قرون مضت كسلسلة، حلقاتها مرتبطة بعضها ببعض منذ بناء الأهرام المصرية حتى عصرنا الحالي، والحيرة بخصوص كيفية بنائها بددتها وأزالتها الدراسة العلمية التي تولى إنجازها علماء أمريكيون.
وقبل أن ينجزوا عملا يصب في خانة من يترددون في القبول بالإسلام كتابا وسنة، وفي خانة من يعتبرون ديننا الحنيف بكل مضامينه فكرا ظلاميا مصدره الخرافات والأوهام؟ وفي خانة المنتمين إلى أديان أخرى كاليهود والنصارى والبوذيين وغيرهم من ذوي الملل والأهواء والنحل، الذين جحدوا بالقرآن، أي كفروا به وكذبوه، وكذبوا نبينا الأمين الصادق المصدوق معه.
تصب في خانة كل هؤلاء الذين لا يولون أية أهمية لديننا إلا من خلال ما يصفونه به من فكر ظلامي متخلف من جهة! وما يصفون به الدعاة إلى تفعيله من همجية ورجعية من جهة ثانية؟؟؟ دون أن يحاولوا التمييز بينه وبين المنتسبين إليه من خلال ممارساتهم اليومية لمبادئه ولتعاليمه ولفروضه أو لواجباته؟
فقد كانوا -ونحن مثلهم كمثقفين- نعتقد أن الأهرام بنيت عن طريق نحت صخور ضخمة بواسطة آلات، أو بواسطة أدوات، توفرت للمصريين منذ أقدم العصور، وذلك بعد أن يتم جلب هذه الصخور من أماكن بعيدة، يجرها الجمال أو الفيلة، أو تحمل على عربات يجرها أكبر عدد ممكن من هذين الحيوانين. خاصة وأن مواقع الأهرام صحراوية أو شبه صحراوية، لا توجد بها جبال يمكن اقتلاع الصخور المناسبة للبناء منها. ويزداد استغراب العلماء في عصرنا الحالي من كون الكتل الحجرية التي بنيت بها الأهرام متساوية من حيث الدقة في أضلاعها الأربعة المستطيلة.
لكن المفاجأة التي طلع بها علينا العلماء الأمريكيون، هي أن الأهرام لم يكلف بناؤها صخورا تم جلبها من بعيد كما يتبادر إلى الأذهان! إنها لم تبن بالحجارة التي يعتقد أنها منحوتة بدقة متناهية. وإنما بنيت بالتراب الذي تدخلت النار في جعله صلدا كالصخور؟ فقد استعملت قوالب خشبية على شكل مستطيل ذي عرض وذي طول محددين. وهذه القوالب أشبه ما تكون بتلك التي بنيت بها المساكن والأسوار القديمة المحيطة بالمدن التاريخية كمراكش والرباط ومكناس وتزنيت. فالبناة المتخصصون في بنائها، ينطلقون من الأسفل إلى الأعلى ككل بناء. وذلك بوضع قوالب يملؤونها بالطين الممزوج بقدر محدد من الماء، ثم يقومون بدكه دكا لبعض الوقت. وقد يخلطون الطين بتربة موازية له و مساعدة له كي يكسب البناء الصلابة المطلوبة.
وأكد العلماء الأمريكيون أولئك بأن بناة الأهرام استعانوا بالنار كي يصير المبنى أشبه ما يكون بالصخور الصلدة الطبيعية. وهذا ما أوضحته الآية 38 من سورة “القصص” هكذا بكل وضوح: “وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين“.
والإمام القرطبي في “الجامع لأحكام القرآن” -وهو يشرح الآية- أفادنا بنفس ما انتهي إليه العلماء الأمريكيون -الذين لم يولدوا بعد- بخصوص حقيقة بناء الأهرام: “فأوقد لي يا هامان على الطين” معناه: اطبخ لي الآجر. هذا عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه. وقال قتادة: هو أول من صنع الآجر وبنى به. ولما أمر فرعون وزيره هامان ببناء الصرح (أعلى بناء ممكن للاطلاع على إله موسى)، جمع هامان العمال -قيل خمسين ألف بناء سوى الأتباع والأجراء- وأمر بطبخ الآجر والجص، ونشر الخشب وضرب المسامير. فبنوا ورفعوا البناء وشيدوه، بحيث لم يبلغه بنيان منذ خلق الله السماوات والأرض”.
وهذا عن الهدية الرمضانية الأولى، والتي يؤكدها قوله عز وجل -وهو يخاطب الجاحدين والشكاك المترددين عساهم يتوبون-: “سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد. ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط“.
وهديتنا الرمضانية الثانية التي تؤكد كالأولى كونه سبحانه أحاط علما بكل شيء، تتعلق بمصير فرعون بعد غرقه وهو يطارد مع جنوده بني إسرائيل، أتباع سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام.
فبأمر من الرئيس الفرنسي الاشتراكي الأسبق: جورج بومبدو، تم إحضار جثمان فرعون موسى الهالك منذ قرون إلى فرنسا لتشريحه! ولم تكن الحكومة المصرية حينها لتعارض الطلب الفرنسي الذي تريد أن تكسب وراءه شهرة لا تقدر بثمن. فكان أن تولت صحبة الفرنسيين نقل فرعون موسى المحنط إلى باريس. حيث تولى الدكتور الفرنسي الجراح المشهور: موريس بوكاي عملية التشريح هو ومعاونوه بدقة متناهية. نتيجتها التي أبهرته، هي أن فرعون مات غرقا بالفعل! فما كان منه غير الرجوع إلى قصته مع موسى في العهد القديم (= التوراة). فجاءت النتيجة المخبرية التي توصل إليها متطابقة مع القصة الواردة في التوراة بخصوص هلاك فرعون على إثر غرقه في البحر!
ولما قيل له: إن القرآن تعرض للقصة ذاتها، وأنه كذلك تحدث عن غرق موسى، تناول المصحف الكريم، فكان أن وقف فيه على الآيات الثلاث (90-91-92) من سورة “يونس”. وكان أن قرأ بتمعن قوله عز وجل: “وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فاتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين. ألآن وقد عصيت وكنت من المفسدين. فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وأن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون“!
وها هو ذا الإمام أبو الفداء إسماعيل بن كثير المتوفى سنة 747 للهجرة النبوية (أي قبل النهضة الغربية بقرون!!!)، يقدم لنا شرحا مقبولا للآيات الثلاث فيقول: “يذكر الله تعالى كيفية إغراق فرعون وجنوده. فإن بني إسرائيل لما خرجوا من مصر صحبة موسى عليه السلام، وهم فيما قيل ستمائة ألف مقاتل سوى الذرية… فاشتد حنق فرعون عليهم، فأرسل في المدائن حاشدين يجمعون له جنوده من أقاليمه. فركب وراءهم في أبهة وعظمة وجيوش هائلة لما يريده الله تعالى بهم، ولم يتخلف عنه أحد ممن له دولة وسلطان في سائر مملكته فلحقوهم وقت شروق الشمس “فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون“. وذلك أنهم لما انتهوا إلى ساحل البحر وفرعون وراءهم، ولم يبق إلا أن يتقابل الجمعان. وألح أصحاب موسى عليه السلام في السؤال: كيف الخلاص مما نحن فيه؟ فيقول: إنني أمرت أن أسلك ها هنا “كلا إن ربي معي سيهديني“. فأمره الله تعالى أن يضرب البحر بعصاه، فضربه فانفلق البحر فكان كل فلق كالطود العظيم، أي كالجبل العظيم. وصار اثني عشر طريقا لكل سبط واحد. وأمر الله الريح فنشفت أرضه “فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى” وتخرق الماء بين الطرق كهيئة الشبابيك ليرى كل قوم الآخرين لئلا يظنوا أنهم هلكوا. وجاوزت بنو إسرائيل البحر. فلما خرج آخرهم منه، انتهى فرعون وجنوده إلى حافته من الناحية الأخرى. وهو في مائة ألف أدهم سوى بقية الألوان. فلما رأى ذلك هاله وأحجم وهاب وهم بالرجوع وهيهات ولات حين مناص. نفذ القدر، واستجيبت الدعوة”. فغرق عدو الله وجنوده.
وقال تعالى يخاطبه: “فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية“. قال ابن عباس وغيره من السلف: إن بعض بني إسرائيل شكوا في موت فرعون. فأمر الله تعالى البحر أن يلقيه بجسده سويا بلا روح وعليه درعه المعروفة لمن نجوه من الأرض؟ وهو المكان المرتفع ليتحققوا موته وهلاكه. ولهذا قال تعالى: “فاليوم ننجيك“. أي نرفعك على نشر من الأرض “ببدنك“. قال مجاهد: بجسدك. وقال الحسن البصري: بجسم لا روح فيه. وقال عبد الله بن شداد: سويا صحيحا. أي لم يتمزق ليتحققوه ويعرفوه. وكل هذه الأقوال لا منافاة فيما بينها. وقوله تعالى: “لتكون لمن خلفك آية” أي لتكون لبني إسرائيل دليلا على موتك وهلاكك. وأن الله هو القادر الذي ناصية كل دابة بيده. وأنه لا يقوم لغضبه شيء. ولهذا قرأ بعضهم “لتكون لمن خلفك آية وأن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون”. أي لا يتعظون بها ولا يعتبرون؟ وقد كان إهلاكهم يوم عاشوراء كما في البخاري في سلسلة من الرواة المنتهية بابن عباس الذي قال: “قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: “ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يوم ظهر (= انتصر) فيه موسى على فرعون. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: “أنتم أحق بموسى منهم فصموه”.
فإن اتعظ الطبيب الفرنسي الجراح واعتبر. واعتنق الإسلام وانضم إلى صف الدعاة. وأشاد بالدين الذي اعتنقه عن قناعة من خلال كتابه: “التوراة والإنجيل والقرآن والعلم”. و”خلق الإنسان في الكتب المقدسة”. فقد كان سببا في إسلام الكثيرين ، بقدر ما كان سببا في مراجعة الكثيرين لإسلامهم المهزوز من فرط ما بثه خصومهم حوله من تهم باطلة. فماذا عن الجاحدين الممثلين عندنا في العلمانيين الساخرين من الدين حكاما كانوا أو محكومين؟
هناك خطأ في الاية
وقد عصيت قبل
جزاك الله خيرا
السلام عليكم ةرحمة الله
بارك الله فيكم فضيلة الأستاذ الكريم