الإصلاح اللغوي شرطٌ في إصلاح التعليم
هوية بريس – د.عبد العلي الودغيري
لا يمكن أن نتحدث عن حياة أمةٍ لا لسان لها ولا تاريخ ولا حضارة ولا هُوِيّة ولا شخصية. الأمم التي لا لسانَ لها بَكماءُ خَرساء فاقدةُ التعبيرِ عن نفسها. لا شخصيةَ لها ولا وجود، ولا حضارة ولا تاريخ. قلُ لي: ما لسانُك، أقُلْ لكَ مَنْ أنتَ.
والإصلاحُ الحقيقي للتعليم، يبدأ من البداية الصحيحة وهي إصلاحُ الوضع اللغوي، بإعطاء لغة المجتمع الذي يُراد تعليمُه مكانتَها التي تستحقها. فالتعليم هو عمليةُ بناءٍ للأمم والجماعات على ما يُحقِّق ذاتَها وأهدافَها ويعزِّزُ شخصيتَها ومكانتَها المتميِّزة. واللغة هي المادةُ الأساسُ التي يتمُّ بها هذا البناءُ، وليست مجردَ أداة للتخاطُب كما قد يُشاع، أي مجردُ سِلْكٍ معدنيٍّ بارِدٍ لا حرارةَ فيه ولا روحَ، وظيفتُه الربط الآليّ بين المتكلِّم والمتلقّي عند إرادة التخاطُب، وإيصال المعلومات المطلوبة. وبالتالي يمكن استبدالُه بسِلك آخر من نوعه متى أردنا ذلك، دون أن يؤثِّر هذا الاستبدالُ في عملية الربط والتواصل.
اللغة غيرُ ذلك وأكبرُ من ذلك أيضًا؛ هي نِسْغُ حياةِ الأمم والشعوب وإكسيرُ كيميّائها. اللغاتُ مثل البُذور، لكل منها خاصِيّاتُها ومُكوّناتُها الجِينيّة المختلفة، إذا زرَعتَ الواحدةَ منها أعطتكَ النباتَ الذي تحملُ خصائصَه من شكلٍ وحجمٍ ولون ومَذاقٍ وفائدةِ غِذاءٍ. ولا يمكن لبَذْرة التّين أن تُنبِتَ لك عنقودَ عِنَب، ولا بَذْرة الثَّوم أن تعطيك شجرة لَوْز. وللبذور أيضَا شروطٌ تحتاجُها من حيث التُّربة والمناخ والبيئة ونحو ذلك. فلا تنتظر من تربة قاحلة أن يُفلِح فيها زرعُ بَذْرة تحتاج إلى رطوبة وكثرة ماء وخصوبةِ أرضٍ واعتدالِ هَواءٍ.