الإصلاح الفرنسي الإسلامي بالمغرب 1903م
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
تقديم
يعتبر من المسلمات عند البعض من المهتمين بتاريخ فجر الحماية، أن ليوطي هو منظر الحماية، وضابط برنامجها، وصائغ مصطلحاتها، من قبيل سياسة “التهدئة” و”الواجهة” و”القياد الكبار” و”المغرب المختلف عن الجزائر”، و”تعاون المخزن والسلطان أساس اختراق فرنسا للمغرب” و”مهادنة الإسلام ورموزه” و”الإسلام المغربي” و”الدولة المغربية العريقة” ووجوب الاهتمام بالعمارة العتيقة بالمغرب، واللهجات البربرية وتقعيدها، وتقوية النظام الاجتماعي لتهديد النظام المخزني حتى ينصاع للتعاون؛
لكن البحث الذي نقدمه للسوسيولوجي “إدمون تيريري” (1867-1926) يميط اللثام على أن ليوطي، لم يكن سوى المطبق الحرفي لتقرير أنجزه الباحث السالف، بعد زيارته للمغرب سنتي 1900 و1901 من أجل الإعداد لإدماج المغرب في دائرة النفوذ الفرنسي، والذي نشر في مجلة “إفريقيا الفرنسية” سنة 1903 تحت عنوان: “la reforme franco-musulmain du maroc”.
مع ملاحظة أنه لم يشارك في إدارة الحماية بالرغم من تبني ليوطي أفكاره
نص البحث:
حاولنا أن نبين في آخر مقال لنا بأن فرنسا لا يمكن لها أن ترى بالمغرب، سوى برنامج واحد غير مغاير للذي تم في الجزائر، من تطبيق اختراق له، باتفاق مع الحكومة الشريفة، وفقا لمستوى وشخصية الشعب المغربي؛
إنه إصلاح داخلي بالمغرب، فرنسي مسلم كجزء شامل نشيط، في نسق الإسلام البربري والتنمية المتناغمة، مع الطاقات التي تستنفذ بهذا البلد الجميل، في صراع عقيم، من غير رسول تستند عليه الحضارة؛
في هذا الإصلاح نريد رؤية مخزن متعاون معنا، وسياسة من السلطان مصغية لما نقدمه للقوات الكبرى التي لا ترى ما نراه.
في هذه المفاوضات الأولية الجارية الآن نتعامل بالضرورة مع كل عرض، ونتوقع احتمال إسقاط الشكل الخارجي لبرنامجنا والاستغناء عنه بتأمل جدي في جدوى ذلك.
إذا لم أتلطف كثيرا في ثنَائي على موضوعي الذي هو البرنامج، الذي نريد أن تتقبله القوى الكبرى، فإنه يخشى أن يتعرض للنقد من قبل المعارضين له، الذين يرون أن المخزن لن يرحب به، إذا ما فعَّلناه بإشارة طوعية.
سنتقاسم هذه الآراء المتعلقة بأوروبا في تصاميمنا ومخططاتنا لتكون مشهودة ومعترف بها، حتى لا تتعرض لخطر الإخفاء أو انعدام الفائدة رغم التأهيل.
بجب علينا إعلان برنامجنا بصوت عال، وأن نظهر أنه من خلال ما لم نفعله في الجزائر وتونس، وما نقوم به في غرب هذين البلدين نستحق عليه ثقة أوروبا؛
النصيحة التي نستحقها هي تكليفنا بصلاحيات اختراق المغرب، نحن نستمد القوة من الإعلان بوضوح، حتي إذا ما تم الارتباط بسبب معين، لم يتم إخفاؤه عن الكل بل بالعكس، الدبلوماسية يجب أن تكون صريحة لا تخفي شيئا.
أحسن مثال لهذه الصراحة، هوما قام به ممثل فرنسا إيتيان، أمام أنظار أوربا مع المخزن بعرض بعض البرامج عليه، ليستيقظ قليلا أو كثيرا إذا كانت لديه قابلية؛ لكن هل نستطيع بشكل منطقي الطلب من أمير مسلم السماح لنا بتقديم النصائح له، وحماية الخارجين عن طاعته، لأنه يرى في ذلك سببا لفقد سلطته
لدينا أقوى دعم في المهمة التي نريد التعهد بها، وهي مكانته الدينية التي سنستخدمها عندما نكون قادرين على التأثير عليه وديا والحصول على موافقته ورضاه، عندها سيقبل بفارغ الصبر التعاون معنا بعيدا عن أعين شعبه، حتى لا يصير حاكما فاقدا اعتباره لتحالفه مع الكفار، لأنه يكون في نظر شعبه المدافع عن قضية المسلمين، والضامن لحرية عقيدتهم.
يجب أن نكوّن برنامجنا وفق أفضل المصالح المغربية، لكن دون اعتبار أنه من غير الشريف لا يمكننا تلقائيا الوصول لتطبيقاته، وبشكل مستقل تماما.
ما يزال الهدف بعد أن نعرض السياسة المنفذة للبرنامج الاختيار بين السياسة المسماة جزائرية، وسياسة التعاون، والسياسة الثالثة التي لم أتحدث عنها والتي هي الغزو العنيف بواسطة الجيش،
أجيب بأن هذه لا يمكن أن تسمى (سياسة)
إنها عقلية الدولة، وأنا أرفض اليوم مفهوم عقلية الدولة
سوف نشكوا من رؤية جنود يريدون إبراز قيمتهم، لكن هذا يعني بأنهم سيختارون خوض حرب غير عادلة؟
أنا لا أعرف شيئا إذن، بالرغم من أن سياسة التهدئة تحظى بانتقاد قليل، إلا أنها تبقى جريمة لا نريد تبنيها في البداية، فالكل يريد مسرَّات الحرب، لا يمكن أبدا القول بأنه لإنجاز مهمة السلام يجب أن تستعد للحرب، لأنه ليس بالسلاح فقط تصنع الخيارات، لأن الخوف وحده يؤدي لنفس النتائج، وممكن لحركتنا بالمغرب أن تكون حركة للتهدئة، أكثر منها حركة للحرب.
في الحقيقة منذ عدة سنوات، رٌكِّزت جهود مهمة من التحقيقات العلمية عن المغرب، فبدأنا نفهم بنية تُربته، ونحدد شكلها الجغرافي، وقد اكتشفنا أهم المخطوطات التي تتحدث عن حولياته، ونكشف نحْو لهجاته ونبحث في كل شيء، لجرد مخزون هذا الإنتاج والحاجات المادية لسكانه.
وبصراحة، وخاصة في آخر الدراسات التي أثارت اهتمام الرأي العام، لم نتحدث سوى عن المنافذ، والمضاربة، واستخدام صناديق التمويل؛
هذه الأمور تؤثر بلا شك على مصالحنا، لكن لا يجب أن نتجاهل بأي حال، مصالح الشعب المغربي؛
نود أن نرى دون أن نفقد لحظة واحدة الجانب الاقتصادي في المسألة المغربية؛
الرأي العام يهمه قبل كل شيء، مصير الشعب المغربي، وشرعية تطلعاته، في الدور الذي يمكن أن يلعبه في الحركة الاجتماعية لإفريقيا الشمالية.
كتب ربير دكي يقول: (المسألة العالمية هي كل المسألة المغربية) عندما نضع أنفسنا في نقطة انطلاق مختلفة تماما، يمكننا أن نقول اليوم بغير قليل من الصراحة، لا يمكن أن تكون المسألة المغربية سوى أن نضمن للشعب المغربي الفوائد التي تتمتع بها الشعوب الأكثر تحضرا، وهذه المسألة يجب دراستها بالمغرب.
يبدو أن هناك نقصا في الاحترام الإنساني في تقديم المغرب كنوع من الأشياء التي تؤدي حالتها الدولية إلى تفكيك الفوارق، دون أخذ مصالحها الخاصة في الاعتبار، فالشعب يجب أن يعامل كغاية في حد ذاته وليس كوسيلة، والسياسة الفرنسية في الإمبراطورية الشريفة يجب أن تكون سياسة مغربية، أو من الأحسن سياسة إسلامية، لأن فكرة الدولة لديهم ذات طابع ديني في الأساس.
من هنا ارتبطت هذه السياسة بطريقة تنفيذ مهمتنا، التي طبقت في الجزائر وتونس ارتباطا وثيقا.
إذا اعتبرنا قبل كل شيء المغرب شخصا اعتباريا، نتحمل مسؤوليته، ويتوجب علينا ضمان تنميته، بطريقة تجعله يحصل على نصيبه من التقدم البشري، سوف يتضح أن برنامج الإصلاح الفرنسي الإسلامي الذي نتأمل، فيه لا يمكن صياغته إلا إذا أخذ قاعدته من طبيعة القوانين المغربية، وواجباتنا نحوهم تفترض لتطوير هذا البرنامج، أن تكون لذينا معرفة مسبقة بثلاثة تراتيب مختلفة في المقام.
الترتيب الأول
علينا أن ندرك بوضوح ووعي، مدى نجاح وفشل المهام التي أنجزناها في الجزائر وتونس، لأن هذا العمل فوق كل شيء -الذي نفترض العناصر الأساسية للاطلاع بالإصلاح المغربي-، مخترق -بشكل جيد- بعجز تشريعي ينتج مشاريع تقدم في مجلس الوزراء من غير معطيات الخبراء، ومع ذلك ننتظر منها أن تؤدي للإصلاح، لا أن تهدم لنؤسس مجددا ما يستوجب إصلاحه.
الترتيب الثاني للمعرفة التي لا غنى عنها لنا لإنجاز عملنا بالمغرب تتعلق بهذا البلد نفسه، بملحه وسكانه وعاداتهم ومعتقداتهم، وتنظيم مجتمعهم، باختصار يعد استكشاف غرب إفريقيا ودراسته علميا قواعد أساسية لبرنامجنا، فقط من خلال متابعتهم الدؤوبة سنتمكن من الحصول عن ماهية فكرة الروح العامة بالمغرب.
هناك فصل في علم النفس الاجتماعي تبدو أنها تاج كل الدراسات، العلماء المغاربة وهم أساس كل سياسة، سيكون من التسرع أن نرغب في كتابته الآن، لكن يجب علينا من الآن فصاعدا أن نحاول تحديد المسارات العظيمة، وإذا أمكن الشخصية المهيمنة للشخصية المغربية.
يبدو أن لنا مسارين من هذه المسارات، وإلا يمكن الاعتماد عليها في الوقت الحاضر على الأقل كمعالم مؤقتة في إنشاء برنامجنا إحداهم مشترك بين جميع مسلمي إفريقيا الشمالية، والآخر يبدو أنه أفضل بين المغاربة منه بين إخوانهم في الجزائر وتونس.
الأول هو أن المغاربة يتابعون أهدافهم الكاملة في شكل ديني، الآخر هو أنهم يحبون ممارسة نشاطهم الاقتصادي في إطار تبادل تجاري؛
على ما يبدو أن هاتين السمتين من الشخصية تعتمد كل منها على الأخرى بالأساس، في حالتي القوة والتنازع، فإذا تم تحليلها لعناصر أضعف فتلك هي الأسئلة التي ستحللها الدراسات الأكثر جدية بالتأكيد، ويكفينا اليوم الإشارة لها.
المقابلة والمناظرة بين هذين الخطين من السمتين، أنه توجد قدرات اجتماعية مبنية بالمغرب: هناك أرستوقراطية دينية، وبرجوازية تجارية، لا يستبعد إحداهما الأخرى، وهو شيء رائع، فإذا أضفنا لما سبق بأنه لا يكاد يوجد تقريبا حول الأمير رؤساء مهمين، يكونون طبقة عسكرية، تتصارع بالمغرب، فإن القوى الاجتماعية الهامة هي التي نقترح تدعيمها، وإبرازها للعلن، لأن التواصل معها سيتم بسلاسة ويسر، نتيجة إبرازنا لها وتقويتها فيما يتعلق بالدين فامتداد غطائه يصل لغاية مفهوم السلطة والجنسية.
سلطة الأمير هي قبل كل شيء دينية، وفكرة الدولة مستبدلة بفكرة الدين، فيما يتعلق بالتجارة، فالرغبة فيها متفشية في كل مكان فإذا كانت غير مزدهرة بعد، فبسبب شراسة القياد المحيطين بالأفراد لغناهم، والذين هم أيضا يودون الاشتغال بالتجارة ومنافستهم من أجل الغنا وامتلاك الثروة، إضافة لعقبة انعدام الأمن الدائم في الطريق.
ولكون الدين إذا، عنصر تجميع بين كل المسلمين بإفريقيا الشمالية، فإن علينا أن ننتظر لأن المبدأ قويٌّ أيضا كالأسلمة، يسم كل الأفراد ببصمته، كما يفعل اللباس بهم، بخلاف التجارة فإنها تكوِّن عقلية مهما قل أو كثر تخصصها لن تكون مستغربة، لأن أدنى اختلاف في الأرض والمناخ، يستوجب حتما حاجات مادية، نمط الإنتاج، وطريقة توزيع الثروة، وعلى كل حال، فقد أظهرت لنا التجربة المستمدة من الجزائر، أن الحياد فيما يتعلق بالدين، كان أضمن موقف تجاه مسلمينا.
من هذا الجانب سياستنا المغربية ستكون إذن سلبية، وممتنعة عن التدخل، لكن التجربة نفسها أثبت لنا أن النشاط التجاري هو أفضل طريقة لتقريب الأهالي منا، وفي نفس الوقت إبعادهم عن التقوى الضيقة:
لهذا السبب، سياستنا الاقتصادية في المغرب يجب أن تكون إيجابية ومبادرة، علاوة على ذلك، من المفهوم جيدا أن النشاط الإنتاجي والتجاري الفردي، هو ما نعتزم تحفيزه.
وعلى أي حال، لا نأمل في إنشاء مغرب (كمستعمرة تصدير) وهو ما سبق الإشارة له.
وأخيرا لا يكفي أن نعرِّف جيدا المغاربة بنا ونعرفهم، بل يجب أن نكون على يقين من الألة التي نتابعهم بها وهي المخزن، ومعرفة كل نقاط القوى ونقاط الضعف لديه، ولا نتجاهل أيا من تلك الدوافع السرية التي تحركه في الداخل والخارج، كما نحتاج للاستفادة من ميزة القصور والنقص في الإدارة المخزنية التي هي الإدارة المغربية، وهي الآلية المفروض علينا التعامل معها، والتي تحتاج لوحدها دراسة معمقة تاريخيا، ومقارنتها معرفيا بحكومات المسلمين الأخرى، لنتمكن من تكوين رأي حولها.
المخزن مكون من الدين، ومن بقية القوى الاجتماعية الأخرى الشديدة التعقيد، التي ليس من عادتنا تخيلها، من الجيد أنه تم إلقاء نظرة مؤخرا على هذا الموضوع في الآونة الأخيرة، لكنها كانت دراسة قانونية، بل يجب دراسة المخزن بتفكيكه قطعة قطعة، بشكل سوسيولوجي حديث، بالرغم من أنه نظرا ما يزال يدون، ولن يظهر كنظريات إلا بعد بذل عدد من المجهودات.
بما أننا ركزنا اهتماماتنا على أنفسنا، وعلى الشعب المغربي وعلى أداة إصلاحنا، فيمكننا إذن محاولة التركيز على الخطوط الكبرى لهذا الإصلاح، دون التوقف للحظة عن متابعة تلك الدراسات الأولى.
لقد كتبنا كثيرا في أن البرنامج الذي نبحث لإصابته، يمكن أن ينظر إليه على أنه تلبية لإعطاء حقوق طبيعية للمغاربة، وتنفيذا لواجب من قبلنا، فإن أول شيء يحق لأي شعب المطالبة به ممن يهتمون بحماته، والشرط اللازم لأي عمل مُحضِّر ومُمدِّن هو السلم، والأمن التام الشامل.
أ- ضمان الأمن:
يعتبر ضمان الأمن إذن أول واجب علينا، ماهي المعايير المطروحة من الآن لبلوغ ذلك؟ تحت أي شكل سنقدم المساعدة للسلطان؟ هذه هي الأسئلة المثيرة في الوقت الحاضر؟
بدون شك بعثتنا العسكرية بالمغرب مدعومة بمدربين جزائريين سيلعبون دورا ترجيحيا في استتباب الأمن، لكن بأي وسائل سنساعد في استتبابه؟
أيبوليس دائم سننشئه؟ ما هو الدور الذي ستلعبه قبائل المخزن؟ ما هي المعايير التي سنتخذها لمنع مهربي السلاح؟ ما هي التدابير التي سنتخذها على طول حدود بلاد السيبة وبلاد المخزن في حالة ما إذا أصبح الاضطراب هو الغالب؟ هل هناك نظرة عامة في حالة ما إذا سار العداء سائدا؟ ما هي ظروف الحرب عند قبائل المغرب؟ في أي منحى ستتشابه أو تختلف مع الحرب في الجزائر؟
تلك هي الأسئلة التي استنتجتها من متابعتي لردود الفعل الخطيرة، ودراستي الطويلة للمسألة المغربية، ثم ما الخلاصات التي لم نستنتجها من تجربتنا الجزائرية؟
ب- إذا ساد السلام، واستتب الأمن، فإن أكبر حاجتين سيطلبهما الشعب المغربي منا تقديمها له هما: الحرية والمساواة، في إطار مهمتنا، أسمع بأن كل واحد لديه تصرف نابع من اختياره، ومصالحه، طالما أنه لا يتعارض مع أية نقطة من نقط القانون المشترك.
ج- فيما يتعلق بالحرية، سيتعين علينا في المستقبل، وحتى إن أمكن إصلاح العقوبات والمصادرات الظالمة في الماضي في السجون المغربية أنين وصراخ ضحايا أبرياء لا حصر لهم ماذا سنقدم لهم؟
نريد تقديم أكبر التسهيلات: ضمان الأمن والسلع الأساسية، تنظيم مجال رعي الرحل، توسيع شبكة البريد، تنشيط مجالات التجارة المختلفة، أشير للتذكير هنا للتلغراف والسكة الحديدية، لكن أّلِحُّ على ضرورة تنمية العلاقات الاجتماعية بين المغرب والجزائر كاستقبال حسن بالجزائر لليد العاملة المغربية، تباذل زيارات بين الطلبة والمفكرين بين البلدين إلى آخره…
د- فيما يتعلق بالمساواة، ضرورة إجراء إصلاح مستعجل للعدالة: القضاة عادة ما ينهبون المتقاضين عندما يستخدمون اختصاصاتهم عن طريق الهدايا التي تنزع عادة كل الضمانات عن العدالة، المساواة أمام الضرائب، والإصلاح الأشد بؤسا والموجه مباشرة للصغار، يطرح السؤال الأكثر صعوبة القائل: اتركوا لنا التنظيم الضريبي لمولاي عبد العزيز، أو أعِدُّوا لنا نظاما أحسن منه ويتلاءم مع التقاليد الإسلامية.
يجب أن نقدم للضرائب الشرفاء والزوايا الذين يصرحون بالامتيازات التي أعطاها لهم السلاطين، ونرفع من مساهمات المدن، لأن القبائل في هذا الوقت مسحوقة بالدفع للمدن.
المعطيات المقدمة من طرف التونسيين ستمنحنا احتياطات نفيسة، من أجل اقتراح مخطط على المخزن، لكل هذه الأسئلة وتلك التي لم نشر لها، ولم يتم طرح معظمها حتى الآن.
وبمجرد أن تصبح المبادرات الفردية حرة ويمكننا مباشرة تنمية بتجهيزات جيدة وبيسر سيتعين علينا المساعدة بكل الوسائل الممكنة، في تنمية خصوبة التربة للفلاحة والصناعة لجعل منتوجاتها متداولة في التجارة، وجلب العلاج للأمراض الجسدية بواسطة النظافة العمومية.
1- الفلاحة المغربية ربما أقل تخلفا مما يعتقده المرء، ولكن ما يزال يتعين بذل مجهود لإحراز تقدم أكبر، لكن أي نوع من العمل؟
التعاون الأوربي سيقدم هنا كل ما بوسعه للفلاح، لكن تحت أي شكل سيتم ذلك؟ لن يتم ولن يحدث شيء دون تعديل نظام الملكية الذي يمنع اليوم كل اقتناء للأرض من قبل الأجانب، فكيف سيلعب الاوربي دورا في السهول الخصبة بالغرب والحوز مع الأهلي مع هذا القيد؟
2– الصناعة المغربية كالجزائرية تتطلب وقتا لقيامها، كالخبرة والمواد الأولية، والآلات والتعرف على أماكن المعادن، ومصدر الطاقة كالفحم، وأكيد أن الأطلس لا تنقصه الطاقة البيضاء الناتجة عن المياه المنحدرة من أنهاره، ولا المعادن المختلفة التي سيزدهر تصديرها بفضل الرأسمال الأوربي المستثمر فيها.
3– أشرنا لرغبة المغاربة في التجارة، إنها ستكون بالتأكيد غدا وبدون شك مصدر تعاوننا الكثيف المشترك، بمجرد ما يتم هذا التعاون ويصبح أمرا واقعا، ستصير الحماية ضرورية، وكل قلق غلط، لان الكل سيصير محميا، برد فعل سعيد نتوقع بأن النشاط التجاري للمغاربة سيحفز تجارنا على عدم ترك المغرب خلفهم؟ بل سيكونون في الصف الأول، بالتأكيد الحكومة الفرنسية تبحث عن الترويج لهذه الانطلاقة، ولذلك فهي مهتمة بشكل كبير بتنمية المصالح البحرية.
وأخير المالية هذه الأداة الأساسية للتجارة تدعو المغرب لعدد من الإصلاحات، الاستمرار في ضرب النقد الحسني الذي لا يروج في أوربا يمكن أن يصير مصدر إحراج كبير، كيف يمكن تدارك تغيير هذا السلعة؟ إنها مسألة كبيرة ستواجه مساهمتنا في مؤسسات مالية بالمغرب، تستوجب تنميتها وإحداث بنك في فاس ومراكش، حتى لا يضطر في نقل الأموال لتكاليف باهظة وغير مريحة ومحفوفة بالمخاطر.
4- حرية العقيدة
حرية العقيدة ثروة ثمينة مثل الحرية المادية؛
التسامح والمعاملة الحسنة والرأفة يجب أن يكون أساس موقفنا وتصرفنا تجاه الإسلام، ومع ذلك فإذا أردنا أن ننظر لهذا الدين بتعاطف ومودة، فعلينا أيضا متابعة التعبير الحيوي للسيد “بوتمي” المنظر اللائكي، وينتهي تسامحنا في النقطة التي سيبتدئ منها الإسلام في إسقاط وهزم الحضارة، هذا ما لا ينبغي -كما سبق لنا القول- تأييده بالموافقة على الطرد الأخير للأوربيين من فاس، القيام بذلك يعني أنه من أجل اختراق المغرب، يجب أولا المغادرة وذلك من أجل دعم عملية التحضر، يجب البدء بالأجانب، وفي المقابل لو كان حقا ما كتب بأن “السلطان اليوم يموت حبا في الأوربيين” لذلك سيكون التخلي عنه والمغادرة ولومن أجل هذا السبب وحده، سيكون من جهتنا غير منطقي وجبان.
سلوكه تجاه أوربا منذ خمس أو ست سنوات لا يمكن إلا أن يزودنا بالأسباب التي تدفعنا لمساعدته بشكل نشيط.
سنعمل بجد أيضا للمطالبة بإلغاء بعض الإجراءات المهينة تجاه كل الديانات غير الإسلامية -وإن قيل بأنه قد أبطل إلا أننا ولم نعلم به كما سبق فعله في شرق المغرب- فإننا نعتقد أن القيام بذلك الاحتفاظ سيؤدي للمواجهة كما سبق شرحه، مع أن قدرة مواجهتنا للتدين المغربي سيكون غير متأتي ولا فعال.
تعاملنا مع كبار الأولياء وفقهاء المساجد والفقراء أتباع الطرق الصوفية، وبعثة لفرنسيسكان، وبعثة لبروتيستانت، ستنتج في الأخير عددا من المشاكل يصعب معالجتها والتي نكتفي بالقول بأنها أثارت انتباهنا من غير أن تدفعنا للمطالبة بالتدخل بشكل أعمق لحلها.
التعليم بدون شك من أقوى وسائل العمل في يد الحكومات، لكن من الصعب التعامل معه، أكثر المشاكل إثارة للاهتمام ستحدث حول هذا الموضوع في المغرب، فمن الممكن إنشاء تعليم ابتدائي فرنسي مغربي في هذا البلد، ويبدو لنا أن المدرسة الفرنسية الإسلامية التي تم إنشاؤها في طنجة، نعتقد أنه من الضروري أن تكون نموذجا ومثلا يحتذى، ونقطة نحاول من خلالها إحياء جامعة فاس.
هذا ليس مستحيلا بأي حال من الأحوال، لكن ما هو الحذر اللازم هنا، وكم من الدراسة الأولية التي لا غنى عنها للمشكلة، ما يزال هناك بفاس أنوية لمكتبات، وصحافة عربية وربما تكون هذه الوسائل من أضمن وأسهل وسائل التأثير على عقول الطبقات المثقفة من الآن فصاعدا سيكون هناك اهتمام بقراءة ما يطبع في الجزائر بالعربية، من قبل المغاربة لأنه يجيب عن حاجاتهم، حيث لدينا دراية بذلك.
إنه لأمر مؤسف أن نرى التحلل والاندثار الذي ألت إليه الهندسة الإسلامية بالمغرب، إنها إحدى الطرق التي يمكننا من خلالها القيام بأكبر قدر من العمل.
في المقام الأول يجب أن نكرس أنفسنا لترميم الآثار، ذات الأهمية الكبرى لهذا العلم مثل تلك الموجودة في وليلي، والتي يتم تدميرها يوميا، وفسيفساء مسجد تنملت الساحرة، ونواعير مراكش الخشبية المطلية الرقيقة، والعينات الماتعة للفن الموريسكي بشالا وسلا، المتهاوي بالتآكل مع مرور الزمن.
سنحاول من خلال دورات تدريب مهنية مناسبة إحياء تقاليد المعماريين في العصور الزاهرة، وإنقاذ الصناعات الفنية الساحرة التي على وشك الانقراض، وذلك عن طريق حماية صناعة الزرابي والفخار والزليج والخشب المرصع النقوش، وغيرها من الصناعات التزيينية.
هذه بعض النتائج التي يمكن للمخزن الوصول لها من خلال تعاوننا معه، لذلك يجب عليه أن يوافق على السماح لنا بإصلاح إدارته، ومن جهتنا يجب أن نواصل بلا انقطاع الاستكشافات العلمية بالبلاد وتحديد مكامنها.
في الإصلاح الإداري تطرح مسائل مثل التعرف على كيفية إدارة القبائل، حيث يجب أن يبقوا كما كانوا في عهد أخر سلطان، ما هي القواعد التي يجب اتباعها في اختيار القياد ومختلف الموظفين؟ ما هي الوظائف التي يجب إسنادها للجزائريين أو التونسيين؟
بالنسبة للاستكشاف العلمي، ليس من الضروري أن نوضح هنا بالتفصيل الوسائل التي يمكن اتباعها في القيام بذلك، لكننا نشير بشكل خاص، إلى مسألة استخدام الأهالي الجزائريين لاستكشاف حدود أراضي العصاة مع الآخرين.
سنقوم بتعداد بعض الإصلاحات الجادة والمثيرة للاهتمام، الممكنة بالمغرب والتي تتطلب اهتمامنا، عدد صغير منها تتطلب حلا مستعجلا، الغالبية غير ناضجة للدخول في الواقع الحالي، وكلهم يطلبون أن تتم دراستها دون تأخير، والتي غالبا ما تكون صعبة ومثمرة دائما.
إن لجنة إفريقيا الفرنسية استدعت كل الأعضاء ليساهم كل واحد منهم من خلال كفاءته الخاصة، في إدارة هذه السياسة أو غيرها من السياسات الأخرى لكشف حقيقة ما نجهله من حقائق في الواقع، لقد سبق أن قدمنا في عرضنا أن الواقعية تبين لنا أن العمل المغربي هو عمل في شمال إفريقيا، وأنه ليس هناك نقاش يمكن أن يفْصِل ما وحَّدته الطبيعة عبر توحيد الأرض، وأن نقتنع أيضا بأن المخزن والسلطان محتاجان لنا أكثر من احتياجنا لهما، وينتظران تفاهما وُدِّيا نقدمه للعالم كحل وحيد للمسألة المغربية وليس شرابا لعنوان دبلوماسي.
سيكون الإصلاح الفرنسي المغربي للمغرب قادرا على أن يكون آخر عمل استعماري عظيم لبلادنا، إذا ما أردنا المعرفة، ولا ننسى تقاليدنا اللبرالية، سيظل مسموحا لنا أن نعطي للعالم من على مسرح إفريقيا الشمالية مشهدا فخما للشعب “الفرنسي” الذي عن طريق رعايته الكريمة “للمغرب” نمى وازدهر، والذي لولاه لبقي ضعيفا.
إدمون دوتي
(إفريقيا الفرنسية عدد نونبر 1903؛ ص:356-362).