الاحتفال برأس السنة الميلادية
هوية بريس – د. رشيد بنكيران
تأبى القواعد الشرعية مشروعية الاحتفال برأس السنة الميلادية حتى ولو افترضنا أن المحتفلين لن تصدر منهم معصية ، فإن نفس الاحتفال بسنة ولت وأخرى حلت هو من اخلاق وعادة غير المسلمين، وليس فيه مصلحة تذكر ، فقيام المسلم بذلك تشبه صارخ بغير المسلمين ومضارعة منه لهم مقيتة.
وقد جاءت السنة النبوية بمخالفة الكافرين في أمور كثيرة تتعلق بعاداتهم وأخلاقهم وفيما هو من خصوصياتهم، ونهت عن التشبه بهم، وهو أمر بلغ التواتر المعنوي، من ذلك ما رواه الترمذي بسند حسن عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى؛ فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع وتسليم النصارى الإشارة بالأكف).
فالتسليم بالإشارة يدخل في إطار العادات ، ولكن لما كان ذلك من هدي اليهود والنصارى نهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته أن يتشبهوا بهم في ذلك.
وقد قرر النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث أولا أمرا كليا وقاعدة جامعة وهي النهي عن التشبه باليهود والنصارى مطلقا بقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من تشبه بغيرنا).
ثم ثنى بمسألة جزئية تدخل في القاعدة الجامعة وهي التسليم بالإشارة فنهى عنها، ويستثنى من ذلك من كان مضطرا في بعض الأحوال إلى التسليم بالإشارة كالبعيد عن صاحبه مثلا، ولكن نص أهل العلم على مصاحبة التسليم بالإشارة التلفظ به ولو لن يسمع الاخر لكي نتجنب مشابهة اليهود والنصارى وتتحقق مخالفتنا لهم.
وإذا كان النهي عن مضارعة اليهود والنصارى في أمر جزئي من عاداتهم، ويقع منهم ذلك على وجه الانفراد، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بفعل وحدث يصدر منهم جماعة، بل ومؤسسا ورسميا، ويتخذ صورة العيد، فالنهي عنه من باب أولى، ولا ينبغي لمن حقق عقيدة الولاء والبراء؛ الولاء للهدي النبوي الحنيف، والبراء من هدي ملة الكفر، أن يتردد في إشاعة ونشر النهي عن الاحتفال بعيد رأس السنة الميلادية.
وإن تعجب، فالعجب كله ممن ذهب إلى جواز الاحتفاء بميلاد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام والاحتفال به، ومباركة هذا الاحتفال حسب الرواية النصرانية، والتي وقتت لميلاد المسيح توقيتا يخالف ظاهر القرآن كما دلت عليه سورة مريم ، ورضي هذا المتهور بمشابهة الظاهرة للنصارى في أمر ديني لهم ، بدعوى أننا نحن المسلمين نؤمن كذلك بعيسى عليه السلام، ونسي هذا المتهور المخالف ليس فقط للمذهب المالكي الذي يتشدق به ، بل خالف جميع المذاهب الإسلامية في هذا الأمر ، قلت: و نسي أن عيسى الذي نؤمن به نحن المسلمين ليس هو عيسى الذي تؤمن به النصارى ؛ فعسى عليه السلام حسب عقيدة المسلم:
– هو عبد ورسول من الله، وليس هو ربا أو ابن الرب؛
– هو مرفوع إلى الله ولم يصلب، وليس صليبا سالت منه الدماء؛
– أمه مريم صديقة محصنة لفرجها، وليست إلاها كما هي عقيدة النصارى والتي أخبر بها القرآن الكريم؛
– هو مبشر برسول بعده وهو محمد عليه الصلاة و السلام ، وليس بمكذب بهذه البشرى كما عقيدة النصارى.
فعلى أي أمر يجتمع المسلمون مع النصارى في عيسى عليه السلام، أليس فقط في الاسم والرسم، شأنه شأن ما يجمع السني مع الشيعي في المهدي المنتظر، إذ يجمعنا مع هؤلاء فقط الرسم.
وعودا على بدء، لا ينبغي للداعية الناصح الذي يتبصر بمآلات الأمور أن يهون للمسلمين أمر التشبه بالنصارى أو اليهود أو الكفار عموما، وخصوصا في زمن ضعف فيه المسلمون من كل النواحي وأحاطت بهم الذلة في مقابل العزة الظاهرة لأهل الكفر.