الاستثمار في اللغة مرة أخرى

18 فبراير 2025 19:20
العربية والنموذج التنموي

هوية بريس – د.عبد العلي الودغيري

بعد المصالحة التي تمت بين المغرب وفرنسا وعودة العلاقات بين حكومتي الدولتين إلى طبيعتها كما قيل، جاءت أول زيارة لمسؤول حكومي فرنسي للمناطق الجنوبية وعاصمتها العيون، في شخص السيدة رشيدة داتي وزيرة الثقافة الفرنسية.

وخلال تلك الزيارة التي تمت يوم 17 فبراير 2025، قامت الوزيرة بإعطاء انطلاقة لتدشين الرابطة الفرنسية l’Alliance française في العيون والساقية الحمراء ووادي الذهب وما حولها. والرابطة الثقافية الفرنسية، هي هيئة ثقافية عملاقة تأسست منذ سنة 1882، أي في عز التمدّد الكولنيالي للدولة الفرنسية في العالم. كان هدفها وما زال تعليم اللغة الفرنسية ونشر إشعاع ثقافتها عبر العالم، حتى أصبح لها حوالي 835 فرعًا موزّعا على القارات الخمس، يرتادها حوالي نصف مليون متعلِّم للغة وحوالي ستىة ملايين متابع لبرامجها الثقافية. ومن بينها فروع ومؤسسات تابعة لها في عدد من المدن المغربية.

في هذا الإطار، إذن، تأتي زيارة أول مسؤول حكومي فرنسي للمناطق الصحراوية، أي في إطار توسيع مجالات انتشار اللغة والثقافة الفرنسية و«دعم البنية التحتية الثقافية والتعليمية في المغرب، بما يخدم التنمية المستدامة ويعزّز التواصل بين الأجيال». وخاصة «تعزيز دور الثقافة واللغة الفرنسية في المنطقة، من خلال توفير فضاء تعليمي وثقافي متكامل يلبّي احتياجات الفئات المستهدَفة، بمن فيهم الطلاب والمهنيون والفنانون والمهتمون بالثقافة والفنون» و« يندرج ضمن الاستراتيجية الفرنسية لدعم التعاون الثقافي واللغوي في شمال إفريقيا، ويعكس الجهود المشتركة بين المغرب وفرنسا لتعزيز التبادل الثقافي والتعليم». وتلك عبارات جاءت على لسان رئيسة الرابطة الفرنسية في المنطقة الجنوبية، خلال استقبال الوزيرة وتدشين الرابطة (انظر تغطية هذا النشاط في وسائل الإعلام المغربية).

هذا هو معنى الاستثمار في اللغة وثقافة اللغة. وهذا هو ما يجسِّد النموذج الفرنسي في هذا النوع من الاستثمار الذي هو رافعة كل تنمية اقتصادية واجتماعية وما تؤدي إليه من نتائج سياسية كبرى. وقبل أن تعمد فرنسا إلى التفكير في إحداث المنظمة العالمية للفرنكفونية التي انطلقت سنة 1970 من مدينة نيامي عاصمة النيجر، كانت قد أسّست بحوالي قرن من الزمان، هذه الرابطة الثقافية التي تحولت إلى هيئة عالمية واسعة الانتشار ذات أذرع وفروع متشابكة.

ولا شك أنكم لاحظتم وسجَّلتم بعد هذا، كيف أن نمط التفكير السياسي عند الفرنسيّين مُبدع وخلاّق دائمًا، يتجسَّد مثالُه الحي هذه المرة، كما في كل المرات، بشكل جليّ واضح، في نوعية أول تحرُّك تقوم به حكومة باريس نحو منطقتنا الجنوبية: فهو لم ينطلق من تدشين مشاريع اقتصادية أو تجارية، ولم يبدأ بإرسال وزير تجارة أو اقتصاد أو صناعة، وإنما انطلق من تدشين قاعدة ثقافية ولغوية، وبدأ من حيث ينبغي البدءُ في نظرهم وهو إرسال وزيرة للثقافة. فاللغة والثقافة عند هذه الدولة هما المنطلق الصحيح نحو تثبيت وجودها وترسيخ أقدامها على المدى البعيد. إنها تريد أن تكون الانطلاقة مبنية على أرضية صحيحة، عليها تقام صُروح كل بنيان، وعليها يتأسس كل استثمار. أما نحن في المغرب العربي الكبير، وفي العالم العربي والإسلامي، فما علينا إلا أن نستفيد ونتعلّم ونتفرَّج.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
13°
19°
الخميس
20°
الجمعة
18°
السبت
17°
أحد

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M