الأمن الدوائي المغربي في خطر.. تضارب المصالح عَرَضٌ جديد لنظام بلا ضوابط

12 نوفمبر 2025 17:26

هوية بريس – متابعة

بينما تبلغ الأزمة المؤسساتية داخل الوكالة المغربية للأدوية ومنتجات الصحة مستوى غير مسبوق، يطفو على السطح فضيحة جديدة تُضعف أكثر مصداقية الهيئة المفترض أن تضمن السلامة والشفافية والأخلاقيات في قطاع الأدوية ومنتجات الصحة.
وهذه المرة، لا يتعلق الأمر بنقص في الحبر أو بانسحاب جماعي، بل بحالةٍ واضحة من تضارب المصالح في قلب الجهاز الإداري نفسه.

فبحسب عدة مصادر متطابقة، كشفت التعيينات الأخيرة لرئيس مصلحة مستحضرات التجميل عن وضعٍ مثير للقلق. إذ تبين أن الشخص المعني، ما زال يزاول نشاطه في شبكة الصيدليات الخاصة ويستمر في تقديم الاستشارات المهنية، وهما وظيفتان تتعارضان تماماً مع منصبٍ إداري داخل سلطة تنظيمية.

هذا الوضع يُشكّل خرقاً فاضحاً للمبادئ الأساسية للحياد والنزاهة الإدارية، وهي مبادئ تهدف إلى حماية المصلحة العامة وضمان المساواة بين الفاعلين في القطاع.

الخطر واضح: فالمسؤول المعني، الذي أصبح بحكم موقعه مطّلعاً على جميع المعطيات الحساسة المتعلقة بقطاع مستحضرات التجميل الوطني، يملك وصولاً مباشراً إلى معلومات استراتيجية تخص العلامات التجارية، والمنتجات، والمستوردين، وقنوات التوزيع.

تسريب هذه المعطيات أو استغلالها من طرف فاعلٍ ما زال نشطاً في السوق الخاصة يمكن أن يُستخدم لأغراضٍ تنافسية غير مشروعة أو لمصالح اقتصادية تتعارض كلياً مع مهام الخدمة العمومية.

والأخطر من ذلك، أنّ إدارة الوكالة، التي من المفترض أن تكون الضامن لنزاهة النظام، لم تتخذ أي إجراء احترازي، ولم تُعلّق مهام المعني بالأمر أو تفتح تحقيقاً بشأنه، رغم نشر هذه المعطيات علنًا.

إنّ موقف الإدارة يثير الاستغراب.

فبدلاً من فتح تحقيق عاجل كما تقتضيه الممارسات الإدارية السليمة، اختارت الوكالة الصمت.

وبحسب المعلومات المتوفرة من عدة فاعلين في شبكة الصيدلة، فإن الصيدلي المعني سبق أن دخل في نزاعات تجارية مع مورّدين للأدوية، وصلت إلى إجراءات قضائية مرتبطة بديون تجارية.

هذا الماضي القريب كان كافياً لتنبيه لجنة التوظيف وتفادي أي خلطٍ بين النشاط الخاص والوظيفة العمومية.

تُبرز هذه الحادثة بشكل صارخ مستوى الاختلال الداخلي والتسيّب الإداري الذي بات يميز الوكالة اليوم.

فكيف يمكن لهيئةٍ مكلفة بالسهر على مطابقة وجودة وأخلاقيات الدواء أن تتجاهل حالةً بهذا الوضوح؟

وكيف يُعقَل أن يُمنح شخص ما زال يزاول نشاطاً خاصاً مفاتيح مصلحةٍ استراتيجية دون رقابة أو ضوابط؟

لم يعد الأمر مجرد خطأ في التدبير، بل أصبح تجاوزاً خطيراً لمبادئ الأخلاق الإدارية.

وفي وقتٍ تعاني فيه الوكالة من فقدان الكفاءات، ومن فوضى تنظيمية مزمنة، وتحت أعين الشركاء الدوليين، فإن مثل هذه الفضائح لا تُضعف فقط صورتها، بل تُفاقم انعدام الثقة وتُلقي بظلال من الغموض على المؤسسة برمّتها.

هذه القضية ليست حادثة معزولة، بل حلقة جديدة في سلسلة من التجاوزات التي تكشف انهياراً في منظومة التسيير الداخلي.

فبين المحسوبية، وغياب الرقابة، والقرارات الارتجالية، والصمت الإداري، تواصل إدارة الوكالة تقديم أمثلة متكررة على عجزها عن تجسيد الإصلاح الذي تزعم قيادته.

وهكذا تحوّل ما كان يُفترض أن يكون مرحلةً من الحكامة الحديثة إلى مسرحٍ من الارتجال تتآكل فيه الشرعية يوماً بعد يوم.

اليوم، تجاوزت الأزمة حدود الخلل الإداري لتصل إلى مستوى مصداقية الدولة وثقة المواطنين في مؤسساتهم الصحية.

فالمغرب، الذي يسعى إلى بلوغ المستوى الثالث من النضج وفق أداة تقييم منظمة الصحة العالمية (GBT) وتجديد اعتماد المختبر الوطني لمراقبة الدواء، لا يمكنه أن يتسامح مع مثل هذه الانحرافات الأخلاقية داخل سلطته التنظيمية.

فالأمن الدوائي لا يمكن أن يتعايش مع تضارب المصالح.

أكثر من أي وقت مضى، تحتاج الوكالة إلى نهضة أخلاقية ومؤسساتية حقيقية، لأنّه من دون نزاهة، لا سيادة دوائية، ولا مصداقية دولية، ولا أمن صحي مستدام.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
12°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة