البركة من جند الله في الأرض

البركة من جند الله في الأرض
هوية بريس – د. يوسف الحزيمري
الحديث عن البركة طويل الذيل كتب فيه الكثير، في كتب التفسير والحديث واللغة والعقيدة، وهي خلق من مخلوقات الله عز وجل، وجند من جنده، إذا حلت في الشيء باركته بالنماء والزيادة والثبات والشرف والعلو، وقد سمى الله عز وجل القرآن الكريم “كتاب مبارك” في عدة مواضع منها قوله تعالى: {كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ مُبَٰرَك لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} [ص: 29] ﻗﺎﻝ اﻟﺤﺴﻦ: “ﻫﻮ اﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﻟﻤﻦ ﺃﺧﺬﻩ ﻭاﺗﺒﻌﻪ ﻭﻋﻤﻞ ﺑﻪ، ﻓﻬﻮ ﻣﺒﺎﺭﻙ ﻟﻪ، ﻭﺳﻤﻲ ﻫﺬا اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﺒﺎﺭﻛﺎ؛ ﻟﻤﺎ ﻳﺒﺎﺭﻙ ﻓﻴﻪ ﻟﻤﻦ اﺗﺒﻌﻪ، ﻫﻮ ﻣﺒﺎﺭﻙ ﻟﻤﺘﺒﻌﻪ ﻭاﻟﻌﺎﻣﻞ به” ومن شرفه أنه أنزله في ليلة مباركة قال تعالى: {إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَة مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} [الدخان: 3]؛ أي: “ﺇﻧﺎ ﻣﻦ ﻣﻘﺎﻡ ﻋﻈﻴﻢ ﺟﻮﺩﻧﺎ {ﺃﻧﺰﻟﻨﺎﻩ} أﻯ اﺑﺘﺪﺃﻧﺎ إﻧﺰاﻟﻪ ﺇﻟﻴﻚ ﺗﺄﻳﻴﺪا ﻷﻣﺮﻙ ﻭﺗﻌﻈﻴﻤﺎ ﻟﺸﺄﻧﻚ ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ ﻣﺒﺎﺭﻛﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ اﻟﺨﻴﺮ ﻭاﻟﺒﺮﻛﺔ، ﻫﻲ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﻘﺪﺭ أﻭ اﻟﺒﺮاءﺓـ ﻭاﻧﻤﺎ ﺃﻧﺰﻟﻨﺎﻩ ﻣﺸﺘﻤﻼ ﻋﻠﻰ الأﺣﻜﺎﻡ ﻭاﻟﻤﻮاﻋﻆ ﻭاﻟﻌﺒﺮ ﻭاﻷﻣﺜﺎﻝ ﻭاﻟﻘﺼﺺ ﻭاﻟﺘﻮاﺭﻳﺦ ﻭاﻟﺮﻣﻮﺯ ﻭاﻹﺷﺎﺭاﺕ اﻟﻤﻨﺒﻬﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﻭاﻟﺤﻘﺎﺋﻖ، {ﺇﻧﺎ ﻛﻨﺎ ﻣﻨﺬﺭﻳﻦ} ﻣﺨﻮﻓﻴﻦ ﺑإﻧﺰاﻝ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻷﻭاﻣﺮ ﻭاﻟﻨﻮاﻫﻲ ﻭاﻟﻮﻋﻴﺪاﺕ اﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ اﻧﺼﺮﻑ ﻋﻦ ﺟﺎﺩﺓ اﻟﻌﺪاﻟﺔ الإلهية، ﻭاﻧﺤﺮﻑ ﻋﻦ اﻟﺼﺮاﻁ اﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ، ﻭإنما ﺃﻧﺰﻟﻨﺎﻩ ﺇﻟﻴﻚ ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺘﻚ ﻫﺬﻩ ﺇﺫ ﻓﻴﻬﺎ ﻳﻔﺮﻕ ﻳﻤﻴﺰ ﻭﻳﻔﺼﻞ ﻋﻨﺪﻙ ﻳﺎ ﺃﻛﻤﻞ اﻟﺮﺳﻞ ﺑﻌﺪ ﻣﺎ ﺗﻤﻜﻨﺖ ﻓﻲ ﻣﻘﺮ اﻟﻌﺰ ﻭاﻟﺘﻤﻜﻴﻦ ﻛﻞ ﺃﻣﺮ ﺣﻜﻴﻢ أﻯ ﻣﺤﻜﻢ ﺻﺎﺩﺭ ﻋﻦ ﻣﺤﺾ اﻟﺤﻜﻤﺔ اﻟﻤﺘﻘﻨﺔ اﻹﻟﻬﻴﺔ”.
ووصف نفسه عز وجل بقوله: {تبارك} في عدة مواضع من كتابه، قال تعالى: {تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1]، وتبارك الله تعالى، أي: ثبث الخير عنده (فمعادنُ الخير عنده) وفي خزائنه، وقال قوم: تبارك: علا.
ﻗﺎﻝ ﺃﻫﻞ اﻟﺘﺄﻭﻳﻞ: “ﺗﺒﺎﺭﻙ” ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺎﻋﻞ، ﻭﻫﻮ ﻣﻦ “ﺗﻌﺎﻟﻰ”؛ ﻷﻥ اﻟﺒﺮﻛﺔ ﻫﻲ اﺳﻢ ﻛﻞ ﺭﻓﻌﺔ ﻭﻓﻀﻴﻠﺔ ﻭﺷﺮﻑ، ﻓﻜﺎﻥ ﺗﺄﻭﻳﻠﻪ: ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺎﻟﻲ ﻭاﻻﺭﺗﻔﺎﻉ.
ﻭﻗﺎﻝ ﺃﻫﻞ اﻷﺩﺏ: ﺗﺒﺎﺭﻙ: ﻫﻮ ﻣﻦ اﻟﺒﺮﻛﺔ، ﻭاﻟﺒﺮﻛﺔ ﻫﻲ: اﺳﻢ ﻛﻞ ﻓﻀﻞ ﻭﺑﺮ ﻭﺧﻴﺮ، ﺃﻱ: ﺑﻪ ﻧﻴﻞ ﻛﻞ ﻓﻀﻞ ﻭﺷﺮﻑ ﻭﺑﺮ.
ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻋﻮﺳﺠﺔ: (ﺗﺒﺎﺭﻙ) ﻫﻮ ﺗﻨﺰﻳﻪ؛ ﻣﺜﻞ ﻗﻮﻟﻚ: (ﺗﻌﺎﻟﻰ).
ﻭﻗﺎﻝ اﻟﻜﺴﺎﺋﻲ ﻭاﻟﻘﺘﺒﻲ: ﻫﻮ ﻣﻦ اﻟﺒﺮﻛﺔ؛ ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺫﻛﺮ.
ﻗﺎﻝ اﺑﻦ اﻟﻘﻴﻢ ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ: اﻟﺒﺮﻛﺔ ﻫﻲ ﻓﻌﻠﺔ ﻭاﻟﻔﻌﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺎﺭﻙ، ﻭﻳﺘﻌﺪﻯ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺗﺎﺭﺓ ﻭﺑﺄﺩاﺓ “ﻋﻠﻰ” ﺗﺎﺭﺓ، ﻭﺑﺄﺩاﺓ “ﻓﻲ” ﺗﺎﺭﺓ. ﻭاﻟﻤﻔﻌﻮﻝ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺒﺎﺭﻙ ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺟﻌﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻜﺎﻥ ﻣﺒﺎﺭﻛﺎ ﺑﺠﻌﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ. “ﻭاﻟﻨﻮﻉ اﻟﺜﺎﻧﻲ” ﺑﺮﻛﺔ ﺗﻀﺎﻑ ﺇﻟﻴﻪ ﺇﺿﺎﻓﺔ اﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭاﻟﻌﺰﺓ ﻭاﻟﻔﻌﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺒﺎﺭﻙ، ﻭﻟﻬﺬا ﻻ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻐﻴﺮﻩ ﺫﻟﻚ ﻭﻻ ﻳﺼﺢ ﺇﻻ ﻟﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﻓﻬﻮ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ اﻟﻤﺘﺒﺎﺭﻙ ﻭﻋﺒﺪﻩ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ اﻟﻤﺒﺎﺭﻙ، ﻭﺃﻣﺎ ﺻﻔﺘﻪ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻓﻤﺨﺘﺼﺔ ﺑﻪ ﻛﻤﺎ ﺃﻃﻠﻘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: {تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} [الأعراف: 54]، وقوله: {تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡء قَدِيرٌ} [الملك: 1]، ﺃﻓﻼ ﺗﺮاﻫﺎ ﻛﻴﻒ اﻃﺮﺩﺕ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﺟﺎﺭﻳﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺨﺘﺼﺔ ﺑﻪ ﻻ ﺗﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻩ، ﻭﺟﺎءﺕ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﺎء اﻟﺴﻌﺔ ﻭاﻟﻤﺒﺎﻟﻐﺔ ﻛﺘﻌﺎﻟﻰ ﻭﺗﻌﺎﻇﻢ ﻭﻧﺤﻮﻩ، ﻓﺠﺎء ﺑﻨﺎء ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﺎء ﺗﻌﺎﻟﻰ اﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺩاﻝ ﻋﻠﻰ ﻛﻤﺎﻝ اﻟﻌﻠﻮ ﻭﻧﻬﺎﻳﺘﻪ، ﻓﻜﺬﻟﻚ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﺩاﻝ ﻋﻠﻰ ﻛﻤﺎﻝ ﺑﺮﻛﺘﻪ ﻭﻋﻈﻤﺘﻬﺎ ﻭﺳﻌﺘﻬﺎ، ﻭﻫﺬا ﻣﻌﻨﻰ ﻗﻮﻝ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻒ: ﺗﺒﺎﺭﻙ ﺗﻌﺎﻇﻢ. ﻭﻗﺎﻝ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ: ﺟﺎء ﺑﻜﻞ ﺑﺮﻛﺔ”.
وقد جعل الله عز وجل البركة في الأرض التي أسكن فيها آدم وذريته فقال تعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآء لِّلسَّآئِلِينَ} [فصلت: 10]،{وَبارَكَ فِيها} أكثر خيرها، بأن خلق فيها أنواع النبات والحيوانات والمياه. {وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها} قسم فيها أقواتها للناس والبهائم. على قدر طلب الطالبين.
كما بارك في ذرية آدم من نسل نوح عليه السلام، وبارك في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لما دعا نوح عليه السلام ربه أن قال: {وَقُل رَّبِّ أَنزِلۡنِي مُنزَلا مُّبَارَكا وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلۡمُنزِلِينَ} [المؤمنون: 29] ، فاستجاب له ربه فقال عز وجل: {قِيلَ يَٰنُوحُ ٱهۡبِطۡ بِسَلَٰم مِّنَّا وَبَرَكَٰتٍ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ أُمَم مِّمَّن مَّعَكَۚ وَأُمَم سَنُمَتِّعُهُمۡ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيم } [هود: 48] عن الحسن البصري، في قوله: {اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك}، قال: “فما زال الله يأخذ لنا بسهمنا وحظِّنا، ويذكرنا مِن حيث لا نذكر أنفسَنا، كُلَّما هلكت أمةٌ خُلِقْنا في أصلابِ مَن ينجو بلُطْفِه، حتى جعلنا في خير أمة أخرجت للناس”.
ﻭﻗﻴﻞ: “اﻟﻤﺮاﺩ ﺑاﻟﺒﺮﻛﺔ ﻫﻨﺎ ﺃﻥ اﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﺟﻌﻞ ﺫﺭﻳﺘﻪ ﻫﻢ اﻟﺒﺎﻗﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻓﻜﻞ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﺫﺭﻳﺔ ﺃﻭﻻﺩﻩ اﻟﺜﻼﺛﺔ ﻭﻟﻢ ﻳﻌﻘﺐ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ ﻏﻴﺮﻫﻢ ﻭﻋﻠﻰ ﺃﻣﻢ ﻣﻤﻦ ﻣﻌﻚ ﻳﻌﻨﻲ: ﻭﻋﻠﻰ ﺫﺭﻳﺔ ﺃﻣﻢ ﻣﻤﻦ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻌﻚ ﻓﻲ اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ، ﻭاﻟﻤﻌﻨﻰ ﻭﺑﺮﻛﺎﺕ ﻋﻠﻴﻚ ﻭﻋﻠﻰ ﻗﺮﻭﻥ ﺗﺠﻲء ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻙ ﻣﻦ ﺫﺭﻳﺔ ﺃﻭﻻﺩﻙ ﻭﻫﻢ اﻟﻤﺆﻣﻨﻮﻥ. ﻗﺎﻝ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻛﻌﺐ اﻟﻘﺮﻇﻲ: ﺩﺧﻞ ﻓﻲ ﻫﺬا ﻛﻞ ﻣﺆﻣﻦ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ”.
وجعل عز وجل أماكن في الأرض مخصوصة بالبركة أيضا من جملة البركة العامة فبارك في مكة المكرمة وجعلها حرما آمنا: {إِنَّ أَوَّلَ بَيۡت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكا وَهُدى لِّلۡعَٰلَمِينَ} [آل عمران: 96]، عن عبد الملك ابن جريج -من طريق ابن ثَوْر- قال: “بَلَغَنا: أنّ اليهود قالت: بيت المقدس أعظم من الكعبة؛ لأنها مهاجَر الأنبياء، ولأنه في الأرض المقدسة. فقال المسلمون: بل الكعبة أعظم. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا} إلى قوله: {فيه آيات بينات مقام إبراهيم} وليس ذلك في بيت المقدس، {ومن دخله كان آمنا} وليس ذلك في بيت المقدس، {ولله على الناس حج البيت} وليس ذلك لبيت المقدس”.
واﻟﻤﺮاﺩ ﺑﺎﻟﺒﻴﺖ ﻫﺎﻫﻨﺎ اﻟﺒﻴﺖ ﻭﻣﺎ ﺣﻮﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻡ ﻷﻥ ﺫﻟﻚ ﻣﻮﺟﻮﺩ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﺮﻡ ﻭﻗﻮﻟﻪ ﻣﺒﺎﺭﻛﺎ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻧﻪ ﺛﺎﺑﺖ اﻟﺨﻴﺮ ﻭاﻟﺒﺮﻛﺔ ﻷﻥ اﻟﺒﺮﻛﺔ ﻫﻲ ﺛﺒﻮﺕ اﻟﺨﻴﺮ ﻭﻧﻤﻮﻩ ﻭﺗﺰﻳﺪﻩ ﻭاﻟﺒﺮﻙ ﻫﻮ اﻟﺜﺒﻮﺕ ﻳﻘﺎﻝ ﺑﺮﻙ ﺑﺮﻛﺎ ﻭﺑﺮﻭﻛﺎ ﺇﺫا ﺛﺒﺖ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻪ ﻫﺬﻩ ﻓﻲ اﻵﻳﺔ ﺗﺮﻏﻴﺐ ﻓﻲ اﻟﺤﺞ ﺇﻟﻰ اﻟﺒﻴﺖ اﻟﺤﺮاﻡ ﺑﻤﺎ ﺃﺧﺒﺮ ﻋﻨﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﻓﻴﻪ ﻭاﻟﺒﺮﻛﺔ ﻭﻧﻤﻮ اﻟﺨﻴﺮ ﻭﺯﻳﺎﺩﺗﻪ ﻣﻊ اﻟﻠﻄﻒ ﻓﻲ اﻟﻬﺪاﻳﺔ ﺇﻟﻰ اﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻭاﻟﺪﻳﺎﻧﺔ.
وبورك في المدينة النبوية بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لها بذلك قال بعض الأئمة: “إن النبى صلى الله عليه وسلم قد كرر الدعاء المذكور مرات عديدة؛ مع أن استجابته قد ظهرت بعد أول مرة، إن الحكمة من هذا التكرار هى وفرة الوفرة فى أوزان دار الهجرة وأكيالها على شكل محسوس، إذ أن الفيض والبركة اللذين فى مد أوصاع المدينة المنورة لا يظهران فى أكيال وأوزان سائر البلاد، لأن النبى صلى الله عليه وسلم كلما عاد من سفر إلى المدينة المنورة كان يمد نظره إلى جدران تلك المدينة وأحجارها وأسواقها وأشجارها ويرخى النظر بالفرح والابتهاج إليها، ثم يدعو عارضا دعاءه إلى واهب الآمال إذ يقول: «يا رب قدر لنا القرار فى المدينة، ويسر لنا سبل المعيشة بالرزق الحسن، يا رب! بارك فى المدينة بضعفى بركة مكة، اللهم اجعل مد المدينة وصواعها وأكيالها مباركا لهم”.
وبورك في بيت المقدس وماحوله، قال تعالى: {سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ } [الإسراء: 1]، قال مقاتل بن سليمان: “{الذي باركنا حوله}، يعني بالبركة: الماء، والشجر، والخير”.
وبارك الله عز وجل في أنبيائه المرسلين واصطفاهم واختارهم على العالمين وجعلهم مباركين أينما كانوا نفاعين للناس لكون البركة هي الخير والنفع العام.
ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ اﻟﻜﻴﺴﺎﻧﻲ: “اﻟﺒﺮﻛﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﺗﻤﺴﻚ ﺑﻬﺎ ﺃﻭﺻﻠﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﻛﻞ ﺧﻴﺮ ﻭﻋﺼﻤﺘﻪ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﺮ، ﻭﻫﻮ اﻟﻤﺒﺎﺭﻙ”. وقيل هي: “اﺳﻢ ﻛﻞ ﺧﻴﺮ ﻻ اﻧﻘﻄﺎﻉ ﻟﻪ، ﺃﻭ اﺳﻢ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻻ ﺗﺒﻌﺔ ﻟﻪ ﻋﻠﻴﻪ فيه”، وقيل هي: ” اﺳﻢ ﻛﻞ ﺧﻴﺮ ﻳﻨﻤﻮ ﻭﻳﺰاﺩ ﺑﻼ اﻛﺘﺴﺎﺏ”، ﻭﻗﻴﻞ: “اﻟﺒﺮﻛﺔ ﻫﻲ اﻟﺰﻳﺎﺩﺓ ﻭاﻟﻌﻠﻮ” وقيل: ا”لدوام والثبات” ومنه قولنا: (وبارك على محمد)؛ ﺃﻱ ﺃﺩﻡ ﺷﺮﻓﻪ، ﻭﻛﺮاﻣﺘﻪ، ﻭﺗﻌﻈﻴﻤﻪ.
ووعد الله عباده إذا ما آمنوا واتقوا أن يغدق عليهم من السماء ويخرج لهم من الأرض بركاتهما، قال تعالى: {وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰٓ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَفَتَحۡنَا عَلَيۡهِم بَرَكَٰتٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ} [الأعراف: 96]
يقول الإمام الشعراوي رحمه الله: ” ﺃﻱ ﺃﻥ ﻳﻌﻄﻲ اﻟﺤﻖ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ اﻟﻘﻠﻴﻞ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﺮﺯﻕ اﻟﺤﻼﻝ، ﻭﻳﻤﺤﻖ اﻟﻜﺜﻴﺮ اﻟﺬﻱ ﺟﺎء ﻣﻦ اﻟﺤﺮاﻡ ﻛﺎﻟﺮﺑﺎ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﺳﻤﻰ اﻟﻤﺎﻝ اﻟﺬﻱ ﻧﺨﺮﺟﻪ ﻋﻦ اﻟﻤﺎﻝ اﻟﺰاﺋﺪ ﻋﻦ اﻟﺤﺎﺟﺔ ﺳﻤﺎﻩ ﺯﻛﺎﺓ، ﻣﻊ ﺃﻥ اﻟﺰﻛﺎﺓ ﻓﻲ ﻇﺎﻫﺮﻫﺎ ﻧﻘﺺ، ﻓﺤﻴﻦ ﺗﻤﻠﻚ ﻣﺎﺋﺔ ﺟﻨﻴﻪ ﻭﺗﺨﺮﺝ ﻣﻨﻬﺎ جنيهين ﻭﻧﺼﻒ اﻟﺠﻨﻴﻪ، ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﻧﻘﺺ ﻣﺎﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﻈﺎﻫﺮ. ﻭﺇﻥ ﺃﻗﺮﺿﺖ ﺃﺣﺪا ﺑﺎﻟﺮﺑﺎ ﻣﺎﺋﺔ ﺟﻨﻴﻪ ﻓﺄﻧﺖ ﺗﺄﺧﺬﻫﺎ ﻣﻨﻪ ﻣﺎﺋﺔ ﻭﻋﺸﺮﺓ، ﻟﻜﻦ اﻟﺤﻖ ﺳﻤﻰ اﻟﻨﻘﺺ ﻓﻲ اﻷﻭﻟﻰ ﻧﻤﺎء ﻭﺯﻛﺎﺓ، ﻭﺳﻤﻰ اﻟﺰﻳﺎﺩﺓ ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻣﺤﻘﺎ ﻭﺳﺤﺘﺎ، ﻭﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻗﺎﺑﺾ ﺑﺎﺳﻂ.
وقال في موضع آخر: “ﻭﻣﺎ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺒﺮﻛﺔ؟ . اﻟﺒﺮﻛﺔ ﻫﻲ ﺃﻥ ﻳﻌﻄﻲ اﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﻓﻮﻕ ﻣﺎ ﻳﺘﻄﻠﺒﻪ ﺣﺠﻤﻪ؛ ﻛﻮاﺣﺪ ﻣﺮﺗﺒﻪ ﺧﻤﺴﻮﻥ ﺟﻨﻴﻬﺎ ﻭﻧﺠﺪﻩ ﻳﻌﻴﺶ ﻫﻮ ﻭﺃﻭﻻﺩﻩ ﻓﻲ ﺭﺿﺎ ﻭﺳﻌﺎﺩﺓ، ﻭﺩﻭﻥ ﺿﻴﻖ، ﻓﻨﺘﺴﺎءﻝ: ﻛﻴﻒ ﻳﻌﻴﺶ؟ ﻭﻳﺠﻴﺒﻚ: ﺇﻧﻬﺎ اﻟﺒﺮﻛﺔ. ﻭﻟﻠﺒﺮﻛﺔ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﻛﻮﻧﻲ ﻷﻥ اﻟﻨﺎﺱ ﺩاﺋﻤﺎ – ﻛﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ ﺳﺎﺑﻘﺎ – ﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﻓﻲ ﻭاﺭﺩاﺗﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺭﺯﻕ اﻹﻳﺠﺎﺏ، ﻭﻳﻐﻔﻠﻮﻥ ﺭﺯﻕ اﻟﺴﻠﺐ. ﺭﺯﻕ اﻹﻳﺠﺎﺏ ﺃﻥ ﻳﺠﻌﻞ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺩﺧﻠﻚ ﺁﻻﻑ اﻟﺠﻨﻴﻬﺎﺕ ﻭﻟﻜﻨﻚ ﻗﺪ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺃﺿﻌﺎﻓﻬﻢ، ﻭﺭﺯﻕ اﻟﺴﻠﺐ ﻳﺠﻌﻞ ﺩﺧﻠﻚ ﻣﺎﺋﺔ ﺟﻨﻴﻪ ﻭﻳﺴﻠﺐ ﻋﻨﻚ ﻣﺼﺎﺭﻑ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﻛﺄﻥ ﻳﻤﻨﺤﻚ اﻟﻌﺎﻓﻴﺔ ﻓﻼ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺃﺟﺮ ﻃﺒﻴﺐ ﺃﻭ ﻧﻔﻘﺔ ﻋﻼﺝ”.
وعموما فاﻟﺒﺮﻛﺔ ﻫﻲ اﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﻭاﻟﻤﺄﻣﻮﻝ؛ ﻷﻥ اﻟﺒﺮﻛﺔ ﺇﺫا ﻭﻗﻌﺖ ﻓﻲ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﺃﻏﻨﺖ ﻋﻦ اﻟﻜﺜﻴﺮ، ﻭﺃﻋﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﻃﺎﻋﺔ اﻟﻤﻮﻟﻰ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ، ﺇﺫ اﻟﺒﺮﻛﺔ ﻫﻲ اﻟﻤﻘﺼﻮﺩﺓ ﻓﺈﺫا ﺣﺼﻠﺖ ﻓﻼ ﻳﻠﺘﻔﺖ ﺇﻟﻰ اﻷﺳﺒﺎﺏ ﻗﻠﺖ ﺃﻭ ﻛﺜﺮﺕ.
وإذا كانت البركة ﻫﻲ اﻟﺰﻳﺎﺩﺓ ﻭاﻟﻨﻤﺎء؛ فمعناه ﺯﻳﺎﺩﺓ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻞ ﻭﻧﻤﺎء ﻓﻲ اﻟﻔﻬﻢ ﻭاﻟﻌﺮﻓﺎﻥ ﻓﺈﺫا ﻋﻘﻠﻨﺎ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻓﻬﻤﻨﺎ ﻣﻀﺎﻣﻴﻨﻪ ﻭﻋﻠﻤﻨﺎ ﺃﺣﻜﺎﻣﻪ ﻭﻧﻔﺬﻧﺎﻫﺎ ﺑﺪﻗﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺮاﺩ اﻟﻠﻪ ﺣﺼﻠﺖ اﻟﺒﺮﻛﺔ ﻭاﻟﺰﻳﺎﺩﺓ ﻭاﻟﻨﻤﺎء ﻓﻲ ﻛﻞ ﺷﻲء، ﻓﻜﺎﻥ اﻻﻧﻄﻼﻕ ﻭاﻻﻧﻌﺘﺎﻕ ﻭاﻟﺘﺤﺮﻳﺮ، ﻭﻛﺎﻥ اﻟﺒﻨﺎء ﻭاﻟﻌﺰ ﻭاﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭاﻟﺴﻠﻄﺎﻥ.


