الباحث في قضايا التربية الإسلامية محمد احساين: نعم لمراجعة برامج التربية الإسلامية، ولكن…
هوية بريس – الأحد 29 نونبر 2015
في ردّه على الدعوات التي يثيرها البعض حول مراجعة مادة التربية الإسلامية بالتعليم المغربي، اعتبر الأستاذ محمد احساين الباحث في قضايا التربية الإسلامية ونائب رئيس الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية أن إعلان جمعية بيت الحكمة المحسوب على تيار سياسي معرف هو مناصرة وخدمة لبعض الأقلام الحاقدة على الإسلام، وأنها خارجة عن سياق المجتمع المغربي المعروف بتمسكه بهويته الحضارية وقيمه الإسلامية.
وتساءل عضو المكتب الوطني للجمعية عما إذا كان بيت اللاحكمة هذا مطلعا على مناهج وبرامج التربية الإسلامية في منظومتنا التربوية حاليا بما تتوخاه من أهداف…
واعتبر المتحدث أن أمثال هذه الدعوات تبرز جهل أصحابها بمضامين مادة التربية الإسلامية وأهدافها في مناهجنا التعليمية.
كما أكد أن جمعيته ترى فعلا ضرورة مراجعتها لجعلها أكثر عمقا وفاعلية، وتريد الرفع من حصصها ومعاملها في الامتحانات وجعلها مادة ملزمة ونقطها موجبة للرسوب في الامتحانات الإشهادية، وتعميمها في مباريا ت التكوين والتوظيف، وقال ان مناهج التربية الإسلامية شهدت اليوم تغييرات كبيرة في اتجاه استهداف العديد من المفاهيم الحاملة لقيم والاعتدال والتسامح والمشاركة الإيجابية. و قبول الاختلاف، والتشبع بروح الحوار، وتبني الممارسة الديمقراطية وغيرها وما على أصحاب هذه الدعوة سوى الرجوع إليها.
عن هذه القضايا خص الباحث موقعنا بالمحاورة الآتية:
1- هل هناك من حاجة إلى إعلان هذه الدعوة؟
لا شك أن الإرهاب لا دين له ولا ملة ولا جنس، ولا أساس له في الشرع والقانون والأخلاق… ونعتبر أن الأفراد والجماعات والدول التي تتبنى أفكارا تطرفية يمينا ويسارا والتي تنتج الإرهاب هي كيانات خارجة عن المجتمع بثقافته وتربيته وقيمه، إذ ليست هناك ثقافة مجتمعية أصيلة تدعوا إلى قتل النفس التي حرم الله من غير وجه حق؛ إلا أن المثير هو أنه كلما حدثت عملية إرهابية شرقا أو غربا إلا وأسرع البعض إلى اتهام الإسلام وقيم الإسلام والتربية الإسلامية… ولسنا هنا في موقف المدافع عن الإسلام ما دام الإسلام بريئا من العنف والإرهاب وترويع الآمنين.
وهنا نجد خروج بيت اللاحكمة بدعوة تنادي بمراجعة برامج التربية الإسلامية يسير في اتجاه مناصرة بعض الأقلام الحاقدة على الإسلام؛ باعتبار أن هذه الدعوة من المغرب وفي هذا الوقت، وتزامنا مع ما حدث في فرنسا ولم نسمعها حين وقوع العمليات الإرهابية بكل أنواعها ومن طرف جهات متعددة في بورما وسوريا والعراق وليبيا وتونس وغزة والتي استهدفت المسلمين… لتلبية حاجة في نفس صاحبها والداعين إليها خارج سياق المجتمع المغربي المتشبث بهويته الحضارية وقيمه الإسلامية.
وأرى أن هؤلاء أصبحوا فاقدي البوصلة؛ حيث خابت آمالهم في التماهي مع الاشتراكية والشيوعية بعد إفلاس منظومتها الفكرية، ولم يستطيعوا بل ويخجلون من التصريح بارتمائهم في أحضان (الإمبريالية) الرأسمالية الغربية وفكرها التحرري؛ بل يخدمونها من خلال تشبثهم بقيم جمعياتها الحقوقية المعولمة والتي تحاول تصدير أفكارها خارج بلدانها ليتقبلها ويحتضنها أشياعهم من بني جلدتنا، فيصبحون بذلك شاذين شاردين عن المجتمع مغردين خارج سربه، وأنا أتساءل عما إذا كان بيت اللاحكمة هذا مطلعا على مناهج وبرامج التربية الإسلامية في منظومتنا التربوية وما تتوخاه من أهداف وتتضمنه من فكر ومواضيع تحمل قيم الوسطية والاعتدال والتوازن والتسامح والتواصل والحوار وتدبير الاختلاف وحسن التعامل مع النفس والغير والبيئة…
2- أنتم في الجمعية لمغربية لأساتذة التربية الإسلامية كيف تنظرون إلى هذه الدعوة وما هي دوافعها في نظركم؟
نحن في الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية نؤمن أننا في دولة ديمقراطية يتمتع أفرادها ومجتمعها المدني بحرية التعبير والانتماء السياسي والنقابي… لذلك من حق كل جمعية أن تبدي رأيها في قضايا المجتمع وقيمه -دون أي استفزاز لعامة المجتمع في عقيدته وأمنه الروحي- ويبقى ذلك رأيا لصاحبه لا يلزم أحدا ويمكن مناقشته ونخله بمنخال قيم المجتمع المصرح بها دستوريا، ولذلك فإننا ننظر إلى دعوة بيت اللاحكمة حول مراجعة برامج التربية الإسلامية تزامنا مع الحدث الآنف الذكر بنوع من الحذر؛ لأن دوافعها خالية من الموضوعية والواقعية، وعارية عن الحقيقة، وتبرز جهل أصحابها بمضامين مادة التربية الإسلامية وأهدافها في مناهجنا التعليمية، فالدوافع هنا نفسية أيديولوجية منفعية بالأساس، مرتبطة بتربية صاحبها وما يعتنقه من أفكار وأيديولوجيات… نحن نعلم أن بيت الحكمة بؤرة للعلمانية المتطرفة التي تشذ عن ثقافة المجتمع ومعتقداته، فهو لا يخفي في مواقف أعضائه وتصريحاتهم تشجيعه لكل سلوك وفكر مناقض لقيم الإسلام وشاذ عن ثقافة المجتمع باسم الحرية الشخصية كدفاعه عن الشذوذ الجنسي وحقوق الشواذ والإفطار العلني في رمضان والإجهاض وإلغاء عقوبة الإعدام… وكلها قيم وسلوكيات خارجة عن قيم المجتمع المغربي بعربه وأمازيغه؛ بل نراها قيما سلبية وافدة ومستوردة عبر بعض الجمعيات الحقوقية المشبوهة والتي تتماهى مع جمعيات وجهات خارجية، ومثل هذه الدعوات نرى الآن بعض نتائجها الكارثية التي بدأت تنخر جسم مجتمعنا ككثرة “الأمهات العازبات” والأطفال المتخلى عنهم، وانتشار الفاحشة والشذوذ الجنسي والاغتصاب والانتحار والمخدرات والفاحشة وما تنتجه من أمراض اجتماعية واقتصادية وتربوية…
قد نساير الدعوة إلى مراجعة البرامج الدراسية عموما من زاوية التطوير والتحديث والتحيين، ونسايرها في دعوتها إلى مراجعة برامج مادة التربية الإسلامية؛ لكن ليس من زاوية محاصرتها والتقليص من حصصها وإفراغ محتواها القيمي والشرعي والفكري، وجعلها مادة فقط لتأثيث المشهد التربوي خالية من أثر يعدل السلوك ويرسخ القيم ويبني الفكر… بل نرى ضرورة مراجعتها لجعلها أكثر عمقا وفاعلية، نريد الرفع من حصصها ومعاملها في الامتحانات وجعلها مادة ملزمة ونقطها موجبة للرسوب في الامتحانات الإشهادية، وتعميمها في مباريا ت التكوين والتوظيف، نريدها معممة على سائر معاهد التكوين والتأهيل، نريدها مادة تناقش مواضيع حياتية معيشة وقضايا فكرية وقيمية من صميم الواقع المغربي، نريدها تناقش موضوع الجهاد في أحكامه وحكمته وآدابه وأخلاقه وكيفياته ومن له الحق في الأمر به، أن تناقش موضوع الحرابة في الشريعة الإسلامية للحد من السرقة والاغتصاب والتشرميل وقطع الطرقات، أن تناقش المعاملات البديلة والربا والفوائد البنكية والقروض والزكاة والضريبة، أن تناقش الاجتهاد والفتوى ومن له الحق في الاجتهاد والفتوى في الدين، أن تناقش موضوع الشورى والديمقراطية والإجهاض والإعدام والانتحار… كل ذلك وغيره كانت من المواضيع التي عملت بعض الجهات على إقصائها ولتسهم في إفراغ المادة من محتواها الشرعي والفكري والقيمي المجتمعي.
3- كيف تقيمون دور التربية الإسلامية في ترسيخ قيم التسامح ونبذ الإرهاب؟
إننا نؤمن بأن رسالة الإسلام رسالة رحمة للعالمين كانت وما زالت وستستمر بحول الله تعالى تقوم بدورها الريادي في دعم الأمن الروحي للأفراد والجماعات، وإكسابهم القيم الإسلامية النبيلة الداعية إلى العدل والاعتدال، وإلى المبادرة والبناء، والإسهام في هداية كل فكر متطرف يمينا ويسارا، والعمل على نشر تلك المبادئ والقيم بالتي هي أحسن، ومن خلال بلورتها على مستوى السلوك الفردي والجماعي، ومن هنا فان مناهج وبرامج التربية الإسلامية تحاول رغم ضعف حصصها الدراسية وتواضع معاملها ترسيخ القيم لدى الناشئة وتحصينهم ضد الغلو والتطرف والميوعة والتشيع… وتكرس لديهم حب الوطن وتنمي فيهم روح الوطنية ذلك أن هذه المادة التربوية التعليمية عنصر أساس من عناصر هوية البرامج التعليمية في بلدنا المنبثقة من الدستور المجمع عليه، وهذا ما كرسه الميثاق الوطني للتربية والتكوين حيث يتجلى الجانب القيمي في القسم الأول من الميثاق والموسوم بالمبادئ الأساسية. فعلاوة على تركيزه على الإيمان بالله وحب الوطن والتمسك بالملكية الدستورية، من خلال تركيزه على:
– قيم العقيدة الإسلامية؛
– قيم الهوية الحضارية ومبادئها الأخلاقية والثقافية؛
– قيم المواطنة؛
– قيم حقوق الإنسان ومبادئها الكونية.
فعلاوة على تركيزه على الإيمان بالله وحب الوطن والتمسك بالملكية الدستورية، يراهن على تربية المتعلم على قيم الاستقامة والصلاح والاعتدال والتسامح والمشاركة الإيجابية. وقبول الاختلاف، والتشبع بروح الحوار، وتبني الممارسة الديمقراطية في ظل دولة الحق والقانون.
ـ التوفيق بين الوفاء للأصالة والتطلع الدائم إلى المعاصرة.
والتربية الإسلامية كمادة تعليمية، ترتكز على التصور الشمولي القائم على التوازن والتكامل بين الجوانب العقلية والمادية والنفسية والروحية. قال الله تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ الله الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص:77). وذلك بهدف الحفاظ على الحاجات البشرية المتمثلة في الأصول الخمسة وهي الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
فالتربية الإسلامية تتجه إلى إيصال المتعلم إلى درجة كماله لتجعل منه شخصية إيجابية فاعلة متوازنة تصورا واعتقادا وتفكيرا وشعورا وسلوكا… فهي لا تقف عند حدود تربية العقل وتنمية الجسم، لكنها إلى جانب التعليم توجه وتعلم القيم وتنمي المهارات والقدرات والمواهب من أجل تنشئة وتربية الإنسان الرباني المتصف بمواصفات تتمثل في:
– مفاهيم صحيحة وواضحة تتشكل في عقل المسلم بمناهج دقيقة ومنتظمة وواعية.
– تصورات ناضجة عن الكون والحياة ناتجة عن تلكم المفاهيم.
– وجدان متفاعل ومتوازن يدفع إلى الخير حيث كان ويلجم عن الشر.
– تمثل وسطي ومعتدل لقيم الإسلام وأحكامه ومبادئه.
– حكمة بالغة في التواصل مع الآخرين لإقناعهم بقيم الإسلام ومبادئه.
وقد عرفت مناهج التربية الإسلامية تغييرا في اتجاه استهداف العديد من المفاهيم الحاملة للقيم من خلال اعتمادها بيداغوجيا الكفايات ومدخل القيم و تركيزها على المتعلم.
– الإنسان في علاقته مع نفسه وخالقه وغيره بترسيخ مجموعة من القيم والاتجاهات والتي تجعله متشبعا بروح التضامن والتسامح والنزاهة؛ ذلك أن التسامح وفق منظور التربية الإسلامية، فضيلة أخلاقية، وضرورة مجتمعية، وسبيل لضبط الاختلافات وإدارتها، خاصة وأن الإسلام دين عالمي يتجه برسالته إلى البشرية كلها، تلك الرسالة التي تأمر بالعدل وتنهى عن الظلم وتُرسي دعائم السلام في الأرض، وتدعو إلى التعايش الإيجابي بين البشر جميعاً في جو من الإخاء والتسامح بين كل الناس بصرف النظر عن أجناسهم وألوانهم ومعتقداتهم هذا في الوقت الذي أصبحت فيه الدعوة إلى التسامح مطلبا حضاريا على اثر التصاعد الأخير في أحداث العنف و الإرهاب و كراهية الأجانب واضطهاد/ سوء معاملة الأقليات و رواج بعض نظريات الصراع أو الصدام الثقافي/ الحضاري…
فتعمل التربية الإسلامية على تأصيل و تكريس ثقافة التسامح الفعال والتعايش الإيجابي بين الناس نظراً لأن التقارب بين الثقافات والتفاعل بين الحضارات يزداد يوماً بعد يوم بفضل ثورة المعلومات والاتصالات والثورة التكنولوجية التي أزالت الحواجز الزمانية والمكانية بين الأمم والشعوب، مما يدعونا إلى تعميق التسامح من خلال التربية على الحوار القائم على الاحترام المتبادل بين المنتسبين للثقافات والحضارات الإنسانية، التسامح في إطار الحفاظ على الذاتية والهوية الخاصة بما لا يعني هيمنة الآخر والخضوع لهذه الهيمنة، وذلك من خلال معرفة الآخر في خصوصيات حضارته وتطلعاته، والإيمان بالتنوع الحضاري، باعتبار التسامح يدعو إلى التعارف والتقارب، ويفرض التعامل في نطاق الدائرة الموضوعية من دون المسَاس بدائرة الخصوصية من غير إثارة لحساسيتها، وانتهاك لحُرمة ذاتيتها، وهي دائرة تبادل المعارف والمنافع والمصالح التي يعود مردودها بالخير على الجميع.