الاختيار الديمقراطي على المحك
هوية بريس – ابراهيم أقنسوس
حزب سياسي مغربي، أخفق في الإنتخابات، وفقد ثقة الناخبين، لأنه في نظرهم لم يلتزم بما وعد به، وقطعه على نفسه، حين منحوه أصواتهم. أليس هذا هو ما حصل بالضبط؟؟
فما مناسبة كل هذا الإندفاع في الكلام، وكل هذه الغلظة في القول، والشدة الزائدة في النقد. الأمر يتعلق بهيأة سياسية مغربية، تخلى عنها المواطنون، واختاروا غيرها، وهذا حقهم السياسي والمواطن، بل وواجبهم الأخلاقي، بغض النظر عن كل التفاصيل والهوامش، التي تحوي الكثير من الدقائق والحقائق، حتى لا أقول الشياطين، بلغة الفرنسيين.
أليست هذه، ظاهريا على الأقل، هي الممارسة الديمقراطية التي ننشدها جميعا، ونريدها لبلادنا؟؟
حزب سياسي كان يتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام، أو جزء من الشأن العام، على الأرجح، وقرر المواطنات والمواطنون استبداله بغيره، تعبيرا منهم عن عدم رضاهم على أدائه، ورفضهم لاختياراته، وعليه أن يتراجع إلى الوراء، ليعيد قراءة مساره الفكري والسياسي، النظري والتدبيري، ثم يعود إن هو أراد أن يعود، ليقترح ماعنده من جديد، وللمواطنين مرة أخرى، أن يقرروا في شأنه، وفي شأن غيره، سواء بسواء، أليست هذه هي أبسط أدبيات السلوك الديمقراطي السليم؟؟
فما مناسبة كل هذا الكم الهائل من الأحاديث والبلاغات، وما علاقة قاموس : الخسارة والإنهيار والنهاية والموت والدمار، بحدث الإنتخابات، في إشارة إلى الحزب الذي كان يترأس الحكومة، وكأن الأمر يتعلق بكائن غريب، تسلل إلينا في غفلة عنا، وحكمنا لعشر سنين، واستغل الربيع الديمقراطي، إلى غير ذلك من الكلام، غير المنضبط، الذي يستخف بذكاء المواطنين، وتنوع اختياراتهم وتعددها.
المؤكد أن حدث الإنتخابات يعتبر مؤشرا دالا، على مدى التزامنا بالخيار الديمقراطي، الذي يعني القدرة على امتلاك رأي وموقف، والقدرة على ممارسة الإختيار الحر، بعيدا عن كل الضغوط والإكراهات، التي لاتخلو منها العمليات الإنتخابية عموما، ولا سيما في البلاد المتخلفة، وإذا أردنا التدليل، فالأمثلة كثيرة، ويكفي الإشارة إلى الدور الذي لعبته العديد من وسائل التواصل الحديثة، بكل صورها وتجلياتها، فبقدر ما ساهمت في انخراط المواطنين في المسار الإنتخابي، بقدر ما عملت على تأجيج النقاش في اتجاهات شتى، أقل ما يقال عنها، إنها لم تكن مفيدة ولا مجدية، وبعيدة عن الأخلاق الديمقراطية، ما يعني أننا نؤكد مرة أخرى، أننا نفتقر كثيرا إلى آداب الحوار الجاد والعلمي والمسؤول، ويحتاج نظرنا السياسي إلى الكثير من العقلانية، وإعمال المنطق بدل العواطف المجنحة، وما يعني أيضا، أن جل الهيئات السياسية، لا تهتم بتكوين المواطن الحر المسؤول، بقدر ما تهتم بجمع الأصوات، وحيازة أكبر عدد، ممكن وغير ممكن، من المقاعد. مثير للإنتباه هذا الهجوم غير المفهوم، على هيأة سياسية، ليست في النهاية إلا حزبا مغربيا عاديا، كغيره من الأحزاب، تأتي به صناديق الإقتراع، وتذهب به نفس الصناديق، بالمنطق الديمقراطي العادي، ومثير للإنتباه، في الجهة المقابلة، هذا التهليل لأطراف سياسية معينة، يراد لنا أن ننسى أنها تتحمل نصيبها من المسؤولية في الحكومة المنتهية ولايتها، وعليها أن تقدم الحساب كغيرها من الهيئات تماما، في القطاعات التي كانت تشرف عليها، وإلا فأين الجديد، الذي يميز حدث الإنتخابات، بالمنطق الديمقراطي مرة أخرى؟؟، ومثير للإنتباه أيضا، هذا التشابه والتداخل في النتائج، وعدم القدرة على مراعاة الإختلاف المنهجي بين المجالات والإختصاصات، فالإشتغال بالتشريع، هو غير عمل الجهات، وهو غيرعمل الجماعات، ومن يتقن هذه، ليس بالضرورة يتقن تلك.
كل هذا وغيره، يعني أننا ما زلنا نصوت بمنطق القبيلة والقطيع والضجيج، لا بمنطق الفرد الحر الذي يمتلك رأيا شخصيا، وتمييزا واعيا، يدلي به بشكل فردي، عند الإقتضاء، أو يحتفظ به لنفسه سواء، ما يعني في النهاية أننا ما زلنا بعيدين عن اختيارنا الديمقراطي، أو مازلنا نصر على المكوث طويلا، فيما نسميه (الإنتقال الديمقراطي)، في أحسن الأحوال. هل نستطيع أن نزعم، بعد حدث الإنتخابات الأخيرة، أننا تقدمنا خطوات إلى الأمام، على مستوى اختيارنا الديمقراطي، بالمعنى العلمي والقيمي للكلمة؟؟، هذا هو السؤال العريض والعميق، الذي ينتظر منا جوابا هادئا وواضحا، والمؤكد أن التقدم على هذا المستوى، يعني تقدم الوطن.