الانتخابات الجزئية للحسيمة بين أصحاب المطامع والمنطق السياسي السليم
هوية بريس – حسن المرابطي
كما يعلم الجميع، فإن الحسيمة ستعرف انتخابات جزئية يوم 21 يوليوز 2022، لإعادة انتخاب أربعة نواب برلمانيين، بعدما تم إلغاء عضويتهم وإسقاطهم بقرار من المحكمة الدستورية، وهذا الأخير تم مناقشته من طرف المتخصصين والمهتمين من زوايا مختلفة ولا داعي لتكرار ما قد قيل؛ غير ما يستحق الاهتمام الآن هو ما تعرفه الساحة السياسية بالحسيمة من نقاشات خلال الحملة الانتخابية، وكذا ما اللائحة الأفضل لإقليم الحسيمة والتي يجب دعمها أو على الأقل التصويت لصالحها.
في هذه الانتخابات الجزئية، وفي غيرها من الانتخابات السابقة، يخرج علينا من يسفه الجميع ويدعو للمقاطعة، بل يعطي نفسه الحق في تخوين المشارك وتحميله مسؤولية الواقع المعيش، مع إصدار أحكام قيمة تنم عن جهل مركب وحقد دفين للغير؛ حتى يتضح لنا ما قد أشرنا إليه، لابد من التمثيل ببعض النماذج.
عند النظر في واقع المقاطعين نجد أنهم على صنفين: صنف لا يبالي بالشأن السياسي بشكل عام، بل لا يعير الاهتمام للانتخابات بمختلف تلاوينها ولا تجده يتحدث عنها إلا قليلا، وقد يصدق على هذا الصنف وصف المعتزلين للسياسة في أغلب أحوالهم رغم صعوبة ذلك في الواقع؛ وأما الصنف الثاني، فهو الذي يعنينا، حيث بدوره ينقسم إلى أشكال وأنواع، لكن يشترك أصحابه في خصلة مهمة وهي تعدد المواقف حسب المصالح في ظنهم، والتي يمكن اعتبارها مطامع إن دققنا النظر؛ ذلك أن فئة كثيرة منهم يدعون لمقاطعة الانتخابات، لاسيما الانتخابات الجزئية التي سيعرفها إقليم الحسيمة، بدعوى أن الانتخابات في شموليتها ما هي إلا مسرحية واستخفاف بالمواطنين، وقد يجدون ما يدعمون به أطروحتهم، إن سلمنا بكل ما يطرحونه من معطيات، إلا أن حالهم يُلزمنا على إعادة النظر في ما يذهبون إليه، لأن غالبيتهم نجده يشارك ويدعو للتصويت في الانتخابات غير التشريعية، لاسيما التي تكون فيها النقابات حاضرة بالقوة، أو التي تهم القطاعات التي ينتمون إليها، علما أن معظمهم يقر بعدم جدوى تلك الانتخابات حسب رأيهم، ما يجعلنا نؤكد وجود انفصام الشخصية عندهم، بل يتبين من خلال أفعالهم هذه بلوغهم درجة من الانتهازية لم يبلغها من كان قبلهم.
وعلى العموم، فإن من حاله، كما ذكرنا أعلاه، لا يحق له الحديث عن الفساد الانتخابي ولا المقاطعة ولا الشفافية بعدما تأكد فساده وإفساده للعملية الانتخابية في أكثر من محطة، ولا داعي للتمثيل أكثر، فالحر تكفيه الإشارة كما يقال؛ وهذا لا يمنعنا من التأكيد على وجود أكثر من عامل يجعلنا ننتقد العملية الانتخابية التي يشهدها المغرب في أكثر من محطة، لكن الاكتفاء بالانتقاد واستغلال الفرص لقضاء المصالح الشخصية، التي هي مطامع في حقيقتها، والتقلب بين المقاطعة والمشاركة حسب ما يمليه المنطق المعوج والذي يكاد وصف صاحبه بالنفاق، كل هذا يفرض علينا إعمال إحدى القاعدتين: “ارتكاب أخف الضررين” أو “دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح”، عند التعامل مع ما يشوبه المخالفات ويعرف تجاوزات.
وعليه، فإن الانتخابات الجزئية للحسيمة تقتضي منا اعتناق رأي بخصوصها ومن اللوائح ووكلائها، بل لا يجب مساندة أحد أو التصويت لصالحه لمجرد كونه صديق مقرب أو من باب الحياء والخجل أو أنه استطاع تقديم نفسه بشكل جيد خلال الحملة الانتخابية، وإنما الأصل في المرء الذي يدعي التحليل والفهم للشؤون السياسية بناء آرائه السياسية، بالأحرى مواقفه، على منطق سليم يتماشى مع الظروف السياسية وما تقتضيه المصلحة العامة للإقليم والوطن بشكل عام؛ لذا، من خلال نبذة قصيرة حول اللوائح التي تقدمت في هذه الانتخابات، والتي بلغ عددها سبعة، ممثلة لسبعة أحزاب، وهي: حزب الاستقلال، حزب الأصالة والمعاصرة، حزب التجمع الوطني للأحرار، حزب العدالة والتنمية، حزب الاتحاد الدستوري، حزب الاتحاد الاشتراكي وأخيرا حزب الحركة الشعبية، يحق لنا تصنيفها وتفضيل بعضها على بعض، وربما القول باستبعاد بعضها من التصنيف.
بغض النظر عن الأشخاص، فإن الانتخابات الجزئية لا تخرج عن التنافس على أربعة مناصب، إلا أنها فرصة لمن سبق له الظفر بالمقعد اعتبارها تجديد الثقة فيه؛ لهذا، ليس من الغريب أن تعود نفس الوجوه إلى مجلس النواب، وهذا هو المحتمل، كما أن البعض يتمنى غير ذلك لمجرد التمني فقط وليس أخذا بمنطق المصلحة السياسية من دونها، لكون الكثير من الناس يتركون عواطفهم في تحديد مواقفهم؛ لذلك، بما أن الأغلبية البرلمانية والتحالف الثلاثي في الحكومة ما زال في سنته الأولى ولم تستطع المعارضة من تقديم بدائل واقعية لما يعرفه المغرب من إشكاليات غير الخطاب و”الشفوي”، وبما أن أربعة مقاعد برلمانية، بالأحرى مقعد واحد، غير قادر من إحداث تغيير في هذا الائتلاف، فضلا أن من يدعي امتلاك الحل والبديل هو جزء من اللعبة التي أدت إلى ما نحن عليه اليوم، فلا يبدو أي أفق سياسي إيجابي إن تم استبدال من أسقطت عضويتهم، علما أن ثلاثة منهم ينتمون للأغلبية الحكومية؛ بل المصلحة السياسية، حسب ما يقتضيه المنطق السياسي السليم، تتطلب العمل على دعم المرشحين من الأحزاب السياسية المكونة للأغلبية الحكومية لو كان من أسقطت عضويتهم من المعارضة؛ لأن الانتخابات الجزئية، سواء في الحسيمة أم في غيرها، غير قادرة على إحداث تغيير في البرنامج الحكومي ولا في السياسات العمومية بشكل عام، ما يعني أن هامش التصرف واللعب يقتصر فقط على قدرة البرلماني من الترافع على منطقته ومصالحها؛ وهذا الأمر، في هذه الظروف السياسية، لن يستطيع القيام به على أفضل وجه غير الذي ينتمي إلى التحالف الحكومي وليس للمعارضة.
وفي الختام نقول: إن المرء حر في اختيار من يراه مناسبا لتمثيله في قبة البرلمان، غير أن المنطق السياسي السليم لا يجعل هذه الحرية مطلقة، وإنما يجب ترشيدها وتوجيهها إلى ما يساهم في تحقيق التنمية، أو على الأقل ما يجعلها تسير في اتجاه خلق توازنات سياسية؛ وبالتالي، فإن من يبدو عند البعض مرشحا يستحق الدعم والتشجيع لا يصلح في ميزان السياسة أن يمثل منطقة عرفت من الأحداث ما غير وجهتها في أكثر من مناسبة وكاد أن يُجعل منها منطقة توتر بامتياز؛ بل من يجب أن يمثل هذه المنطقة أن تتوفر فيه الكفاءة والرزانة بقدر عال جدا عكس المناطق الأخرى، مع تجنب كل شخص غلبت على آرائه الحماسة الفايسبوكية وابتغاء الشهرة من أجل الشهرة فقط.
وعليه، فإن من اللوائح المقدمة في الانتخابات الجزئية نجد إحداها قد تحقق ما لم يتحقق في غيرها، وهي لائحة حزب الميزان، حيث أن هذا الحزب ممثل في الأغلبية الحكومية والشخص الذي يقود لائحته رجل دولة بامتياز (هو الدكتور نورالدين مضيان)، وهذا ما يشهد به الخصم قبل الصديق، فضلا عن قدرته على التواصل مع الجميع، سواء قبل الانتخابات أو بعدها؛ وكم تمنيت أن أرى مثله على قائمة اللوائح الأخرى التي قدمت ترشيحها، إلا أن ظني خاب عندما رأيت من لا يحسن التواصل حتى مع أعضاء حزبه، وكذا من لا يحسن إلا لغة الاتهام والتهديد، دون أن ننسى من لا يُعرف أو يُذكر اسمه إلا خلال الحملة الانتخابية.
اللهم ارزق كل ناخب المنطق السياسي والعمل به.
اللهم ارزقنا المنطق والعمل به.