الارتجالية في تدبير الخطبة الموحدة: عبث يسيء إلى منبر الجمعة مرة أخرى

31 أكتوبر 2025 09:46
وزير الأوقاف أحمد التوفيق خلال جلسة برلمانية يعلن عن خطة جديدة لتوسيع مهام الأئمة والخطباء

الارتجالية في تدبير الخطبة الموحدة: عبث يسيء إلى منبر الجمعة مرة أخرى

هوية بريس – حكيم بلعربي

أثارت الخطوة التي أقدمت عليها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والمتمثلة في تعميم خطبة موحدة على الخطباء يوم الأربعاء الماضي بعنوان “تجليات محبة الوطن من خلال المسيرة الخضراء المظفرة”، ثم العدول عنها في آخر لحظة في وقت متأخر جدا مساء الخميس وتغييرها إلى موضوع آخر هو “وجوب تجنب الإفساد في الأرض”، استغرابا واسعا في صفوف الأئمة والخطباء والمصلين على حد سواء. فقد كشفت هذه الواقعة عن قدر غير قليل من الارتجالية والعشوائية في تدبير شأن الدعوة والإرشاد، وعن غياب الرؤية المتوازنة التي تليق بمكانة المنبر ووظيفته التربوية والروحية.

إن منبر الجمعة ليس مجالا لتجريب القرارات ولا ساحة لتصريف التعليمات اللحظية، بل هو منبر رسالة وتوجيه وتبصير للأمة، يقوم عليه علماء ودكاترة وأساتذة أفنوا أعمارهم في طلب العلم وخدمة الدين. والتعامل مع هذا المنبر بروح بيروقراطية، تصدر تعليمات وتلغيها بين عشية وضحاها، فيه مساس بمقام الخطبة وهيبتها، وإهانة غير مباشرة للعلماء والخطباء الذين يحملون عبء الكلمة ومسؤولية البيان.

لقد أثبتت تجربة توحيد خطبة الجمعة في السنوات الأخيرة أنها لا تحقق الغاية المرجوة، بل أفقدت الخطبة روحها وتأثيرها الطبيعي في نفوس الناس. فالخطيب الذي يُملى عليه نص جاهز لا يختاره ولا يصوغه بروح زمانه ومكانه، يتحول إلى مجرد قارئ رسمي لا يلامس واقع الناس ولا يجيب عن أسئلتهم. والخطبة الموحدة، وإن كانت في ظاهرها وسيلة لضبط الخطاب الديني وتوحيد الكلمة، فهي في حقيقتها خطوة نحو علمنة المنبر وتجريده من حيويته، إذ تفصل الخطبة عن الواقع، وتفرغها من حرارة الإيمان وصدق التجربة الوعظية.

ثم إن المغاربة، على اختلاف فئاتهم، باتوا يدركون أن في توحيد الخطبة تذويبا للشخصية الدعوية للخطيب، وتقزيما لدوره، وتحويلا له إلى موظف يقرأ ما يُملى عليه دون وعي أو اجتهاد. وما أشد ما يشعر به المصلون من فتور حين يسمعون خطبا متشابهة رتيبة تتلى بنفس الإيقاع في جميع مساجد المملكة، حتى فقدت الجمعة مكانتها الوجدانية التي كانت تجمع الناس على الكلمة الصادقة والروح المؤثرة.

إن إصلاح الخطاب الديني لا يكون بقرارات فوقية ولا بإلغاء التنوع الذي هو من سنن الله في خلقه، بل يكون بتأهيل الخطباء، وبفتح فضاءات الحوار والتكوين والتعاون، لا بفرض الوصاية على الكلمة المنبرية. فالكلمة التي لا تصدر من القلب لا تصل إلى القلب، والمنبر الذي يدار بالعقلية الإدارية لا يمكن أن يؤدي رسالته التربوية والروحية.

لقد آن الأوان أن تراجع الوزارة سياستها في هذا الباب، وأن تدرك أن هيبة منبر الجمعة لا تصان بالتحكم في نص الخطبة، بل باحترام عقول العلماء وتمكينهم من أداء رسالتهم بحرية مسؤولة، في إطار الثوابت الجامعة للأمة المغربية.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
7°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة