الانقلاب التركي.. لماذا الآن؟! وماذا بعد؟!
هوية بريس – صحيفة: هافنجتون بوست Huffington Post
بقلم: بيهلول أوزكان Behlul Ozkan
ترجمة: أحمد سامي
على مدار سبعة عقود وتحديداً منذ شهدت تركيا تحوُلاً ديمقراطياً جذرياً في العام 1946 تعاقب على البلاد أربعة انقلابات عسكرية, ويوم الجمعة الماضي قام فصيل من الجيش التركي بأول الانقلابات العسكرية التي تشهدها البلاد في القرن الحادي والعشرين.
وقد شهدت تركيا بالفعل ليلة دامية لم تشهدها منذ سنوات, فقد قامت قوات الانقلاب باحتلال مطار اسطنبول فضلاً عن جميع الجسور بالمدينة وكذا مقر محطة سي إن إن التركية و مبنى التليفزيون الرسمي التركي, ولم يكتف الانقلابيون بذلك وإنما قاموا باحتجاز رئيس الأركان التركي وقصف البرلمان, وفي النهاية باءت المحاولة الانقلابية بالفشل بعد عدة ساعات لكن بعد أن أسفرت عن مقتل 290 شخصاً من المدنيين وقوات الأمن, كما أسفرت المحاولة الفاشلة عن القبض على المئات من جنرالات الجيش وتوقيف آلاف القضاة على مستوى البلاد للاشتباه في اشتراكهم بمحاولة الانقلاب الفاشلة.
ومما لا شك فيه أن محاولة الانقلاب الأخيرة تشبه إلى حد كبير تلك التي جرت في العام 1960, كما أن المحاولة الأخيرة سيكون لها تداعيات عديدة منها إعادة هيكلة الجيش التركي بالكامل, كما أن تلك المحاولة الانقلابية الفاشلة وجدت رد فعل موحد من الحكومة والمعارضة يرفض الحكم العسكري ويؤكد على التزام النهج الديمقراطي في حكم البلاد.
وواقع الأمر يقول أن المجموعة التي قامت بالانقلاب لجأت إلى تكتيكات مفلسة وكانت تفتقر إلى التخطيط الجيد, وأهم ما تم اكتشافه من تلك المحاولة الفاشلة هو أن هناك زمرة من ضباط الجيش تدين بالولاء لحركة “فتح الله غولن” وهؤلاء تم القبض عليهم في أعقاب الانقلاب الفاشل, وقد صرّح أردوغان مؤخراً أن التحقيقات التي جرت معه بتهم الفساد في ديسمبر من العام 2013 تمت بإيعاز من مؤيدي “فتح الله غولن” بالقضاء والشرطة, والحقيقة أن “أردوغان” نجح عقب تلك التحقيقات في تطهير جزء كبير من جهازي القضاء والشرطة والآن فهو مهيأ لفعل الشيء نفسه مع الجيش.
وخلال فترة الثمانينات من القرن الماضي انتشر أنصار فتح الله غولن في عدة قطاعات منها التعليم والإعلام والبنوك, وخلال العقود التي تلت تلك الفترة أصبح لهؤلاء وجوداً واضحاً داخل جهاز الشرطة والقضاء والجيش والمخابرات, وعلى الرغم من أن منظمة “فتح الله غولن” كانت تعُد ظاهريا ً إحدى منظمات المجتمع المدني إلا أنها أصبحت ملاذاً لقوات الأمن والمخابرات التي أصبح ولائها للشيخ الذي يعيش بالولايات المتحدة منذ العام 1999, وقد رأى الكثير من اليساريون والعلمانيون بتركيا أن الحركة التي يتزعمها “غولن” والتي تتبنى منهجاً مناوئاً للعلمانية تُمثِل تهديداً مباشِراً للأمن القومي التركي.
وقد اتهم “أردوغان” حركة “غولن” بالتورط رسمياً في محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا مؤخراً واصِفاً تلك الحركة بالكيان الموازي, وتعهّد “أردوغان” بتطهير مؤسسات الدولة بالكامل من أنصار “غولن” تحت أي ثمن.
ومن يجهل بالسياسة التركية لن يعرف أبداً أن أنصار “غولن” كانوا حلفاء لأردوغان حتى العام 2013 حينما تم الكشف عن مخطط لهؤلاء يقضي بإحداث الفوضى بالبلاد عبر عدة عمليات إرهابية تستهدف منشآت منها مساجد بمدينة “أنقرة”, ومن يومها أعلن “أردوغان” أنه كان مضللاً حين وضع يده في يد هؤلاء وشهدت العلاقة بينه وبين أنصار “غولن” تحولاً من التحالف إلى العداء.
وإذا كانت العلاقة بين “أردوغان” وأنصار “غولن” قد شهدت بداية التوتر عقب أحداث 2013 إلا أن تلك العلاقة شهدت التحول إلى العداء عقب انقلاب الجمعة الفاشل, وقد ظهر ذلك جلياً في مطالبة تركيا رسمياً الولايات المتحدة بتسليم “فتح الله غولن” باعتباره العقل المدبر لعملية الانقلاب الفاشلة, والمشكلة الحقيقية تكمن في أن العلاقات بين واشنطن وأنقرة مرشحة للتدهور حال رفض الولايات المتحدة تسليم “فتح الله غولن” للسلطات التركية.
أما على الصعيد الداخلي فقد أتت محاولة الانقلاب الفاشلة لتصُب المزيد من الزيت على النار, فالسلطات التركية محاصرة بحزب العمال الكردستاني في جنوب شرق البلاد فضلاً عن قيام تنظيم الدولة الإسلامية باستهداف الداخل التركي بعمليات متكررة, ويقول مراقبون أن تبعات محاولة الانقلاب الفاشلة سترمي بظلالها على الداخل التركي لتضيف مزيداً من الأعباء على “أردوغان” وحكومة العدالة والتنمية التي باتت تحارب معركتها في الداخل والخارج على حد سواء.
رابط المقال:
http://www.huffingtonpost.com/behlal-azkan/turkey-coup_b_11033324.html?utm_hp_ref=world