البقالي: تصريح وزير العدل فيه تغليط للرأي العام.. و”بلوكاج” القانون الجنائي سببه الإثراء غير المشروع لا “الحريات الفردية”
هوية بريس – حاوره: نبيل غزال
1- ما سبب “البلوكاج” الذي عرفه مشروع القانون الجنائي؟
بالنسبة للقانون الجنائي الذي أنهت هيئة العدل والتشريع مناقشته ودخل مرحلة التعديلات، هذا الموضوع ذو أهمية بالغة، باعتبار أنه يتضمن حوالي 84 مادة تتعلق أساسا بمواءمة مشروع القانون الجنائي مع عدد من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وأخص بالذكر اتفاقية مناهضة التعذيب، والاختفاء القسري، والمهاجرين غير الشرعيين، وتعديل عدد من التعريفات المتعلقة بالتمييز، وكذلك إدخال العقوبات البديلة، ومحاربة الفساد، والإثراء غير المشروع، بمقتضيات القانون الجنائي الحالي الذي عمَّر طويلا، والذي يعود إلى سنة 1962م.
الأكيد أن مسلسل مناقشة هذا القانون الذي امتد لأكثر من سنتين بلجنة العدل والتشريع في الولاية الحالية، وتمت مناقشته في الولاية السابقة أيضا، في اعتقادي أن السبب الرئيسي أن مختلف هذه المواد لا تثير إشكالا بين مختلف الفرقاء الحقوقيين، خاصة وأن الجميع يطالب بملاءمة القانون الجنائي مع الاتفاقيات الدولية، لكن السبب الأساسي هو رفض عدد من المكونات لتجريم الإثراء غير المشروع، ولا أدلَّ على ذلك أن التعديلات التي قدمت بخصوص هذه المادة تهدف أساسا إلى إفراغها من حمولتها القانونية ومن قدرتها على محاربة هذه الجريمة.
2- لماذا قرر فريق العدالة والتنمية سحب التعديل الذي تقدم به بمعية فرق الأغلبية بشأن مشروع القانون والإبقاء على الفرع 4 مكرر فقط؟
نحن في فريق العدالة والتنمية كنا منذ البداية حريصين على الاتفاق مع مكونات الأغلبية في إيداع هذا التعديل باسم الأغلبية، وهو الأمر الذي تم من خلال مفاوضات ومشاورات مارطونية، بدلنا كامل الوسع لتقديم تعديلات موحدة وهو ما تمَّ بالفعل فيما يخص 84 مادة، بعضها خضع للتعديل، والبعض الآخر لم نتقدم بشأنه بأي تعديل.
نحن، وبخلاف ما جاء في السؤال، لم نسحب التعديلات مع فرق الأغلبية في جميع المواد، والمادة الوحيدة التي كان لدينا فيها خلاف هي المادة المتعلقة بالإثراء غير المشروع، ذلك أننا تحفظنا على بعض التعديلات المقدمة من بعض فرق الأغلبية وكنا نأمل أن نتوصل بشأنها إلى توافق بعد إيداع التعديلات، لكن النقاش الذي وقع، وردود الأفعال التي وقعت في الاتفاق على تاريخ لمناقشة التعديلات بلجنة العدل والتشريع دفعنا في فريق العدالة والتنمية إلى أن نسحب فقط توقيعنا على التعديلات المتعلقة بالإثراء غير المشروع وتشبثنا بالمقابل بالمادة كما قدَّمتها الحكومة، لأننا نعتبرها أقوى وأقدر على محاربة الفساد والإثراء غير المشروع.
3- ما تعليقك على تصريحات وزير العدل بنعبد القادر بأن الحكومة لم تطلع على مشروع القانون الجنائي الموجود قيد الدراسة بمجلس النواب؟
تصريح السيد وزير العدل فيه كثير من التغليط للرأي العام، أعتقد أن الحكومة الحالية اتفقت في بداية الولاية على ألا تقوم بسحب أي نص تشريعي تم تقديمه خلال الولاية الحكومية السابقة، على اعتبار أن هذه الحكومة، وإن لم تكن امتدادا مائة بالمائة للحكومة السابقة، فإن فيها كثيرا من عناصر الامتداد والمواصلة، كما أن النصوص التي كانت معروضة لدى البرلمان فيها حوالي 35 نصا، أي أن الحكومة قررت مجتمعة في مجلسها الحكومي ألا تسحب أي نص.
وهو الأمر الذي تم فعلا، حيث أن السيد وزير العدل السابق، محمد أوجار، تقدم أمام لجنة العدل والتشريع بالعرض التقديمي لمشروع القانون الجنائي، واستغرق النقاش أكثر من سنتين، من 2016 إلى يوليوز 2019، وكان تفاعل وزير العدل السابق إيجابيا من لجنة العدل والتشريع وكافة الفرق النيابية، والنقاش حول هذا الموضوع كان غنيا ومفصلا جدا.
أما موقف وزير العدل الحالي فنستغرب منه، لأن بنعبد القادر نفسه قدم عددا من النصوص حين كان وزيرا للوظيف العمومية، من ضمنها قانون الحق في الوصول للمعلومة، والطب الشرعي، وغيرها، فالقول بأنه لم يعرض على الحكومة فيه نظر، لأن الحكومة قررت بشكل تلقائي أنها لن تسحب النصوص التشريعية، فكيف بعد مرور ثلاث سنوات من الولاية التشريعية الحالية نتأتي ونقول بأن الحكومة لم تطلع على هذا القانون.
أنا أدعو وزير العدل أن يتفاعل إيجابيا مع التعديلات التي قدمت وأن يعبِّر عن موقفه عند تحديد تاريخ للبث في التعديلات بلجنة العدل والتشريع.
4- هل القانون تطرق لموضوع الحريات الفردية كما تروج بعض المنابر الإعلامية؟
مشروع تعديل القانون الجنائي الحالي، والتي مواده حوالي 84 مادة، لا يتضمن مطلقا أية جريمة من الجرائم المتعلقة بالحريات الفردية، وأقصد رأسا ما يسمى بـ”العلاقات الجنسية الرضائية” أي ما يسمى في القانون الجنائي بـ”جريمة الفساد”، وكذا “الإفطار العلني في رمضان”، أو “حرية الاعتقاد” أو غيرها من الجرائم المنصوص عليها في القانون الجنائي الحالي.
وكما سبق وقلت فالقانون الجنائي الحالي هو رأسا للملاءمة مع الدستور والاتفاقيات الدولية بنفس حقوقي، والذي يزعم أن سبب التأخير هو تضمنه لعدد من مقتضيات الحريات الفردية فهذا محاولة للإيهام والتدليس على الرأي العام.
والقانون لا يتضمن الحريات الفردية، اللهم موضوع الإجهاض الذي كان فيه نقاش وتحكيم ملكي أفضى لوضع خطوط عامة لطبيعة تجريم الإجهاض، والذي بالمناسبة لم يقع اختلاف كبير داخل لجنة العدل والتشريع حول المواد والتعديلات المتعلقة به.
وأقل أن السبب الرئيسي والجوهري للبلوكاج الذي يعرفه مشروع تعديل القانون الجنائي هو الإثراء غير المشروع، وتأخر المغرب في ترتيب مؤشر ملامسات الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية العالمية (Transparency international) سببه تأخر مصادقة البرلمان المغربي على تجريم الإثراء غير المشروع.
ـــــــــــــــــــ
* د.نجيب البقالي: محامي بهيئة الدار البيضاء ونائب برلماني عن حزب العدالة والتنمية.