الأمازيغية.. الثقوب المهددة للهوية المغربية

06 سبتمبر 2024 22:12

هوية بريس – إبراهيم الطالب

لكل شعب هويته الخاصة التي تجمع بين أفراده، توحد شعورهم بالانتماء، وتشكل الأساس لضميرهم الجمعي، الذي يخضعون له طواعية، ويعتمدونه مصدرا للتشريعات والأعراف التي تنظم علاقاتهم وسلوكياتهم، وتضبط تصرفاتهم، فتتوحد آمالهم وطموحاتهم.

ولعل أهم العناصر التي شكلت المجتمع المغربي تتمثل في العنصر الأمازيغي والعنصر العربي، وقد امتزجا بشكل جعل منهما نسيجا متجانسا مندمجا، وهو ما أعطى الصورة النهائية للمجتمع المغربي، ولا يختلف اثنان في كون الإسلام لعب الدور الأساس في هذا الانصهار والتمازج والاندماج، فرَضِي الجميع واستقروا على اعتبار الإسلام عقيدة وشريعة ومنهجا، الأساس الذي اكتمل به بناء الهوية المغربية الإسلامية.

فكان النظام الإسلامي هو المؤسس للدولة، وشريعته هي المصدر الأساسي والوحيد المنظم للعلاقات والتصرفات بين أفراد المجتمع المغربي، فتركوا كل ما يخالفه من الأعراف الفاسدة والمناقضة للدين، فصار هو المرجعية للتشريع والحكم خصوصا بعد تطور الدولة على عهد المرابطين الذين استكملوا توحيد البلاد وأضافوا إليها بلاد الأندلس.

ظل المغرب، بفعل هذا التمازج والانصهار بين مكوناته، كلما اضمحلت دولة وتفككت، تقوم مكانها دولة أخرى على أساس الدين والهوية، فتعاقب على الحكم بعد المرابطين الموحدون والمرينيون والوطاسيون ثم الأشراف السعديون ثم العلويون الأشراف، ولم يمنع الضعف الذي أصاب عنصر “العصبية القبلية” التي شكلت أساس الحكم السياسي خلال قرون عديدة، من قيام الدولة على أساس آخر منع الغرب الصليبي آنذاك والمتربص بالمغرب من استباحة بيضته، حيث شكل “الشرف” والانتساب لبيت النبوية الطاهر أساسا داعما للعصبية التي فقدت قوتها بفعل التداخل الكبير بين العنصر العربي والأمازيغي، فشكلا معا الأس الذي بنت عليه القبائل المغربية نظام الحكم سواء في دولة السعديين أم في دولة العلويين.

وقد لعب العنصران (العرب والآمازيغ) دون تمييز ولا تمايز دور الكتلة الاجتماعية الشعبية الواحدة والموحدة في صد الهجومات التوسعية التي عاشها المغرب بعد سقوط الأندلس، ودخول المغرب في عالم القرن السادس عشر الميلادي.

وبفضل هذا الكتلة القوية المتجانسة حافظ المغرب على استقلاله وهويته وشخصيته، واستمرت هذه الحال إلى أن فُرضت عليه الحماية الفرنسية في إطار الحملات الإمبريالية التي شنها الغرب على العالم الإسلامي والتي لا يزال هذا الأخير يعيش تداعياتها إلى اليوم.

دخول الاحتلال الفرنسي كان إيذانا ببداية الحرب على الهوية المغربية والتي اعتمدت على أجنحة المكر الثلاثة -حسب تعبير حبنكة الميداني- والمتمثلة في الاستعمار والتنصير والاستشراق.

حاولت فرنسا مبكرا أن تجلب سياستها البربرية التي نفذتها في القطر الجزائري لتطبقها في المغرب، فاستصدرت ثلاث ظهائر الأول كان في 1914 والثاني في 1922 والثالث في 1930، وهذا الأخير شكل نقطة التحول العظيمة في تاريخ المقاومة بالمغرب.

أما اليوم فالهوية المغربية تعيش معضلة خطيرة، حيث إن فرنسا استطاعت الاستمرار في سياستها البربرية، حتى بعد جلائها، وذلك من خلال دعم الأطروحات المغرقة في التعصب، والمرتكزة على تثوير العداوة بين المغاربة المسلمين، رغم كل ما بذله الآباء والأجداد، ورغم جهادهم ونضالهم ومقاومتهم لمخططاتها والتي تكللت بالاستقلال وإلغاء العمل بالظهائر البربرية سابقة الذكر.

هكذا أصبحت القضية الأمازيغية التي افتعلها الاحتلال الفرنسي ثقبا كبيرا في جسم الهوية المغربية، يجنح بها بعض المتطرفين إلى أن تكون سببا في حرب مستقبلية بين العرب والبربر تمزق الشعب المغربي، فحجم الحقد والعداء لكل ما يمت للغة العربية وللإسلام بصلة، والذي يتطور ويتسع يوما بعد يوم، يظهر لنا بوضوح مدى الخطر المستقبلي لهذه المعضلة.

والعجيب أن متعصبي الأمازيغ من الذين ينظرون إلى العرب بمثابة الغزاة، والعربية لغة تزاحم اللغة الأمازيغية، والقرآن والدين يهدد هوية الأمازيغ، كلهم يبنون ترهاتهم على الكذبات نفسها التي افتراها الباحثون والسياسيون الفرنسيون وأضفوا عليها شرعية بالقوة والتزوير.

ففي إحدى جلسات اللجنة المكلفة بتنظيم العدلية البربرية قبيل صدور الظهير البربري والتي انعقدت جلساتها الثلاثة في ما بين 26 فبراير 1930 و13 مارس 1930، قال “مارتي” الكومندار المترجم والذي حضر أشغال اللجنة صحبة قنصل فرنسا ومستشار الحكومة الشريفة إن: “الاعتراضات التي يمكن أن يقدمها المخزن هي اعتراضات من الوجهة الدينية، فالسلطان، بصفته أمير المؤمنين، لا يمكنه أن يتنازل ليصدر هو نفسُه أمرا بإخراج جزء من رعاياه المسلمين عن الذي نزل به الوحي”.

هذا التصريح تَمَّ في جلسة رسمية معنية بالقضية البربرية، ويظهِر لنا أن هذه القضية كلها مفتعلة لكنها مدروسة ومصروف عليها كثيرا، اتخذت وسيلة لإخراج الأمازيغ من الإسلام، ويؤكد ذلك محاربة فرنسا للغة العربية ومنعها من أن تدرس في مدارسها في المناطق الأمازيغية، هذا بالإضافة إلى حملات التنصير التي كانت توليها الإقامة العامة أهمية كبرى في تفتيت أواصر الإسلام بين العرب والأمازيغ.

على أن الصعوبات التي واجهت إدارة الاحتلال لم تكن بسبب الظهير البربري الصادر في 16 ماي 1930، بل عرفتها منذ بدايات مخططها الدنيء هذا.

يقول “بلان” قنصل فرنسا ومستشار الحكومة الشريفة وعضو اللجنة المذكورة في إحدى جلساتها: “لا ينبغي نسيان أن ظهير 1914 قد نوقش مدة طويلة عند المخزن، وأن الظروف في ذلك الحين هي التي أثرت تأثيرا كبيرا في ترجیح إصداره”.

ثم أضاف: “إن السلطان لا يمكن أن يقول لنا إلا شيئا واحدا: (افعلوا ما تريدون، لكن افعلوه طاعة للقانون الاسلامي)”.

الأمر الذي يدل قطعا أن القضية الأمازيغية إبان الاحتلال لم تبنَ على أساس الواقع والحقيقة والتاريخ، بل على القوة والتزوير لبلوغ طموحات توسعية استعمارية، تحارب الهوية المغربية، لتضعفها حتى تستجيب لعملية الإخضاع للثقافة والتشريع الفرنسيين.

لقد كان موقف السلطان محمد الخامس صارما في رفضه لهذه المخططات، مثله مثل باقي الشعب المغربي، ونعلم ذلك من خلال مضمون الرسالة التي كتبها مستشار الحكومة الشريفة “بلان” في هذا الموضوع إلى الكاتب العام للحماية بتاريخ 15 يونيو 1927 والتي تحمل رقم 3888 جاء فيها: “لقد ظهر أنه ليس في الإمكان أن يدخل السلطان في هذا السبيل، وقد أعلنت لكم مرات عديدة موقف السلطان في هذه المسائل البربرية، فهو لا يريد بأي شكل من الأشكال أن يتدخل فيها، ولا أن يضع في قانون رسمي قرارا يهدم الشريعة، ولا أن يعلن بصفة من الصفات تنازله عما له من الحقوق بصفته إماما وحارسا للقانون الديني، وهذه عنده مسألة نفوذ أمام رعاياه، ومسألة شعور دیني صادق هو متعلق به شديد التعلق“.

يتضح إذن من خلال هذه الرسالة أن الظهير البربري والمسألة البربرية في نشأتها إنما كانت حربا على إسلام الأمازيغ والمغاربة جميعا، ولم تكن على الإطلاق تكريسا لواقع حقيقي كما يدعيه غلاة الأمازيغ اليوم.

فلماذا يحييها ويقويها المتطرفون من أبناء وأحفاد مُحا أوحمو الزياني بطل معركة الهري سنة 1914، وعبد الكريم الخطابي بطل أنوال 1921، وعسو أوبسلام بطل معركة بوگافر سنة 1933م؟؟

لماذا لم ترفع أية قبيلة من القبائل الأمازيغية شعارات المتمزغين المعادية للإسلام واللغة العربية بل كلها حاربت فرنسا لتهديدها لهويتها الإسلامية؟

وثالثة الأثافي، لماذا يريد بعضهم أن يجعل من الأمازيغ المغاربة المسلمين خداما للكيان الصهيوني، ضدا على تاريخ أمتهم ودين آبائهم وأجدادهم؟

أليس ما يشيعه المتطرفون المذكورون يهدد أمن البلاد، ويدفع نحو تقسيمها، في تماهٍ صارخ مع الأجندة الصهيوغربية؟

إن القومية العربية كانت ضرة الإسلام في المشرق العربي، والمسألة البربرية أريد لها أن تلعب نفس الدور، فما حققته القومية العربية من تقسيم بين المسلمين العرب والمسلمين غير العرب، والذي استفاد منه أقباط مصر ونصارى الشام فاستحوذوا على النفوذ وأضعفوا الخلافة الإسلامية حتى سقطت، هو نفس الدور الذي أريد للأمازيغ والقضية البربرية أن يلعباه في شمال إفريقيا، ولا يزال الغرب داعما مؤيدا لكل ما يعود بالاضمحلال والضعف على المسلمين وبلدانهم ودولهم، وذلك ليضمن استمرار استغلاله لثروات البلاد، والمزيد من التبعية الثقافية والاقتصادية له.

نأمل أن يعيد المغرر بهم من أبنائنا قراءة القضية على ضوء ما جادت به الأرشيفات وما استجد من بحوث.

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M