الإصلاح والإفساد يبدأ من السلطة وينتهي عند السلطة..
هوية بريس – محمد إلهامي
كنت في سفر، فاقترح الشيخ الذي صحبناه فكرة، نتسلى بها ونستفيد، فقال: نحن تخصصات مختلفة، فليذكر كل امرئ خلاصة العلم الذي يتخصص فيه!
اعتصرتُ عقلي عصرًا لأستخلص خلاصة يدور حولها سائر ما تعلمتُ وما قرأتُ، فلم تكن إلا هذه الخلاصة:
الإصلاح والإفساد، يبدأ من السلطة، وينتهي عند السلطة.. السلطة هي مدار صلاح وفساد الناس!
كل مصلح ومفسد لن يتم له صلاح ولا فساد إلا إذا تمكن من السلطة، وكل ما قبل الوصول إلى السلطة هو بمثابة الإعداد لهذه اللحظة، وكل ما بعد الوصول إلى السلطة هو بمثابة التمكين للفكرة ونشرها بأدوات السلطة، والحفاظ على السلطة لمزيد من التمكين للفكرة ونشرها.
لئن كنتُ بدأتُ رحلة القراءة بغرض فهم الحياة قبل 28 عاما، فهذه خلاصة خلاصتها.. أستطيع أن أدلل على ما أقول بالقرآن والسنة والسيرة والتاريخ، وما أعرفه من أشياء في علوم النفس والاجتماع والاقتصاد والسياسة.. وهذه عندي بمثابة الحقيقة الكونية لا بمثابة الرأي الذي يحتمل الصواب والخطأ.
قد اختبرت أن تكون بين الصواب والخطأ حتى تبين لي أنها صواب لا يحتمل الخطأ، وتكلفت أن أثير عليها من الشبهات من عند نفسي ومما يخترعه خيالي فوق الذي يثار عليها من الشبهات بالفعل في واقعنا المعاصر، من سائر الحركات والاتجاهات الانسحابية والاعتزالية والانبطاحية والمنافقة.. فلم أعد من هذه الرحلة بشيء! وبقيت تلك النتيجة كما هي، بل تزداد وضوحا ورسوخا!
وكل عامل في الإصلاح في مجال ما، صغر عمله أم كبر، وكان مجال إصلاحه قريبا أم بعيدا.. كل مصلح إذا غفل عن هذا المعنى فهو في اللحظة الفاصلة ثغرة وموضع خطر يؤتى المسلمون منه.. مهما كانت نيته سليمة، ومهما كان عابدا وزاهدا ومن أهل الجنة!
ولو تخليتُ أني أُخَيَّر بين حياة طويلة مديدة، وبين أن أموت الآن وتبلغ هذه الفكرة من نفوس المسلمين، لاخترت أن أموت هذه اللحظة ويتشرب المسلمون هذه الفكرة.. وأرى أني بهذا قد كسبت فوزا عظيما.
ولا أكاد أتشاءم من شئ في هذه الحياة قدر تشاؤمي من صالح يغفل عن هذه السنة، فضلا عن أن ينكرها وينفر منها.
أعرف أن كثيرا ممن يعتنقون فكرة إصلاحية تتجنب السلطة إنما يعتنقونها هزيمة وجُبْنًا، يدري ذلك أو لا يدريه، لكنه حين يبدأ في التأصيل والتبرير لهذه الخرافة يبني مذهبا ضالًّا يتشربه آخرون عن قناعة، يحسبون ذلك دينا أو حكمة! وتلك هي الكارثة!
السلطة للمجتمع كالقلب للجسد.. إذا صلح صلح سائر الجسد، وإذا فسد فسد سائر الجسد!