الإديولوجية الاستعمارية

25 سبتمبر 2024 18:21

هوية بريس – إبراهيم الناية

ان الحديث عن الغرب الاستعماري مسألة في غاية الأهمية، وإن كان هذا الغرب بكل ويلاته مصدر اشعاع ونور عند البعض ،ولا غرابة ذلك. فإن صناعة العملاء لها اساليب مختلفة وتقنيات متعددة. ولا يقف الامر عند وجه واحد كما هو شائع بين الناس. بل تتعدد الاساليب بتعدد المهمات والاهداف، ولكل مهمة من يناسبها. لكن كيف تحقق ذلك داخل مجتمعاتنا؟

لقد بدأ الغرب في الحضور بداية من عصر النهضة. خاصة عندما ظهرت بوادر التحولات العلمية على يد رجال امثال كوبرنيك وكيبلر وجليليو ونيوتن وغيرهم، وقد ترتب عن محاولاتهم احداث المفاصلة مع ذلك التاريخ المظلم الذي عاشه الغرب. ومن تلك الافعال الشنيعة التي مارستها الكنيسة، ولكن هل بالفعل احدث الغرب القطيعة مع الظلم والهيمنة واحتقار الاخر؟

ام ما هي الا اوقات انتفض منها الغرب من التخلف ليتحول بعد ذلك الى قوة قاهرة قائمة على الظلم والبطش خاصة اثناء احتلاله للبلدان الفقيرة والمستضعفة.؟ وهل اسس الغرب نتيجة لتلك الحياة الكالحة التي عاشها سابقا ثقافة مبنية على المحبة والاعتراف للاخر بالحق في الاختلاف؟ ام اسس ثقافة الكراهية والاستعلاء والاستكبار تمشيا مع ما كان عليه اسلافه. ؟ولماذا يعتبر الغرب نفسه مهد الحضارة الإنسانية والاخرون تلاميذه.؟ لقد شيد الغرب الحديث تقدما تقنيا هائلا. واعتبر ذلك ميزة اساسية مكنته من الحضور بفاعلية لان المنهج التجريبي الذي شيد دعائمه الاساسية العلماء الذين سبق ذكرهم هو الذي جعل الغرب يحدث ذلك الانقلاب المذهل في التصورات والرؤى. لكن هل وظف الغرب العلم لاغراض
نبيلة لخدمة الانسانية؟ ام ان الغرب قد استعمل كل الامكانيات التي حصل عليها لخدمة الشر وليس لخدمة الخير لصالح البشرية ؟

لقد ظهرت في الغرب النزعة الانسانية كما هو معروف التي تعلي من شأن الانسان بعد ان طمست حقيقته ايام سلطة الكنيسة والاقطاع وبعد ذلك ظهرت فلسفة الانوار التي تمجد العقل وتدعو الى ان يكون بديلا عن الكنيسة وتجعله يتبوأ مراكز التوجيه في كل المجالات. وتوالت بعد ذلك الثورات كالثورة الصناعية والثورة الفرنسية. ومثل القرن 18و 19 عصر الايديولوجيا بامتياز. حيث تأسست فلسفات كبرى وقامت على انقاض فلسفات سابقة عليها كالفلسفة الماركسية التي دعت الى الثورة والصراع الطبقي ،ولا يمكن اغفال مدارس علم النفس والاجتماع التي ساهمت في بلورة رؤية معينة للانسان في الغرب. لكن ما هي النتائج المباشرة لهذا الكم الهائل من الفلسفات والابتكارات العلمية ؟ وهل ساهمت بالفعل في بناء حضارة انسانية ام ان الوضع يختلف ؟.

لقد دعت الثورة الفرنسية الى العدالة والمساواة والإخاء. ولكن بعد سنوات قليلة من قيامها ستتحول الى قوة استعمارية. وسيحتل نابوليون مصر وستعتبر فرنسا الجزائر جزءا من اراضيها ، ثم توالت بعد ذلك الحركات الاستعمارية والحروب وقامت الحرب العالمية الاولى والثانية، وذلك يعني ان نتائج العلم استخدمت لاغراض ليست التي انشء العلم من اجلها. فعندما يصبح الابتكار والانتاج مسخرا لخدمة الشر فان البشر قد ضل الطريق وانزلق نحو الهاوية. لان العلم ينبغي ان يكون في خدمة الانسانية وادخال الطمأنينة عليها للدلالة على ارادة الخالق في ان يعيش عباده سعداء. ولكن الاشرار من البشر يريدون دائما رسم التعاسة على وجوه الناس. لان طبيعتهم الشريرة ليس لها بديلا غير ذلك. ولذلك ان النزعة الشريرة التي تأصلت في الغرب ناشئة عن المبدأ الذي بنيت عليه ثقافة الغرب. فلقد تأسس الفكر الغربي على محاربة كل ما له صلة بالقيم والاخلاق. لانه في الاصل قام على ابعاد كل شيء له صلة بالدين من مجال الحياة. متخذا في ذلك ممارسات الكنيسة كحجة لذلك.وهكذا سلك الفكر الغربي مسلك القطيعة مع الكنيسة ومن ثم قامت في الغرب النزعة المادية التي لا تؤمن الا بالاشياء وبالتغير كمبدأ في الحياة ، فليس هناك شيء ثابت، وعلى هذين المبدأين : حذف الدين من مجال التفكير والايمان بالتغير تشكل العقل الغربي كعقل اناني لا يعطي اية قيمة لثقافة الاخر ولا لمعتقداته ويريد فرض وصايته وهيمنته على الاخرين فهو يطلب منهم ان يفكروا بالطريقة التي يفكر بها ويصرفون الحياة كما يصرفها، بل يريد منهم ان يتخلوا عن تراثهم وثقافتهم ويخضعوا لرؤيته، وهكذا نرى اتباعه في مجتمعاتنا يرون انه لا يمكن ان نتقدم خطوة واحدة الى الامام الا باحداث القطيعة مع الاسلام. وهذا هو سر حملاتهم عليه والصاق التهم به. وقد انجذب المغفلون الى دعايتهم المغرضة. وقاموا بالدور المنوط بهم احسن قيام. وينطلق الغرب الاستعماري من فكرة محورية انه لا يمكن ان يستمر نفوذه ويستقر ما دام الاسلام قائما في سلوك المسلمين ومعاملاتهم. ولذلك اعلن الغرب الحرب الاديولوجية التي لا هوادة فيها. وجيشوا جيوشا من الاتباع. يقومون بالمهمة خاصة عندما رأوا ان الغزو الثقافي اقل تكلفة واكثر نجاعة ولذلك كانت مخططاتهم قائمة على هذا التصور ، عندما لاحظوا ان الغزو العسكري والاحتلال قد استنفذ اغراضه حيث تمت مواجهته، ولذلك اناطوا مهمة الاحتلال بعناصر من جلدتنا ويتسمون باسمائنا ولكن يفكرون ويسلكون بعقلية الغرب ويتخذون مواقفه في كل شيء ولو اقتضى الامر التضحية باوطانهم. فهؤلاء الاتباع قد انفصلوا عن كل ما يربطهم بتاريخ امتهم. واحدثوا الانفصال الوجداني والعاطفي بتاريخ حضارتهم. واصبحوا اقرب الى الغرب من غيره. بل انصهروا بكليتهم في بوتقته. وذابوا في رؤيته للحياة. فربطوا مواقفهم بمواقف الغرب في قضايا المسلمين. بل اصبحوا يدورون مع الغرب حيث دار. يعادون من يعاديه ويصاحبون من صاحبه ،وهؤلاء الاتباع ليسوا على شاكلة واحدة بل يتعددون وتتعدد معهم اساليبهم وحيلهم لانهم يتكيفون وفق ما اسند لهم من دور ومهمة :

فهناك طائفة من العلمانيين الذين اعتبروا انفسهم جزءا من الغرب وذابوا داخل ايديولوجيته لان الغرب اجتهد في صناعة الاتباع مثقفين او جواسيس على حد سواء وهذا ما نجده في تيارات عدة عنصرية كانت او داخل فلسطين المحتلة حيث هناك تيار فلسطيني اصطف مع العدو في محاربة الذين يدافعون عن حقوقهم ووطنهم وكرامتهم وعقيدتهم لان هذا التيار انصهر في ايديولوجية الغرب الاستعماري الصانع للصهيونية واصبح هذا الفريق يشعر بالانتماء الى الايديولوجية الصهيونية اكثر من انتمائه الى حضارة امته وتراث شعبه وتاريخه. وللتذكير : فان الكيان الصهيوني قاعدة متقدمة لانظمة الحكم الغربي. سيما الولايات المتحدة الامريكية رمز الاستعمار والاستكبار ورمز الشر واحتقار الشعوب. فهذا الكيان هو صناعة غربية خالصة. فهو بذلك يحمل في رؤيته كل ثوابت الفكر الغربي. سيما انهم امتداد للحركة الاستعمارية التي تولدت في الغرب وامتد نفوذها الى بقية بقاع الدنيا التي قامت على الابادة والقضاء على السكان الاصليين كما تفعل الصهيونية التي اتخذت مبدأ ارض بلا شعب وشعب بلا ارض ولذلك ان التيار الفلسطيني السالف الذكر مرحب به في دوائر الحكم الغربي لانه منسجم معها فكرا وسلوكا واخلاقا بقطع النظر انه اعترف باحقية الكيان الغاصب لارض الاسراء والمعراج في الوجود وهو امر ليس له الحق فيه على الاطلاق لسببين : اولهما ان ارض فلسطين ارض وقف اسلامي غير قابلة للتصرف. والسبب الثاني ان الشعب الفلسطيني لم يستشر في هذا الامر.

ومن جهة اخرى تم توظيف مجموعة من الفقهاء الذين يزينون للظالمين صنيعهم وافعالهم في تواطئهم مع الصهيونية ، ويحرفون الدين الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم واخضعوه لرؤيتهم. والغريب ان من بين هؤلاء من يرفع شعار الكتاب والسنة وهو امر اساسي وضروري لا يستقيم امر المسلم الا به. ولكن ليس الامر برفع الشعار وانما المهم الممارسة والسلوك والانتماء الشعوري والعاطفي الى امة محمد صلى الله عليه وسلم. “رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا” الآية.

إنه ولاء يجمع آخر هذه الأمة بأولها كما يقول احد المفسرين. فما موقفهم من قضايا المسلمين ؟ وما موقفهم من عقيدة الولاء والبراء في الاسلام؟ وكيف كانت حياة الفقهاء الذين يتخذونهم قدوة كابن تيمية وابن القيم رحمهما الله. وهل اطلعوا على مواصفات الفئة المؤمنة وهي مسطرة في سورة المائدة؟ “يا ايها الذين امنوا من يرتدد منكم عن دينه… الى قوله تعالى ومن يتولى الله ورسوله والذين امنوا فان حزب الله هم الغالبون. “الايات 56 – 57 -58 من سورة المائدة.

إن التخندق والاصطفاف مع اعداء الاسلام ناتج عن انحراف في الفكر والتصور والعقيدة. هذا ان كنا نحسن الظن وهو نفس الانحراف الذي وقع فيه العلمانيون الذين ذابوا في ايديولوجية الغرب وتخلوا عن الدفاع عن اوطانهم . واليوم هناك يقظة ضمير تسود بعض فئات المجتمع الغربي خاصة الحركة الطلابية لما رأوه من مشاهد تدمي القلب ومن ظلم تاريخي وقع على اهل فلسطين. ولكن هناك في اوطاننا من لم تحركه تلك المشاهد بل ينظر الى الامر بعين الشماتة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M