التأليف الورقي والإلكتروني وئام لا خصام!
هوية بريس – الصادق بنعلال
1 – يشهد العالم راهنا تقدما مدهشا في الميدان التكنولوجي، إلى حد يعجز فيه المرء عن ملاحقة ما يصدر وبشكل سريع، من ابتكارات جديدة ومتطورة. وفي هذا السياق يعرف مجال النشر الثقافي انعطافة مفصلية لم يشهد الإنسان لها مثيلا من قبل، حيث أصبحنا أمام منافسة شديدة بين كل من الكتاب الورقي التقليدي والكتاب الإلكتروني الجديد. فما هي أوجه الخلاف والتشابه بينهما؟ وما هي الاستراتيجية المثلى والكفيلة بجعلهما أداة كفيلة بإنجاز مهمة التوعية الراقية لدى القارئ الشغوف بعالم الفكر والمعرفة؟
2 – فعلى صعيد المضمون يمكن القول بأن كلا منهما يهدف إلى تحقيق وظائف نبيلة ، تتمثل تحديدا في نشر الوعي الراقي و المعرفة الجادة، و الرفع من مستوى الذوق الفني و الثقافي لدى القارئ ، كما أنهما يتطلبان قدرا كبيرا من الاهتمام و العناية و التركيز، من أجل إدراك أبعادهما و محتوياتهما الدلالية و القيمية، و كل منهما يصاغ نسبيا بأدوات لغوية محكمة البناء، و نسق منهجي مخصوص ، لإيصال الرسالة الإنسانية إلى المتلقي المتعطش إلى المزيد من التبصر بقضايا الإنسان والعالم والكون ، مهما اختلف الكتاب الورقي عن نظيره الإلكتروني من حيث الأشكال التعبيرية: أدب و فكر و علم و دين و سياسة ..
3 – بيد أنهما يختلفان كثيرا على مستوى الصوغ الشكلي ، فلئن كان البحث عن المعلومة في المؤلف الورقي يستدعي بعض الوقت و التنقيب في رفوف المكتبات و فهارسها ، فإن الولوج إلى ميدان الثقافة في مختلف تجلياتها في عصر الكتاب الإلكتروني أضحى غاية في البساطة، وفي متناول كل من يصبو إلى جني ثمار الإبداع البشري الرفيع، كما أن الإبحار في محيط المؤلف الإلكتروني ، يمنح المرء كما هائلا من المعارف القديمة والحديثة بالصوت والصورة عالية الجودة، في لحظة زمنية متناهية الصغر، شريطة أن نحسن استعمال الأدوات التكنولوجية الحاملة للكتب والمؤلفات العديدة، مثل الكومبيوتر و الهواتف المحمولة والألواح الإلكترونية المختلفة الأشكال والأحجام، حتى نتجنب كل الآثار السلبية التي قد تعود علينا بالشر، وتحديدا على مستوى الصحة الجسدية والنفسية والاجتماعية.
4 – وعلى ضوء ما سبق يمكن القول إن الهدف الأسمى الذي يسعى إلى بلورته على أرض الواقع، كل من الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني، رغم الاختلافات الظاهرية، يتمثل أساسا في الدفع بالمعطى الثقافي نحو الأفضل، والعمل الحثيث من أجل نشر القيم الثقافية الراقية، واستنبات مستلزمات الوعي السليم والعقلاني، وتقريب المعارف السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. إلى أكبر قدر من المتلقين عبر كل بقاع العالم، من أجل توسيع دائرة النظر النقدي الرفيع، والمعاينة الراجحة للظواهر الإنسانية، وتحصين المواطنين قدر الإمكان من هيمنة المعرفة السطحية غير المجدية، التي هي بمثابة سياق اجتماعي حاضن قوي لشتى أنواع التطرف دينيا وفكريا وسياسيا.