الانتخابات وسؤال التجويد

الانتخابات وسؤال التجويد
هوية بريس – ابراهيم أقنسوس
إن عودة الحديث عن تجويد القوانين الإنتخابية، في كل مناسبة، يعني من ضمن ما يعنيه، أن الإنتخابات السابقة، والتي نعيش على آثارها، تنقصها الجودة، وليست مرضية، وتشوبها نقائص عدة، ما يجعل التفكير في إعادة النظر فيها، أمرا ملحا باستمرار؛ والمحصلة، أننا وإلى حدود الساعة، ما زلنا ندبر الكثير من شؤوننا، بمنتخبين أفرزتهم انتخابات، مطعون في جودتها، وتحتاج في كل مرة، إلى إعادة تصحيح، على أكثر من مستوى، قانونيا وأخلاقيا ؛ وبالطبع، لا نحتاج هاهنا، إلى تقديم أمثلة للتدليل، فأخبار المتابعات والمحاكمات التي تجري عندنا، أو التي أصبحت تجري عندنا، حسب المتاح والممكن، حاليا على الأقل، تغنينا عن المزيد من البيان والتبيين ؛ والملفت للإنتباه، أن جل الهيئات السياسية، تعتبر نفسها غير معنية، بما يسمى، إصلاح القوانين الإنتخابية، فالجحيم دائما هم الآخرون، حتى والعديد من منتخبيها يتابعون أمام القضاء، وبتهم تدبيرية فاضحة، بل إن بعض الهيئات لا ترى غضاضة، في إعادة اقتراح نفس العناصر، التي تأكد فسادها، ما يعني أننا نظل ندور في نفس الحلقة، كل مرة، ونعيد ترسيم نفس السردية القديمة ؛ تقترب الإنتخابات ؛ نتحدث عن ضرورة تجويدها ؛ ثم يأتي موعد إجرائها، لنجد أنفسنا نعيد نفس الحكاية تقريبا، مع بعض التعديلات في الأشكال، دون المضامين والأسس، التي ترهن قيمة هذه الإنتخابات، كما ترهن مآلالتها.
واضح طبعا، أن الحديث عن تجويد القوانين الإنتخابية، يعني مباشرة وببساطة، الحديث عن تجويد العنصر البشري أساسا، والحديث عن منتخبين مفتقدين، جديرين حقا بهذه التسمية والصفة، قولا وفعلا كما يقال، فجل مشاكلنا مع الإنتخابات، يمكن اختزالها ببساطة، في هؤلاء الذين تتم تزكيتهم، وفق معايير غير مضبوطة، لاعلمية ولا أخلاقية، في مجملها، ثم يتم التصويت عليهم، أيضا بأساليب غير مقنعة، ويلفها الكثير من الغموض، وفي النهاية، هؤلاء هم من سيتكلفون بالتدبير، وبإنجاز المشاريع والبرامج، أو ما يسمى كذلك، وهم من سيتصرفون في ميزانيات ومقدرات مالية، وحين نأتي إلى المنجزات تكون في غالبها الأعم، ناقصة ومرتبكة ومغشوشة، وقد تتم متابعة المخلين، وقد لا تتم، ثم تمضي الأمور كما بدأت، في انتظار انتخابات أخرى، يقول المتحمسون لها، من صف المعارضة غالبا، إنهم يملكون الحلول، وإنهم سيكونون أفضل من غيرهم.
كل هذا يعني أن مشكلتنا رأسا، هي هذا العنصر البشري، المسمى منتخبا، بفتح الخاء، والمسمى منتخبا، بكسر الخاء، الأول يسعى رأسا لتأمين مصالحه، ومصالح عشيرته الحزبية، عبر كرسي المجلس أو البرلمان، والثاني (المواطن) يصوت أو لا يصوت، بلا رؤية ولا فهم ولا تمييز، وقد يساق سوقا، إلى الصندوق، مقابل امتيازات بئيسة.
السؤال الآن ؛ هل نملك حقيقة اختيارات أخرى أفضل ؟، إذا ما أردنا أن نضع سؤال الإنتخابات في إطاره العام، الذي يتجاوز، تلك العمليات التقنية، التي قد لا يكون لها معنى، هل نتقدم أو نتأخر ؟، ذلك أننا وإلى حدود الساعة، ما زلنا نفكر في حكومة عبد الله إبراهيم، تلك الحكومة التي انعقدت عليها كل آمال التغيير، وتحرير بلادنا من عوائق الإستعمار، لكن، حدث الذي حدث، فبأي منطق إذن، نناقش اليوم موضوع الإنتخابات ؟، يبدو أن أكثر أحاديثنا مجرد هوامش على ضفاف الإشكال الرئيس.
إن تجويد الإنتخابات، لا يمكن أن يتم، إلا عبر إعادة المعنى إلى الفعل السياسي، ولا يتم ذلك إلا بإعادة المثقفين والمفكرين، وأصحاب الرؤى والمشاريع النهضوية إلى مضمار العمل السياسي، وإبعاد الأميين والجهلة والأنانيين والتجار، فقضايا الوطن تتطلب الفهم العلمي السليم، والحلول الناجعة، لا المتاجرة والمساومة، وبالطبع يقتضي هذا المسار التضحية بكل الكراسي والمناصب المغشوشة والمدسوسة، مهما كان عددها وبهرجها، فالعبرة ليست بالعدد، ولا بالذكورة والأنوثة، ولا حتى بالولاءات (الإيديولوجية)، بل بالقدرة على إنجاز التغيير المطلوب، وامتلاك شروطه الضرورية، وأساسها المعرفة التي تعني الفهم العميق للقضايا، والإرادة التي تعني مباشرة التدبير بلا تردد و لاحسابات ضيقة، والإخلاص الذي يعني الولاء لهذا الوطن وقضاياه الرئيسة، في المبتدإ والمنتهى، وتجويد الإنتخابات ثانيا، لا يتم إلا عبر إعادة الإعتبار لقيمة العلم والمعرفة، والحرص على الرفع من منسوب الوعي والتحلي بروح المواطنة، لدى كافة المواطنات والمواطنين، وبالجملة ؛ إن ما يجب الإشتغال به ابتداء هو، تجويد المنتخبين والناخبين، قبل تجويد القوانين وتدبيج المواثيق.



