الإعراض عن الله إعراض عن حياة الهدى والنعيم
هوية بريس – ابراهيم الناية
“ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى” الآية 122 من سورة طه.
ماذا يعني الاعراض عن الله؟ وهل ضنك العيش مرهون بالفقر والحرمان؟ وكيف يمكن ان تتوفر للانسان الإمكانات المادية الهائلة وفي الآن ذاته لا يتذوق لها حلاوة ولا طعما ً بل يعيش المرارة والضنك؟ وهل الأمر يتعلق بمفهوم الحياة والعناصر المكونة لها ام ان هناك خللا في الفهم والتصور؟ وماذا يمثل انقطاع الصلة بالله في عالم الدنيا ومانتيجة ذلك في الاخرة؟
ان الاعراض عن الله هو الاعراض عن حياة الهدى والنعيم، وابتعاد عن خالق الكون صاحب القدرة والعزة والجبروت،وانقطاع عن منهجه وشرعه ونظامه وعن محبته وكريم فضله،ونفورٌ من العيش داخل عالمه الرحيب.وهذه الآية القرآنية جاءت لتنبيه الغافلين الذين تمادوا في حشر انفسهم داخل عالم الملذات ،وتناسوا ان معنى الحياة أوسع من ان يكون هو الارتباط بالاشياء الفانية ولذلك وضحت الآية القرآنية لهؤلاء البؤساء المحرومين من حلاوة الإيمان ومحبة الخالق الذين فضلوا العيش في هذا العالم بالاجساد بعيدين عن الارواح والقلوب وقطعوا الصلة بالله وبرحمته الواسعة بأن حالتهم هذه هي المقدمة اللازمة لضنك الحياة مهما توفرت شروط المتاع والرخاء.إن العيش داخل عالم الاشياء المادية والارتهان لها باعتبارها هي التي تمثل رمز السعادة لهي شقاوةٌ مابعدها شقاوةٌ، فلو كان معنى الحياة مرتبط بالعالم المادي واشياءه الفانية فقط لخلقنا الله سبحانه على غير هذه الصورة الجميلة، بل خلقنا نمشي على اربع ورؤسنا مصوبة نحو الأسفل،ولكن الله سبحانه لعنايته بنا خلقنا على اجمل صورة واسند لنا مهمة تلائم طبيعة خلقنا،وهكذا فكلما تعلقنا بعالم الاشياء المادية وأصبحت هي همنا الاكبر وقطعنا الصلة بالله،فاننا نخطئ العنوان والهدف والعاقبة هي الشقاوة في الدنيا والعمى في الآخرة.فما تعانيه البشرية اليوم من إكتئاب وأزمات نفسية وقلق وشك وحيرة واضطراب وعدم استقرار ماهو إلا نتيجة ابتعادها عن الله ومنهجه وهداه،وعدم الركون والاطمئنان اليه فسعادة المرء لا تتحقق إلا عندما يمتلأ قلبه بحب الله،لانه لا يجتمع في القلب حبّان حب الله وحب الهوى كما يقول ابن القيم. ولكي تنتفي حالة الشقاء والحرمان من حياة الإنسان لابد له من التقرب الى الله،لانه عندما يفتقد حلاوة الارتباط بالله فإن الحرمان قادم مهما أوتي هذا الانسان من الرزق والمتاع ومهما حاول اشباع غرائزه لان نتيجة قطع الصلة بالله معروفة في الدنيا والاخرة.
وعجبا للذين يقولون انهم يعبدون الله ولكن لا اثر لتلك العبادة في واقع حياتهم لان عبادتهم مغشوشة لكونها فارغة من حب الله .فالعبادة تقتضي المحبة والمحبة تقتضي الطاعة واستحضار رقابة الخالق في كل تفاصيل حياة المرء.والمحبة مقرها القلب وليس العقل،والذين يسندون للعقل وحده كل شيء مخطئون لان دليل العقل يذهب بصاحبه حيث اراد،والانسان يفكر بكليته بعقله و قلبه وجسده،ولا يمكن الفصل بينهم لان الانسان ليس عقلا خالصا ولكن قد يتقدم احدهم في بعض المجالات ولكن هذا لا يعني الغاء دور بقية العناصر، والاعتماد على العقل وحده هو ما ينشأ عنه بعض التخبط او الغثَيان الذي يحلو للبعض ان يطلق عليه إسم فلسفة