الاجتهاد أصبح مصطلحا مبتذلا
هوية بريس – د.الناجي لمين
الاجتهاد من المصطلحات التي كانت لها هيبة وقدسية عند المسلمين، لأنه سُنة عظيمة أشاعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه. وبعد انصرام العصور الفاضلة أطَّر العلماء هذا المصطلح من خلال مذاهب، كل مذهب له أصوله وقواعده، وطبقا لأصول كل مذهب كان العلماء يمارسون عملية الاجتهاد، ومن ادعى أن الاجتهاد توقف في زمن من الازمان فإنه لا يدري ما يقول. لأن توقف الاجتهاد في الفقه والقضاء معناه توقف الحياة، والتاريخ يخبرنا بأن حياة المسلمين لم تتوقف، والعصور التي يسميها بعض الناس بالعصور الوسطى (جهلا أو كيدا) كانت الخلافة الاسلامية فيها لا تغرب عنها الشمس.
وبعد الهيمنة الاستعمارية بدأ الحديث عن الاجتهاد على اعتبار ان مشكلة المسلمين مشكلة فقهية (والحقيقة أنها فساد سياسي واقتصادي.. ثم عمالة للأجنبي، بل إن بعض من دعا إلى الاجتهاد كان عميلا للاستعمار). لكن الحديث عن الاجتهاد اتخذ منحى غريبا، ملخصه: “يجب مراجعة كذا وحذف كذا والتخلي عن كذا، والرجوع إلى كذا..” واستمرت هذه “الكاسيت” أزيد من قرن، وما زلنا نحن نردد هذه “الأغنية” مع تحسين اللحن وإضافة بعض الكلمات. وليس فينا من يطرح السؤال الآتي: ما هو البديل الذي قدمناه؟ ما هو المطلوب منا نحن بالضبط؟
والأنكى من ذلك أن هذه “الأغنية” لم ينتج عنها الا الضياع وفقدان البوصلة ونشوء جيل غير محصن تستغله شبكات الحرب، ويتلاعب بمستقبله تجار السلاح، جيل لا يفكر عندما يُدفَع الى تفجير نفسه وسط الابرياء من البشر، هل رأيتم أيها الاخوة شافعيا او مالكيا او حنفيا او حنبليا او اشعريا او ماتريديا.. فَجَّر نفسه او انخرط في الجماعات التي تسمي نفسها جهادية؟..
هذه الاغنية تعني الهروب من الواقع، وليس معالجة للواقع. الواقع فيه استعمار بالوكالة بعد ان كان استعمارا مباشرا، التحدي هو كيف نفك أنفسنا من هذا الأسر. ما علاقة المشاكل التي تعيشها الشعوب الاسلامية اليوم بالفقه وبأصول الفقه؟
ثم نطرح سؤالا آخر: هل الفقه موجود في الحياة حتى ندعو الى مراجعته؟ الدول الآن عندها مؤسسات هي التي تسن القوانين وتَحُل مشاكل الناس. بل إن الحديث عن الاجتهاد اليوم هو خارج عن الواقع، مَن الذي طلب من الفقيه أن يجتهد؟ هل كلفه مثلا البرلمان الذي هو أعلى سلطة تشريعية؟
رحم الله من قال: “طاحت الصومعة علقوا الحجام”.
الشكر الجزيل لك دكتور .