الاستثمار في دم المقاومة الفلسطينية؟
هوية بريس – أبو يعرب المرزوقي
1- أود تحليل ما يجري في الحرب الفلسطينية الإسرائلية بحساب المصالح والرهانات التي تجمع بينها وبين ما وراءها من صراع بين القطبين المتنافسين في الحرب الباردة التي تتحكم في العالم: فمن المستفيد من إطالة الحرببين في أقليمنا (الطوفان) وفي أوروبا (اكرانيا). فلنناظر بين دم غزة ودم أوكرانيا.
2- فالمناظرة تعطينا أن المستفيد من دم فلسطين هو الحلف الشرقي والمستفيد من دم اكرانيا هو الحلف الغربي. كلاهما يستغل حربا بالوكالة ليضعف الحلف المضاد. ومنطلقي يعتمد فعل الغرب وتلكؤ الشرق في الفعل. ومن ثم فلنحاول شرح الفعل والتلكؤ وبيان الدلالة بوضوح بعد تحديد دور العرب في الحلفين.
3- فالعرب انقسموا إلى توابع اسرائيل والحلف الغربي وإلى توابع إيران والحلف الشرقي. فيكون الحلفان كالتالي: الحلف الاول: اسرائل وأمريكا وأوروبا وتوابعهم من العرب. والحلف الثاني: إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية وتوابعهم من العرب. فلماذا ناظرت بين فعل الحلف الأول وتلكؤ الثاني؟
4- ولنبدأ بالقول إن الحلف الثاني كان يتصدى للحلف الاول في أوكرانيا دفاعيا وليس هجوميا رغم أن المبادر بالحرب كان روسيا. لكن المهاجم الحقيقي هو الغرب لأن الهدف هو حماية أوروبا مما قد يحصل لها من تعافي روسيا وخوف أمريكا من تحالفها مع الصين خصمها الحقيقي فظنت أنها تضعفها بضرب روسيا.
5- فلما انفجرت الوضعية في فلسطين بفضل الطوفان وجد الحلف الشرقي فرصة للاستفادة من انقسام الحده العدواني الغربي بين حربين في اكرانيا وفي فلسطين مع التركيز على هذه والفتور في تلك ما جعل الشرق يجدها فرصة للاكتفاء بالكلام على فلسطين مع الاستفادة من إطالة الحرب فيها. الرمز: روسيا وإيران.
6- فبين أن كل الحلف الشرقي (روسيا والصين وإيران وتوابعهم من العرب الذين يدعون الانتساب لحلف المقاومة المخادعة) من مصلحتهم أن يجعلوا فلسطين في نفس الدور الذي يستعمله الغرب في حرب اكرانيا: كلاهما يستثمر دم المقاومة الفلسطينية والأكرانية في حرب بالوكالة لأضعاف القطب المضاد. إلا العرب في الصفين: فهم يريدون الحسم السريع للقضاء على حماس لخوفهم من الصمود الذي قد يحرك الشعوب ضدهم.
7- قد يظن الكثير من المتعجلين بأني اظلمهما إذ لا يمكن أن يحاربا الغرب من اجل قضية عربية لا تعنيهم مباشرة. وهذا هو الخطأ في التحليل. ذلك أن الغرب لولا تلكؤهم لما واصل حربه بكل هذه البشاعة في غزة مع فتور اندفاعه في أكرانيا. وفي ذلك فائدة كبرى لروسيا. لكن أليست إيران تحارب بمليشياتها.
8- وتلك هي المفارقة: نعم تحارب بمليشياتها لكنها تعلن أنها تساعد ولا تنوي التدخل في الحرب بمعنى أنها الغت الغموض الاستراتيجي في العلن المطمئن للغرب بحيث إن الاستفراد بغزة المسحوية بها جعلها وكانها منطعة وخرجت عن الانتساب لما تتهم به من كونها من مليشيات إيران. فهم الغرب رسالة إيران.
9- فلكأن إيران تقول دونكم وحماس لأنها خرجت عن طوعي ولن اتبعها بل ساستفيد للإسراع في مشروعي النووي في غفلة من الغرب الذي من فائدتي أن يغرق في غزة وأن يفتر في اكرانيا وبذلك أستفيد ويستفيد حليفي الروسي مع لعبة المساندة الشكلية حتى لا أستبعد من علاج القضية في النهاية بعد نهاية الحرب.
10- وكان كلامي هذا يبدو تجنيا على إيران لو لم يكن ذلك مشتركا ببينها وبين بقية حلف الشرق: فإطالة حرب غزة يعني استفادة روسيا من فتور حرب اكرانيا واستفادة الصين من مهلة الاستعداد لاسترداد تايوان وغرف الغرب الذي لا يستطيع الدخول في ثلاثة حروب في آن. وطبعا إيران مستفيدة مثلهما.
11- ولآت الآن إلى استفادة الصفين العربيين التابعين للغرب وللشرق. فتوابع الغرب يستفيدون لأن ما فرضع عليهم في مساعدته في أوكرانيا يخف بالتناسب مع فتور الحرب. وتوابع الشرق لا يستطيعون الخروج عن سلطان إيران وروسيا لأنهم يحتمون بهما إلى حد تحولهم إلى مليشيات بعد انتهاء وجود الدول فيها.
12- لكن الصفين العربيين التابعين يجمعان بتحقيق ما حققوه في الحرب على الربيع: أن يجعلوا الطوفان درسا ثانيا مثل درس الربيع لتأديب شعوبهما حتى لا يفكروا في التحرر من فسادهم واستبدادهم ولا يفكروا في تحرير الأوطان من التبعية التي يستمرؤونها ليحموا واستبدادهم وتخريب بلدانهم وإهانة شعوبهم.
13- لكن مكر الله الخير يتدخل دائما ليحمي الصادقين والمؤمنين بالرسالة الخاتمة: فما حققه الطوفان بعكس الربيع لم يبق مقصورا على ما يجري في الإقليم وبيان هشاشة إسرائيل بل هو صار ثورة عالمية جعلت شباب الغرب وفضلاءه يفهمون أنهم هم أيضا ضحايا المال الفاسد والإعلام المضلل: أداتي الصهيونية.
14- لذلك نرى أن التحركات الشعبية في الغرب بلغت أضعاف أضعاف التحرك الفاتر في بلاد العرب خاصة وحتى في بقية بلاد الإسلام وذلك لأن شباب الغرب وفضلاءه لهم هامش من الحرية يجعلهم يعبرون بصدق عما فهموه من سيطرة البنك والإعلام على حرياتهم فهبوا للدفاع عن فلسطين أكثر من العرب والمسلمين.
15- فضل الطوفان مضاعف: فهو قد جعل الغرب يفهم أن إسرائيل لم تعد قادرة على حماية نفسها ناهيك عن حماية الأنظمة العربية التي تحتمي بها. وقبل ذلك كان الشرق قد فهم أن إيران لم تعد قادرة على حماية نفسها ناهيك عن حماية الأنظمة العربية التي تحتمي بها: وتلك علة الاستعانة ببوتين في سوريا مثلا.
16- والنتيجية المضاعفة هي التالية: سقطت كل سرديات إسرائيل في الغرب وسقطت كل سرديات إيران في الشرق وصار الصفان العربية عاريين من كل غطاء فافتضح أمرهما وصار الشرق والغرب خائفا مما قد يؤول إليه الأمر من صدام مباشر بين القطبين في الأقليم. لذلك فكلاهما يعمل بحذر ويواصل التلكؤ والحيرة.
17- ولست غافلا عن أن العرب بصفيهم لن يتعضوا بما فعلوا في الربيع. تصوروا أنهم لقنوا درسا للشعوب وأنها ستقبل ما يجري دون حد. وهذا ما اعنيه بتدخل خير الماكرين: فالشعوب هذه المرة هي التي ستلقن الأنظمة العميلة درسا يختلف عما حدث بعد هزمية 48: لم تعد الشعوب امية بل هي واعية والغضب جارف
18- آن أوان التلاحم بين الثورتين: ثورة الربيع وثورة الطوفان. هزية إسرائيل وهزيمة إيران في الإقليم حصلت حتى لو استطاعت اسرائيل والغرب بالفعل وإيران والشرق بعدم الفعل القضاء على حماس -وهو ما لا اتوقعه-والعلامة هي لحاق الضفة بغزة وسيلحق ما حول إسرائيل حتما حتى لو لم يريدوا.
19- فهزيمة حماس لا قدر الله إن حصلت ستمكن إسرائل من الجرأة على السعي لتحقيق اسرائيل الكبرى ومن ثم فهي ستهاجم لبنان وسوريا والعراق والسعودية والأردن ومصر بحيث إنها هي التي ستعمم الحرب وحينها فحربها ستكون مع الشعوب لأن الجيوش خوارة: وهو ما يعني أن الطوفان سيعم ولن تنهزم حماس.
20- وذلك ما أعنيه بتدخل خير الماكرين: فالله سيجعل الأعداء يذهبون إلى التهلكة مباشرة لأن القضية الفلسطينية ستكون قضية كل الإقليم أعني شعوب كل الإقليم فتنتهي الأنظمة الخائنة وتعوضها الشعوب التي تنتظر اللحظة للعودة إلى وضعية أشبه بما قبل قرار التقسيم وقبل سايكس بيكو: جامعة الشعوب بديلا من جامعة الأنظمة التابعة للقطبين وممثليهما في الإقليم أي إسرائيل وإيران.