الإدمان الإلكتروني ..التشخيص والعلاج

09 أبريل 2022 10:35

هوية بريس-ذ.محمد أزناك

تروج لدى الباحثين والمهتمين تعريفات متعددة للإدمان عامة، وإدمان الأنترنت خاصة مع تعدد المدارس والنظريات التفسيرية. كما يلجأ بعضهم إلى تعريفات إجرائية إذا تعلق الأمر بأبحاث ميدانية تتعلق بعينات بحثية. ونكتفي في هذه الورقة باختيار بعضها مع الإحالة على المراجع المعتمدة في هذا البحث للراغبين في التوسع. ويمكن مقاربة التعريف من خلال المستويات التالية:

  • تعني كلمة “إدمان” لغة المداومة على الشيء أو الاعتماد عليه إلى درجة عدم القدرة على تركه. وتقابله في الفرنسية والإنجليزية كلمة “Addiction” ويترادف لدى البعض مع مفهوم “الاعتماد” أي Dépendance” ” [1]  . ويعود استعمال الكلمة في أصلها الأوربي إلى إجراء جنائي خلال القرن 16 يمكن للقاضي بموجبه إلزام الشخص المدين بتقديم تصريح يسمى “Addictum” يُقرّ فيه بأنه أصبح عبدا لدائنه … ووجه التّشابه مع الإدمان أن بعض الأشخاص قد يصبحون عبيدا باستهلاكهم لمادة منشطة تؤثر على العقل والتفكير، وعلى المعيش النفسي للشخص أثناء ممارسته لنشاط مرغوب فيه، بحيث يبقى عبدا لهذا الموضوع ولا يستطيع التحكم فيه[2].
  • تاريخيا: ظهر مفهوم “إدمان الأنترنت” أو “الاستخدام المرضي للإنترنيت” في القاموس الطبي عام 1995 حيث كان أحد الأوائل الذين أشاروا إليه الطبيب النفسي (إيفان جولدبيرغ Ivan Goldberg)
  • واصطلاحا: هو حالة من الاستخدام المرضي وغير التوافقي للأنترنت؛ يؤدي إلى اضطرابات في السلوك. ويستدل عليها بعدة ظواهر منها: زيادة عدد الساعات أمام الكمبيوتر بشكل مطرد يتجاوز الفترات التي حددها لنفسه في البداية، ومواصلة الجلوس إلى الشبكة رغم وجود مشكلات مثل السهر والأرق والعزلة وإهمال الواجبات… إضافة إلى التوتر والقلق الشديدين في حالة وجود عائق أمام الاتصال، ويرتبط أيضا لدى البعض بالتأخر الوظيفي والانطواء والعزوف عن المجتمع[3]

هذا وتتناول الدراسات والأبحاث أيضا الدوافع والأسباب التي قد تقود المستعمل إلى حالة من حالات الإدمان الإلكتروني ومن ثم يستخلصون مجموعة من النظريات التفسيرية. ويمكن الوقوف على هذه المعطيات في ثنايا المراجع المرفقة.

المجالات والأشكال:

كشف تقرير صدر عن موقعي “وي آر سوشيال” (wearesocial) و “هوت-سويت” (hot-sweet) أن عدد مستخدمي الإنترنت بلغ 4,66 مليار مستخدم في يناير 2120    بزيادة تبلغ 7,3٪ مقارنة مع نفس الشهر  من 2020  وأن عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وصل إلى 4,20 مليارا أي بزيادة 13,2٪ . كما بلغ عدد مستخدمي الهواتف المحمولة في نفس الفترة حوالي 5,22 مليار  بزيادة تقارب 2٪  كما ازداد الوقت الذي يقضيه المستخدم على الشبكة في الأشهر الـ 12 الأخيرة  من نفس السنة، حيث بلغ متوسط استخدام الأنترنت لكل مستخدم 6 ساعات و 54 دقيقة في كل يوم، أي أكثر من  ثلث ساعات اليقظة . ويحدث هذا من خلال استخدام الأجهزة الهاتفية واللوحية والخدمات التي تعمل عبر الإنترنت.[4]

وتجدر الإشارة إلى أن فئة المراهقين تعتبر من بين الفئات الأكثر إقبالا على استخدام الأنترنيت بوسائطها المختلفة. أما المواقع التي يدمنون عليها فتشمل: غرف الدردشة والحوارات الحية والمواقع الإباحية والألعاب الإلكترونية ونوادي النقاش أو المنتديات وعمليات البحث عن المعلومات والقمار والتسوق …الخ [5] وتناولت دراسات أخرى معطيات إحصائية ذات دلالات علمية كبيرة تبرز خطورة الموضوع، خاصة على فئات الأطفال والمراهقين المفتقرين إلى أية حماية أو مناعة نفسية تجاه هذا النوع من الإدمان.  وما يمكن استنتاجه من كل هذه الدراسات الخاصة بالمجالات، أنه حتى المجالات التي قد لا يبدو منها أي ضرر مثل البحث عن المعلومات ومنتديات النقاش والتسوق ترتبط بمشاكل مثل الإفراط في إهدار الوقت على حساب الواجبات، وخطر الاعتماد النفسي الذي قد يصل إلى درجة القهر.[6]

  • الأعراض ووسائل التشخيص:

مما قد يبعث على قدر من الارتياح ما تشير إليه بعض الدراسات من أن إدمان الأنترنت ليس أمرا حتميا يصيب كل المستخدمين. ذلك أن وجود عقار من نوع ما قد لا يؤدي بحد ذاته إلى الإدمان ما لم تتوفر عوامل أخرى. وفي حالة إدمان الأنترنت فإنه يصيب عادة فئات ذات خصائص نفسية واجتماعية معينة [7]. وحيث إنه لا يمكن في العصر الحالي الانعزال عن تقنيات الأنترنت أو حجبها، وحيث إن هناك فجوة بين الفئات الاجتماعية في استخدام الشبكة وبالتالي وجود تباين في شدة الاستخدام وعاداته وأنماطه السلوكية… فقد انكب الباحثون والمختصون على بلورة مجموعة من المعايير تؤشر على درجة من الإدمان لدى فرد معين؛ في هذا الإطار تم مثلا تنظيم منتدى حول الأنترنت سنة 1996بإشراف مجموعةِ أطباء ومختصين أمريكيين في الأمراض العقلية والنفسية من بينهم إيفان غولدبيرغ السالف الذكر. وكان من بين مخرجات المنتدى وضع تصنيف تشخيصي يثبت إدمان الأنترنت لدى شخص ما إذا تبين وجود ثلاثة أو أكثر من بين أعراض سبعة فصلت فيها الورقة الصادرة عن المنتدى[8] .

وتجمل دراسة أخرى هذه الأعراض في: استخدام الشّبكة لفترة طويلة يشكو منها أفراد الأسرة والمقربون، وإهمال الواجبات الدراسية والأسرية والزوجية والمهنية، وكثرة السهر والأرق والتعب والشعور بالتوتر والضجر عند الانفصال، وعدم القدرة على ضبط استخدام الشّبكة، والشكاوى الجسدية الناتجة عن كثرة الجلوس والميل إلى العزلة والانطواء مع قلة التفاعل الاجتماعي، وأعراض انسحابيه مثل: الارتعاش والارتجاف والعصبية والقلق …الخ

وزيادة في التدقيق من أجل العلاج اعتمد كثير من المختصين نماذج للتشخيص، فمثلا الجمعية الأمريكية لعلم النفس (A.P.A) تصنف الاستخدام المفرط للأنترنت كاضطراب إذا كان يعوق ممارسة الشخص لحياته الطبيعية مع ظهور أعراض اضطرابية. وعادة يستخدم المتخصصون نفس شبكات تشخيص مجالات الإدمان الأخرى المدرجة بالدليل التشخيصي المعتمد.[9] وفي نفس السياق هناك من المختصين من وضع شبكات قياس لتشخيص درجة الإدمان.

  • المخاطر والأضرار على الفرد والمجتمع:

ما يثير القلق حقا في موضوع الإدمان الإلكتروني هو كمُّ الآثار والأضرار التي يمكن أن يخلفها على الفرد والمجتمع والتي تصنفها الدراسات إلى عدة مستويات:

  • مشكلات صحية: مثل ضعف الجهاز المناعي؛ مما يجعل الفرد عرضة للكثير من الأمراض: آلام في الظهر والعمود الفقري واحتمال الإصابة بما يعرف بتناذر “النفق الرسغي” حيث يصيب الأشخاص الذين يجلسون لساعات طويلة أمام شاشة الكمبيوتر. كما أن طول مدة الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر يؤدي لركود في الدورة الدموية، مما يسبب حدوث جلطات دماغية وقلبية وضعفا في أداء الأجهزة الحيوية بالجسم. كما أن التعرض للإشعاعات المنبعثة من جهاز الكمبيوتر يؤدي إلى زيادة توتر القشرة المخية واحتمال التعرض لنوع من الصرع.
  • مشكلات أسرية واجتماعية: أكدت بعض الدراسات أن الانتشار الواسع لاستخدام الأنترنت صوحب بانخفاض كبير في الاندماج المدني والمشاركة الاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية. كما أكد علماء النفس وجود علاقة إيجابية بين إدمان الأنترنت وعدم الاهتمام بالمشاركة العامة في الشؤون المحلية والقومية. وحذّر علماء الاجتماع من أن التصفح الطويل للأنترنت يزيد من انعزالية الفرد وانسحابه من دائرة العلاقات الاجتماعية، وتعميق إحساسه بالوحدة وفقدان التواصل مع الآخرين وإهمال الواجبات الأسرية. هذا دون إغفال الآثار المتمثلة في التصدع الأسري والاغتراب القيمي.
  • مشاكل على مستوى الدراسة أو العمل: فمع أن الإنترنت تعتبر وسيلة بحث مثالية؛ إلا أن الكثيرين يستخدمونها بعيدا عن الدراسة؛ ويقضون وقتا طويلا في غرف الدردشة والألعاب؛ مما يؤدي إلى التغيب عن الحصص وانعدام النظام في البحث عن المعلومات والاستفادة منها، وانخفاض مستوى التحصيل الدراسي، وكذا انخفاض مستوى الأداء والإنتاجية في العمل، والشعور الدائم بالإرهاق والتعب.
  • الآثار النفسية: إذ وجد أن إدمان الأنترنت له تأثيرات على الجملة العصبية، حيث يؤدي إلى عدم الاتزان الانفعالي وضعف ردود الأفعال. وقد تحدث توترات عصبية بالإفراز المفرط والمتزايد لهرمونات تزيد بدورها من سرعة الغضب والعدوانية وظهور اضطرابات نفسية وعقلية كما قد يؤدي إدمان الأنترنت إلى ما يسمى “الإصابة بالتعب المتكرر”[10].
  • مقترحات في الوقاية والعلاج:

فيما يخص الجانب الوقائي يوصي الخبراء بمجموعة من المهارات المعرفية والسلوكية التي من شأنها أن توفر في البدء حماية للفرد من السقوط في براثن إدمان الأنترنت. ومن هذه المهارات:

  • التحرر من النمطية الحياتية بتبني أنشطة وهوايات،
  • التدرب على أسلوب حياة يومي صحي،
  • تعلم مهارات جديدة و السعي إلى تعليم الآخرين ما يملكه من مهارات،
  • التخطيط لممارسة أنشطة مشتركة مع الأصدقاء أو أفراد الأسرة،
  • المقاومة الواعية لفكرة الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر من خلال الإلهاء السلوكي والذهني بأنشطة أخرى مغايرة … الخ[11]

أما من حيث العلاج فتكاد تتفق مختلف الدراسات على بروتوكول علاجي واحد يتضمن الخطوات التالية:

  • عمل العكس: فإذا اعتاد المريض استخدام الإنترنت طيلة أيام الأسبوع، يُطلب منه إجراء تعديلات على برنامج الاستخدام من حيث الزمان والمكان تقوم على أساس فكرة التأجيل،
  • إيجاد موانع خارجية: يُطلب من المريض استعمال منبه بحيث يفتح الإنترنت ساعة واحدة قبل نزوله للعمل مثلاً حتى لا يندمج في الإبحار ويتناسى موعد نزوله للعمل،
  • تحديد وقت الاستخدام: يطلب من المريض تقليص ساعات استخدامه وتوزيعها على مدار الأسبوع وفق جدول محدد،
  • استشارة متخصصين في علم النفس والطب النفسي حال الضرورة،
  • الامتناع التام: كما ذكرنا فإن إدمان بعض المرضى يتعلق بمجال محدد من مجالات استخدام الإنترنت. فإذا كان المريض مدمنا لحجرات الحوارات الحية، يُطلب منه الامتناع عن تلك الوسيلة في حين يُترك له حرية استخدام الوسائل الأخرى الموجودة على الإنترنت،
  • إعداد بطاقات من أجل التذكير: نطلب من المريض إعداد بطاقات يكتب عليها خمسة من أهم المشاكل الناجمة عن إسرافه في استخدام الأنترنت، ويكتب عليها أيضا خمسة من الفوائد التي ستنتج عن إقلاعه عن إدمانه ويضع البطاقات في جيبه أو حقيبته، بحيث يخرجها لتذكير نفسه كلما وجد رغبة في فتح الإنترنت،
  • إعادة توزيع الوقت: بحيث يفكر المريض في الأنشطة التي كان يقوم قبل إدمانه للأنترنت، ليعرف ماذا خسر بإدمانه مثل: قراءة القرآن والرياضة وقضاء الوقت بالنادي مع الأسرة والقيام بزيارات اجتماعية… ومن ثم يعاود ممارسة تلك الأنشطة لعله يتذكر طعم الحياة الحقيقية وحلاوتها،
  • الانضمام إلى مجموعات التأييد والمساندة: تقوم الفكرة على زيادة المريض من رقعة حياته الاجتماعية الحقيقية بالانضمام إلى ناد رياضي أو دورة لتعليم مهارة معينة مثلا، ليكون لنفسه مجموعة من الاهتمامات المرتبطة بالواقع بدل علاقاته الافتراضية،[12]

هذا وثمة مجموعة من التطبيقات الذكية والتجارب العملية والمواقع الإلكترونية يمكن الاستعانة بها لتجاوز مشكلات إدمان الأنترنت. لكن هذه الإمكانيات الوقائية والعلاجية تتطلب يقظة الأسرة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية واعتراف المعني نفسه بكونه مدمنا.

 

[1] . إدمان الإنترنيت اضطراب العصر دراسة علمية مدرجة في لائحة المراجع ، ورقة روابط دراسات علمية 2، المرجع رقم 4 ص  pdf12/2

[2] . بتصرف عن إدمان الإنترنيت اضطراب العصر ، مرجع سابق   ص 12/2  و  ص 12/3

       [3]. إدمان شبكات التواصل الاجتماعي وعلاقته بالإضطرابات النفسية ، رسالة ماجستير ، ورقة روابط دراسات علمية 2 ، المرجع رقم 14  صpdf   195/45

        [4].  تقرير موقعي (wearesocial) و (hot-sweet) المتخصصين في المجال  نسخة  2021 على شكل شرائح مصورة باللغة الإنجليزية ،  ورقة روابط تقارير رصدية 3 ، المرجع رقم 24. ينظر بخصوص الإحصائيات أعلاه الشرائح :  21-23-33-78.

[5] . إدمان الإنترنيت  اضطراب العصر ، مرجع سابق  بتصرف ص 12/7 و ص 12/8

[6] الإدمان على الإنترنيت وعلاقته باضطرابات النوم دراسة ميدانية رسالة ماستر علم النفس. في لائحة المراجع ،ورقة روابط دراسات علمية 2 ، المرجع رقم 7    صفحات   pdf110/37 –   110/38 –  110/39  للإستفادة من المرجع يرجى استعمال زر ouvrir  في أسفل الشاشة

[7] . ملخص مقابلة تلفزيونية في قناة DW الألمانية مع د. بيرت تي فيلدت بعنوان “الاعتماد على الإنترنيت حتى الإدمان” متوفر في لائحة المراجع  ورقة روابط دراسات علمية 2، المرجع رقم 10

[8]  . ( (http:/www.APA.org/internetaddiction.htm ضمن دراسة:  “إدمان الإنترنيت اضطراب العصر ” مرجع سابق ص  pdf 12/6 و ص 12/7

[9] . الإدمان.. وعلاقته باضطرابات النوم. مرجع سابق  ص  pdf  110/39

[10] . إدمان الإنترنيت اضطراب العصر.  مرجع سابق ص ص  pdf   12/8  –  12/9  –  12/10

[11] . إدمان الإنترنيت وعلاقته باضطرابات النوم. مرجع سابق ص 110/41

[12] . إدمان شبكات التواصل الاجتماعي وعلاقته بالإضطرابات النفسية ، رسالة ماجستير ، ورقة دراسات علمية 2، المرجع رقم 14  صpdf   195/53

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M