الإبراهيمية الجديدة.. ديانة “إسرائيل الكبرى”

22 سبتمبر 2024 11:04

هوية بريس – عبد الصمد إيشن

الإبراهيمية مصطلح ديني عقائدي يعود إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام، وتم استخدامه في السياسة للدلالة على إتفاقيات السلام والتطبيع بين إسرائيل والدول العربية الراغبة بإقامة علاقات واسعة معها.

وتسعى إسرائيل وفق رؤية جيوبوليتيكية عقائدية إلى تشكيل الدولة الفدرالية الموعودة مع الدول العربية من خلال الاتفاقيات الإبراهيمية والتي أعدتها وزارة الخارجية الأميريكية، بحيث تشمل الدول العربية الممتدة من الفرات إلى النيل (مصر، الأردن، فلسطين، سوريا، لبنان، العراق، وتتعداها إلى بلاد الحجاز الأمارات العربية السعودية اليمن قطر)، وبلاد الحبشة (السودان، جيبوتي، ليبيا) والمغرب العربي (تونس، الجزائر، المغرب)، والتي يدعي اليهود وجودا تاريخيا لهم فيها.

وهذا ما سيشكل مشروع “الولايات الإبراهيمية المتحدة”. كفدرالية تقودها إسرائيل وتسيطر عليها، أي أنها أكثر اتساعاً حتى من حدود النيل إلى الفرات.

وتذكر إحدى الباحثات المتخصصات في المسألة الصهيونية أنه في سنة 2000، تَوَصل فريق بحثي أميركي إلى نتيجة أن الديانات تَتّفق على سيّدنا إبراهيم عليه السلام، فَقَرر الفريق إحياء المُشترك الديني وتَنْحية المُختلِف منه، وأنّ للشعوب الأصلية الحق على الخريطة السياسية؛ وهذا ما يُراد الاتفاق عليه مع علماء الدين، ويشار في هذا الباب، إلى أنه توجد اتفاقية في الأمم المتحدة تُسمّى اتفاقية الشعوب الأصلية، وتَهْدف إلى إرجاعهم وتعويضهم.

وبَدَأ اليهود يُطالبون بالتعويض من مصر والسعودية وكل الدول التي وَقعت اتفاقية الشعوب الأصلية. وستكون هناك دولة فلسطينية ذات حُكم ذاتي، لكن مع “إسرائيل”، فيها جيش واحد، دولة إبراهيمية واحدة، وكيان واحد؛ وهذا ضحك على الفلسطينيين، فالإسم دولة، لكنّها فعلا ليست دولة.

لكن في الحقيقة، مصطلحات “الإبراهيمية” أو “الأديان الإبراهيمية”، أو “وحدة الأديان”، وغيرها، تَحمل في ظاهرها معاني حسنة مقبولة، مثل التعايش والسلام، لكنها جِسر للمعاني الباطلة الهدامة، وستار لحقيقة الخَلط بين الأديان، وليس مجرد الحوار، كما يقول المؤلف. وهناك توظيف سياسي لمفهوم الديانة الإبراهيمية، عادة ما يستفيد منه أنصار إسرائيل، إذ يَجدون فيه مدخلا لترسيخ الحق اليهودي، وفي الوقت نفسه إبعاد أتباع الديانات الأخرى عن مناصرة حقوق الشعب الفلسطيني.

وما يتمّ التوافق عليه في مشروع “الإبراهيمية الجديدة” من عقائد يجمَع في كتاب واحد، تَطْمح المؤسّسات التي صَممت المشروع ورَعَته إلى جَعله كتابا مُقدسا بديلا من الكتب المُقدسة الثلاثة: القرآن، العهد الجديد، العهد القديم.

والغاية من هذا المشروع هي تَفتيت ما تَبقى من هوية عربية جامعة، ودَمج إسرائيل عضويا في المنطقة العربية، مع إدراكنا أن توطين إسرائيل هو في حدّ ذاته إجراء من إجراءات التفتيت وليس غاية نهائية.

والواقع أن هدف الإبراهيمية الجديدة ليس طبع الأديان الثلاثة بطابع روحي إبراهيمي موحد، لكن طبع المنطقة العربية بطابع سياسي إسرائيلي جديد، بهدف إعادة إنتاج إسرائيل دولة رائدة لدى شعوب المنطقة، وإحلال السلام بين تلك الشعوب من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، عبر سلاسل من الحروب الأهلية العربية التي توصل تلك الشعوب إلى الاقتناع بأن إسرائيل أقرب إليها -وأكثر حرصاً عليها- من بعضها، وأن السلام مع إسرائيل أقرب من السلام بين مكونات تلك الشعوب المتناحرة.

وقد تكرس التوظيف النفعي للإبراهيمية الدينية خدمة للإبراهيمية السياسية عبر ما بات يعرف بالدبلوماسية الروحية وهو المصطلح الذي ظهر مع بداية الألفية، والذي كشف امتزاج الإبراهيمية كتوجه روحي وفكري بأهدافها السياسية التي لم تعد تخفى على أحد، حيث تمت الإشارة إلى نصوص دينية معينة في الكتاب المقدس وفي القرآن الكريم مع اجتزائها من سياقاتها التاريخية، لتجيير مدلولاتها بما يخدم إبراز إسرائيل كصاحبة حق في فلسطين، وصاحبة فضل على البشرية، وصاحبة تميز روحي وأخلاقي وسياسي.

ومما يجعل الإبراهيمية الجديدة في صورتها الحالية وسيلة لخدمة المشروع الإسرائيلي أنها في الأصل تلتقي مع المسيحية الصهيونية في ثوبها البروتستانتي إن لم تكن الأولى أصلا إحدى إفرازات الثانية التي تنظر إلى التاريخ من خلال الرواية اليهودية في نسختها التلمودية، وبالتالي فهي تختصر الإبراهيمية في الإسرائيلية وتختصر الإسرائيلية في اليهودية، ثم تجعل اليهودية مجسدة في دولة إسرائيل.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M