البعد الجيواستراتجي للعلاقات المغربية الإسبانية
هوية بريس – د. حسن عبيابة (أستاذ التعليم العالي)
تعيش العلاقات المغربية الإسبانية مدا وجزرا خلال العشر سنوات الأخيرة، كما أن العلاقات بين البلدين تتعرض للتوتر وتنتقل من أزمة إلى أخرى، حيث نجدها قد ابتدأت بأزمة التوقيع على اتفاق الصيد البحري، ثم انتقلت على إيقاع أزمة حقوق التنقيب عن النفط في المياه الإقليمية المغربية، مرورا بالأزمات المتكررة حول الصادرات المغربية الفلاحية لأوروبا المارة من التراب الإسباني، بالإضافة إلى قضايا الهجرة السرية واليد العاملة المغربية المتواجدة بإسبانيا، وتجارة المخدرات ومواقف اسبانيا المتذبذبة حول قضية الصحراء المغربية، ومستقبل المدينتين المغربيتين المحتلتين سبتة ومليلة.
ورغم حالات الهدوء التي تسود العلاقات فإن هناك خلافات عميقة في العديد من الملفات بين البلدين، وترجع أسبابها إلى الإرث التاريخي والسياسي الذي ورثته كل دولة على حدة، بالإضافة إلى الجوار الجغرافي الذي يحتم التعاون بين البلدين واتباع سياسة الجوار المتوازنة لما فيه مصلحة البلدين.
ويبدو أن الأسباب السياسة والاقتصادية هي جوهر الخلاف بين البلدين والمتمثلة فيما يلي:
.استمرار الاحتلال الإسباني لمدينتي سبتة ومليلة والجزر الجعفرية في شمال المغرب
.محاولة السياسة الإسبانية المتصاعدة لتعويض الأهمية الإستراتيجية للمغرب في السياسات العسكرية للولايات المتحدة الأميركية في غرب حوض المتوسط وتهميش المغرب جيواستراتجيا على المستوى الأوروبي والأمريكي
. الإصرار الإسباني على استغلال مناطق الصيد البحري المغربية بدون مراعاة مصالح المغرب الإقتصادية والجيوسياسية
.اتهام المغرب بأنه هو المصدر الأساسي لتجارة المخدرات والحشيش القادم إلى إسبانيا علما بأن هناك مخدرات تأتي لإسبانيا من أمريكا اللاتينية ودول أوروبية أخرى
.الرفض الإسباني لتطوير أي صناعة عسكرية تقوي قدرات المغرب الدفاعية أو أي صناعة نووية للاستعمال السلمي بالمغرب، حيث تضغط إسبانيا بكل الطرق لإلغاء اتفاق المغرب مع الصين لبناء محطة نووية بجنوب المغرب
.استمرار الدعم المالي والسياسي المباشر وغير المباشر عن طريق المجتمع المدني لتنظيم جبهة البوليساريو
.وجود تنافس بين البلدين في الأسوق الأوروبية بخصوص الصادرات الفلاحية المغربية والإسبانية بدون تكافؤ الفرص
.عدم حل بعض مشاكل الجالية المغربية العالقة في إسبانيا
.الرفض الإسباني القوي للمبادرة المغربية الداعية لتشكيل خلية تفكير في مستقبل المدينتين المغربيتين المحتلتين سبتة ومليلة على شاكلة التجربة البريطانية – الصينية في حل مشكلة هونغ كونغ
.رفض المغرب المنطقي لتحمل تبعات الهجرة غير الشرعية المغاربية والأفريقية في إسبانيا
.الخلافات حول حقوق التنقيب على النفط في المجال البحري للصحراء المغربية والذي توجد ضمنه جزر الكناري التابعة لإسبانيا.
من خلال المواضيع المطروحة كنقط خلاف يبدو أن البعد الجيواستراتجي عند الجارة الإسبانية غير مكتمل حسب التحولات الجيوسياسية، على الأقل في سنوات الآخيرة، وسنطرح في هذه القراءة الأبعاد الجيواستراتجية لإسبانيا في علاقاتها مع المغرب كما يلي:
.أن اسبانيا تعتمد في تطور وتنمية اقتصادها على دول الإتحاد الأوروبي علما بأن دول الاتحاد الأوروبي لا تولي اهتماما لإسبانيا كما توليه لدول أخرى في الاتحاد، ويمكن أن نرجع قليلا إلى مواقف الاتحاد الأوروبي ضد اسبانيا في العديد من القضايا، لأن ألمانيا مثلا ترى في إسبانيا مثل دول الاتحاد الأوروبي المتوسطية عالة على اقتصاد الدول القوية في أوروبا.
.أن الاتحاد الأوروبي الذي تعتمد عليه اسبانيا كليا بدأ يتفكك بعد خروج بريطانيا منه، ويبدو أن دول الاتحاد إذا لم تنفصل عمليا فستنفصل اقتصاديا، وهذا توجه جديد في دول الاتحاد الأوروبي القوية لحماية اقتصادها
. أن اسبانيا ليس لها القدرة الاقتصادية لمنافسة دول الاتحاد الأوروبي داخل الاتحاد وخارجه وبالتالي فإن مستقبلها استثماريا واقتصاديا في المغرب وفي أفريقيا وفي دول الجنوب لن يكون إلا عن طريق المغرب
.أن أكثر من 20 دولة من دول الاتحاد تبتعد جغرافيا وثقافيا عن اسبانيا في حين أن الدولة القريبة من اسبانيا هي المغرب، فرجال المطافئ يصلون من المغرب إلى إسبانيا قبل زملائهم من ألمانيا والنرويج
.أن ماتعرفه اسبانيا من مشاكل مستدامة تهددها في مصالحها وأمنها مثل الهجرة والمخدرات والإرهاب لايمكن أن تعالجه دون تدخل قوي للمغرب وتعاون جيواستراتجي محكم معه
.أن دعم جبهة البوليساريو بطريقة رسمية أوغير رسمية سيشجع الحركات الانفصالية داخل إسبانيا وسيجعل من إسبانيا دولة ممزقة وضعيفة
. أنه على المغرب وإسبانيا أن يرسما خريطة جيوسياسية بناء على التحولات الدولية التي تهدف إلى نظام جيوستراتجي جديد ستلعب فيه دول حوض غرب البحر الأبيض المتوسط دورا كبيرا في المستقبل وخصوصا المغرب وإسبانيا.