البنوك التشاركية.. الفكرة والممارسة
هوية بريس – عبد الحليم زوبير
كثيرا ما يعترض البعض على مجرد الحديث عن وجود أبناك إسلامية. مدعيا أن الموضوع ما هو إلا فبركة يتوسل بها أباطرة الاقتصاد لجلب حشود المغفلين والضحك على ذقون العامة. ويبالغ البعض فيرى أن هذه البنوك أكثر جشعا من البنوك الربوية وأن ما تدعيه من الربحية ما هو إلا صورة متقدمة من صور أكل الربا أضعافا مضاعفة.. الخ.
ولا نقصد هنا -بهذا البعض- من يتحدثون هذا الحديث من منطلق عداء مبدئي مزمن لأي تجربة إسلامية يمكن أن تمشي بين الناس.. بل الحديث هنا عن دوي النيات الطيبة الذين يرفعون شعار: أبعدوا طهارة الإسلام عن نجاسة أطماعكم وتعاملوا بالحرام الصريح دون أن تحتالوا عليه بمسميات كاذبة..
وهذه الدعوى لا يستطيع أحد تكذيبها على الإطلاق لأن المنتسبين للإسلام من أول يوم لم يكونوا عند تنزيله في واقعهم على وزان واحد. (فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله). وتجارب المصارف الإسلامية لا تخرج عن هذه القاعدة، فهناك دائما مجال للتلاعب وإيثار الحياة الدنيا.. منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة. وهذه الآية نزلت في سياق جهادي كل المخاطبين بها من الصحابة تركوا أموالهم وأولادهم وراء ظهورهم.. ومع ذلك فالآية تقرر أن قصود الدنيا -والناس في معسكرات الجهاد- لا تخلو منها كثير من القلوب.. فكيف بمن يمارس العمل البنكي في عز التنافس الاقتصادي وضغوط السوق وتطور أنماط التسويق. وتحلل الاستثمار من جل الضوابط الأخلاقية فلا ينتظر من المصارف الإسلامية في ظروف كهذه أن تملأ أسواق الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا لأن مشكلة الأمة لا تكمن في اقتصادها وحسب.
إن القول بأن بعض ملاك المصارف الإسلامية لا يهمهم إلا الربح من حلال أو حرام حقيقة. والقول بأن المصارف الإسلامية تنتقي المنتجات التي تضمن الربح السريع لا التي ينتظرها المواطن منها حقيقة أخرى. والقول بضرورة وجود رأس مال مستقل يرصد لعمل بنكي يأخذ بعين الاعتبار الأدوار التكافلية والاجتماعية للصيرفة الإسلامية حقيقة أيضا.
وبالجملة فإن رأس المال في العالم العربي -في الأغلب الأعم- مملوك لمن لا يحركه أي دافع لإنشاء بنك إسلامي.. وهذا جزء من مشكل عام لا يعالج من زاوية واحدة، لكن هذا الواقع لا ينبغي أن يحجب عنا أفضل ما أنتجه العقل الفقهي الإسلامي المعاصر في مجال الاقتصاد، وتعقيد الإطارات الاستثمارية المطابقة للشريعة الإسلامية مع الفعالية المجربة في تدبير الأموال، والحفاظ على الاستقرار البنكي. وبين أيديها معايير المحاسبة والمراقبة التي تتنافس كبار المصارف الإسلامية في تطويرها.
إن كل الملاحظات التي تشغل بال المهتمين من غير المتخصصين، إما أنها ملاحظات شكلية تحتاج إلى شرح وإزالة سوء الفهم، وإما انها إشكالات فقهية حقيقية فلابد أنها محل نقاش بين العلماء والباحثين في أروقة المجاميع الفقهية، وكما تطورت الفكرة من أحكام فقهية نظرية إلى مؤسسات عاملة، ومعايير دقيقة فإن الأمل -بعد الله تعالى- معقود على الجهود التي يبذلها أهل العلم والخبراء لتحسين خدمات البنوك هذه بما يوافق الشريعة الإسلامية، ويحقق مقاصد المكلفين..
والله من وراء القصد.