيه بين حقولها أو يعضه كلب ضال أو مسعور، و قد يلعب في الساحة غير المهيأة فيسقط و تأذيه أحجارها أو يلدغه عبر المغارات عقرب أو زاحف؟؟.
- وطفل في المدينة يتجول في السويقة فيتيه بين روادها، أو يركب الحافلة فينشل،أو يسخر إلى دكان الحي فتختطف منه دريهماته أو سخرته، أو يلعب مع أصدقاء فيتنمرون عليه، وفي الملاعب يكون ضحية الشغب، وفي الحدائق ضحية التغرير، وفي بعض المدارس ضحية التحرش والعنف والاعتداء، وفي بعض الجمعيات حدثت ضحايا اكتظاظ خلال الأنشطة أو حرائق في المقرات خلال الحفلات والأمسيات، أو حوادث في الطرقات خلال الرحلات أو غرق في الشواطىيء أثناء المخيمات..؟؟.
ارتياد الأطفال للفضاءات العامة الخارجية إذن ضرورة تربوية واجتماعية وتكوينية ملحة،لكن بأية ضمانات الأمن والسلامة الشخصية، سواء من الحوادث الطبيعية الناتجة عن التقصير أو الحوادث الاجتماعية، الجسدية منها والأخلاقية؟؟،وإسهاما منا في هذا الاتجاه الذي هو أمن وسلامة الأطفال في الفضاءات العمومية نقترح ونذكر بما يلي:
أ- على مستوى الفضاء العمومي:
- ضرورة توفير الفضاءات العمومية بما يكفي وتأهيلها بما يلزم للارتياد.
- توفير وسائل النقل الضرورية منها وإليها، يعني البعيدة منها.
- وضع أمن وسلامة الأطفال والآخرين على رأس دفتر تحملات استثمارها.
- العدالة المجالية والعمرية والتخصصية في إحداث هذه الفضاءات وتوزيعها.
- إحداث شرطة المراقبة والوقاية في عين المكان، واستثمار الكاميرات في الشوارع والقاعات والمؤسسات.
- إدراج برامج التربية السليمة والمتكاملة في المدارس، صحية،فكرية،جنسية،طرقية،فنية..إلـــــى غير ذلك.
- على مستوى الأطفال وأسرهم:
- إعطاء القدر اللازم من الاهتمام للأطفال داخل البيت وخارجه،رعاية وحماية ومشاركة.
- مرافقتهم في بداية خروجهم إلى الفضاءات العامة وتعريفهم عليها وعلى ضوابط ارتيادها.
- تلقينهم شروط السلامة الذاتية وتدريبهم عليها دون تهويل ولا تهيين.
- تشجيعهم على التعبير والحوار الأسري والاجتماعي والفكري في مختلف الأحداث والمواقف.
- تشجيع الأطفال على التأطير ضمن جمعيات المجتمع المدني،والمساهمة في البرامج الأسرية الجماعية.
- احترام أوقات الدخول والخروج وطلب الإذن من الآباء في ممارسة أنشطة أو مرافقة أصدقاء أو ارتياد فضاء.
- على مستوى المجتمع والمجتمع المدني:
- إحياء الموروث الثقافي والتضامني و حسن الجوار في الأحياء، لحماية الأطفال من الغرباء والعصابات.
- إدراك أن التربية مؤسساتية جماعية وأن النجاة ليست فردية، ومن لم يؤدب أبناء جـاره أفسدوا أبناءه.
- إحياء الصداقة بين أبناء الحي والشلة والحمية،والدخول في الأنشطة المواطنة والحمـلات التضـــامنية.
- تفعيل أكثر وحقيقي لدور الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني في تأطير المواطنين وخاصة الطفولة والشباب.
- إحداث مرصد وطني لتتبع الظاهرة محليا و وطنيا و دوليا،والبحث لها عن الحلول الممكنة والفعالة علميا وتربويا وقــــانونيـا.
- ترافع المجتمع المدني على قضايا الطفولة والشباب،وخاصة من أجل إعلام وإنترنيت هادف وممتع يحمي ويبني الجمهور الناشء، ولا يكون بابا واسعا وحقيقيا وعلى مصراعيه لكل متاعب الأطفال وانحراف الشبـاب.
د-على المستوى الحكومي والسياسات العمومية:
- وضع برامج حكومية واضحة وتدابير ملموسة لحماية الطفولة والشباب.
- محاربة البطالة والفقر وغيره مما يؤسس لدى الشباب للانحراف الفكري والسلوكي.
- إحداث مراكز البحث التربوي والسوسيولوجي حول الظاهرة عبر كراسي علمية وتخصصات جامعية.
- تنسيق محكم وفعال بين كل القطاعات العمومية المتدخلة في الشأن الطفولي والشباب والمرأة والأسرة.
- تطوير منظومة القانون الجنائي الوطني بما يردع الجناة فعليا ويعمل على التخفيف والحد من المعضلة.
- تقييم وتقويم موسمي مستمر للتراكمات والمستجدات والتحديات وفق معايير سمـاوية و مواثيق دولية.
ويبقى أمن الطفولة وسلامتها في الفضاءات العمومية، مسؤولية الجميع،ليس من باب التعويم أو تهريب المسؤولية، بل بالعكس ضرورة انخراط كل الأطراف في هذه المعضلة الاجتماعية الوطنية كل من جهته وبإمكانه، فما فشلت الكثير من سياسات التعليم والصحة والتنمية، إلا لأن العديد من الفاعلين المجتمعيين مهمشين، أولا، لا يسمح لهم بالتدخل على أرض الواقع،رغم الإطارات المرجعية والقانونية التي تسمح وتنادي بذلك(جمعيات المجتمع المدني نموذجا)، ثانيا، لأنهم لا يتدخلون – عند السماح لهم – إلا كأدوات تنفيذ ومساعدة كما يفرض عليهم الآخرون المانحون، ولو في مشاريع وحلول متيقن مسبقا من فشلها ومحدودية جدواها،لغياب المقاربة التشاركية الحقيقية من البداية،فما بالك بالمقاربة التشاركية كما ينص عليها الدستور في وضع السياسات و أجرأتها وتتبعها وتقييمها وتطويرها من طرف جميع الفاعلين وبمشاركتهم، ومن دون شك أن حماية الطفولة والشباب أولى بهذه المقاربة وإلا ستبقى كل حالة عنف واغتصاب أو حالة تفكك وانحراف أو حالة تعثر وهدر مدرسي أو حالة هجرة سرية وغرق..أو..أو..،مجرد أرقام إضافية نحو المجهول؟؟.