التدليس في خطاب دعاة تغيير المدونة

19 يوليو 2024 12:09

هوية بريس – أحمد العثماني

قام ملك البلاد مؤخرا بإحالة  مشروع اصلاح مدونة الأسرة إلى المجلس الاعلى العلمي ليقول كلمته النهائية حول تعديله بما يوافق الشرع الاسلامي و مقاصده، و هو المشروع الذي سهرت على إنجازه الهيئة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة، وقد صاحب عمل اللجنة جدل واسع بين التيار الحداثي الذي اعتقد أنها فرصته التاريخية لفرض أرائه على اللجنة مادام أفراده يتحكمون في مؤسسات الدولة من جهة، و من جهة أخرى  التيار المحافظ بتشكيلاته المتنوعة، الذي وجد نفسه مقصيا تقريبا من مؤسسات الدولة  وخاصة الاعلامية منها التي فرضت عليه حظرا مقصودا، ولم تسمح له بالولوج إليها للتعبير عن مواقفه و ارائه و مجادلة التيار الحداثي، ولم يجد أمامه سوى الإعلام البديل ومخاطبة المجتمع مباشرة من خلال المحاضرات و الندوات التي كانت تؤطرها جمعيات المجتمع المدني…

وبالنظر إلى أن  التيار الحداثي هو من فرض الجدل بمواقفه المثيرة للخلاف  فقد ارتأيت ان أتوقف عند بعض مقولاته التي يزعم انها ضرورية لإصلاح المدونة بل تغييرها، لإنصاف المرأة تحت زعمهم وهي وقفة منهجية بالأساس،

فقد لاحظت ان خطاب هذا التيار اعتمد على منهج التدليس في محاولة منه لاستقطاب الرأي العام الى جانبه، و قبل أن أقف على مكامن التدليس في خطابه  فلابد من الوقوف عند تعريف التدليس.  فالتدليس  لغة هو الاخفاء و الكتم،  و اصطلاحا  التدليس في الخطاب هو إخفاء و كتمان قضايا  وإظهار قضايا أخرى ذات قبول لدى المتلقي  وبالتالي إيهام القارئ أن هذه القضايا صائبة لا يعتريها أي عور او فساد، فهو يقوم  بالتمويه على القارئ حتى لا يكشف العور الموجود في نظامه المعرفي  فهو يدخل في دائرة التمويه وتزييف وعي المتلقي،

فالتيار الحداثي في حججه للمطالبة بتغيير مدونة الأسرة  مارس التدليس بطريقة ممنهجة،   ولكشف هذا التدليس لابد من استحضار  مفهوم مركزي في خطابه أو جهازه المفاهيمي حاول اضماره في مطالبه التي قدمها للجنة حتى لا يقع في صدام مع المجتمع  و هو مفهوم الحريات الفردية، الذي من خلال استحضاره سيجعلنا نكتشف التدليس الممارس على القارئ،  و هذا ما سأعمل على توضيحه من خلال القضايا التالية   :

القضية الأولى هي الدعوة إلى  التغيير الشامل لمدونة الأسرة: دعا هذا التيار إلى تغيير شامل لمدونة الأسرة  لتحقيق المساواة المطلقة بين الرجل و المرأة و العدل و الانصاف و التعاون.. ولكن دون تحديد لمفهوم الأسرة حتى نعرف عن أية أسرة يتحدث  وهنا يكمن التدليس. فيتعمد الحديث مباشرة عن القيم التي يدعو إليه مثل المساواة، العدل، الانصاف…  فهو يظهر القيم التي يريدها ويضمر المفهوم،  باعتبارها  قيم  ذات شحنات عاطفية تساعده  في تيسير عملية اقناع عموم الناس بمقترحاته،  وفي نفس الوقت يضمر المفهوم الذي يوضح  جوهر مطالبه والقيم المرتبطة به والهدف النهائي منه.  فعدم تحديد المفهوم يجعل القارئ يتوهم ان هذا التيار يتحدث عن مفهوم الاسرة الشرعي الدارج،  التي يعرفها الجميع، ومقترحاته فقط لإصلاحها و جعلها أكثر فاعلية،   وهنا يكمن كما قلت سابقا  التدليس بإخفاء مفهوم الأسرة عنده. و بالرجوع إلى المنظومة الليبرالية التي ينطلق منها  و باستدعاء  مفهوم الحريات الفردية  يتأكد ان عدم طرحه لمفهوم الأسرة و تركيزه على القيم هي عملية تدليس لإخفاء مفهومه للأسرة الذي يراد ان يسود في المجتمعات.

وبالرجوع إلى الاتفاقيات  الدولية  التي تشكل مرجعا رئيسيا لمطالبه نجد أنها تضع مفهوما  عائما  و سائلا  للأسرة،  فهي تجمع لشخصين وكفى دون تعيينهما،  فمن  الممكن ان يكون امرأة ورجل وممكن ان يكون رجلا و رجل و ممكن أن يكون  امرأة امرأة  ويمكن أن يكون أخا و أختا… بمعنى ان الاتفاقيات الدولية تضع مفهوما سائلا وليس صلبا يحتمل أشكالا متعددة، وهذا ما يناقض المفهوم الشرعي للآسرة التي يعرفها الجميع وهي خلية تجمع بين ذكر و انثى بعد زواج شرعي..  وهنا يتأكد  أن عدم  تحديد هذا التيار للمفهوم عملية مقصودة حتى لا ينكشف جهازه المفاهيمي  أمام الرأي العام والذي يراد من خلاله إعادة بناء المجتمع على أساسه، مجتمع حداثي لا علاقة له بالمجتمع الاسلامي ذو الجهاز المفاهيمي الخاص به.

و للزيادة في حدة التدليس و التمويه بعد تعميته على مفهوم الاسرة انتقل هذا التيار  للحديث  عن  أشكال متعددة للأسرة، باعتبارها مرادفا للمفاهيم المتعددة  للأسرة  الذي تتحدث عنه الاتفاقيات الدولية، بمعنى أن المفهوم متجسد عمليا في المغرب.  فالتدليس هنا واضح من خلال دمجه  للشكل بالمفهوم،  و الحقيقة أن هذه الأشكال ناتجة عن الأصل،  فهي  أحداث استثنائية أصابت  الأسرة، يعني حدث تغير جزئي و استثنائي  على شكل الأسرة  الأصلي  وليس على مفهوم الأسرة، مثلا  في حالة وفاة الوالد تصبح  الأسرة تتشكل من الأم و الاولاد،  أو وفاة الّأم فتصبح  الأسرة تتشكل من الاب و الأولاد،  أو وفاة الوالدين فتصبح الأسرة تتشكل من الأبناء اليتامى فقط و هكذا، وبالتالي هذه الأشكال لا تخرج عن المفهوم الشرعي للأسرة . وبالرجوع إلى مفهوم الحريات الفردية يتأكد أن هذا التدليس المراد منه إيهام المتلقي أنه يتحدث عن الأسرة التي يعرفها وهو في  الحقيقة يضمرون هدف اساسي  هو التغيير الشامل  لنظام الأسرة من نظام قائم على الشروط الشرعية  إلى نظام أسرة قائم على  الإرادة الفردية  التي لا تعترضها أي ارادة خارجية، يتقبل جميع اشكال التلاقي بين اثنين، وتجاوز الشكل الصلب للأسرة الذي يتبناه الاسلام ويدعو إليه.

القضية الثانية هي المرجعية المعتمدة  في إصلاح  مدونة الأسرة: يمارس فيها التيار الحداثي التدليس فهو يزعم أنه يطالب بممارسة حق  الاجتهاد من داخل النص الشرعي  لتغيير قوانين الاسرة من أجل تحقيق المساواة و العدل و الانصاف .. وهي قيم في جوهرها اسلامية،  فيتوهم القارئ ان المرجعية التي يعتمدها في إصلاح المدونة هي المرجعية الاسلامية مع الانفتاح على الاتفاقيات الدولية. لكن الذي يحلل  خطابه سيجد انه يمارس التدليس على القارئ بشكل فج، بحيث يخفي المرجعية المعتمدة عنده في مطالبه لإصلاح الأسرة و هي الاتفاقيات الدولية ذات المرجعية الليبرالية المتوحشة  التي يجب اعتمادها بشكل حرفي في وضع القوانين المؤطرة  للآسرة،  فهي تعلو و لا يعلى عليها، وفي حالة تعارضها مع الاحكام الشرعية فيجب العمل  بالاجتهاد لتكييف النص الشرعي مع الاتفاقيات أو تعطيل النصوص الشرعية  و ليس العكس، و من تم القوانين المنظمة للآسرة في المغرب يجب ان تخضع لها ما دام المغرب صادق على تلك الاتفاقيات، فإذن مرجعيتهم ليس النص الشرعي و الاجتهاد فيه و إنما الاتفاقيات الدولية و هنا يكمن التدليس.

القضية الثالثة هي  الدعوة إلى تجريم  زواج القاصر: يعتبر هذا التيار زواج القاصر ظاهرة سلبية ترقى إلى جريمة  يجب أن يعاقب عليها القانون، فالقاصر مكانها المدرسة و اللعب وليس تحمل مسؤولية أسرة.   ولبناء تدليس محكم ينطلق من مقدمة يعتبرها مسلمة و هي ان هدف الزواج  هو بناء أسرة   والتي  تشكيلها معقد وتتطلب  قدرات لا تتوفر في القاصر، فالزواج هنا هدفه  بناء أسرة و ليس شيئا  آخر،  وبالتالي النتيجة التي يخرج بها القارئ تلقائيا هي عدم السماح بزواج القاصر وتجريمه. والتدليس هنا واضح في الهدف حيث يظهرون  أن الزواح هدفه الاساس هو  تكوين أسرة و يضمر نهائيا هدف  الممارسة الجنسية،  السؤال لماذا تعمد عدم الاشارة للممارسة الجنسية كهدف للزواج ؟ الجواب واضح باستدعاء مفهوم الحريات  الفردية الذي يجعل الممارسة الجنسية حق طبيعي  يمارسه  الفرد متى شاء و في أي فترة عمرية دون ضوابط او عوائق خارجية، فالفتى أو الفتاة عندما تصل الى سن المراهقة لها الحق في إشباع غرائزها الجنسية بأي طريقة شاءت، في حين  ثقافة المجتمع ترى  بأن الغريزة الجنسية  يجب  تصريفها  من خلال قناة وحيدة وهي الزواج، فالزواج هدفه الأساسي هو ممارسة الغريزة الجنسية و اشباعها، فالشاب عندما يقرر الزواج فهو ينطلق من خلفية  ممارسة الغريزة  الجنسية بطريقة شرعية، وتحصين نفسه من الحرام كما هو دارج عندنا ( باغي نتزوج باش نحصن راسي )،  و ما يأتي بعده من أولاد فهو تبع لذلك. فالتدليس هنا واضح في المقدمة عندما تجعل الزواج هدفه تكوين أسرة و ليس ممارسة الجنس.

فرؤيتهم للجنس  تتصادم مع الرؤية الاسلامية وبالتالي مع المجتمع الذي لن يقبل ذلك، ولتجنب الصدام معه  تم اللجوء لتدليس من أجل تمرير ذلك بطريقة ذكية، فالفتاة تمنع قانونا من الزواج ولكن لا تمنع من ممارسة حقها الطبيعي  في الجنس بل على الدولة أن تضمن لها  ذلك و توفر الشروط الصحية للفتاة من خلال التربية الجنسية، واذا أردنا أن نضع الامر في معادلة مختصرة  تكن كالتالي  :

– ممارسة القاصر للجنس من خلال الزواح جريمة

– ممارسة الجنس خارج الزواج حق طبيعي.

واذا ذهبنا مع رؤيته في اتجاه متقدم نصل إلى نتيجة مهمة هي  مرحلة الحمل و الإنجاب،  فالفتاة القاصر عندما تمارس الجنس يمكنها ان تحمل سواء في حالة الزواج او خارح الزواج، إلا أن  حملها و إنجابها  في إطار الزواج هو جريمة في حق الفتاة القاصر التي لا  زالت لم تصل إلى مرحلة تحمل المسؤولية و القدرة على تربية الأطفال، فبدل أن تدرس و تلعب  تجد نفسها تتحمل مسؤولية غير مستعدة لها و هذا عين الإجرام. في المقابل ممارسة الفتاة القاصر  للجنس خارج إطار  حق طبيعي للفتاة القاصر  لا يجب أن يعترض عليه أحد لأنها من الحقوق الفردية، و اذا حدث و أصبحت الفتاة حامل ثم أما فإن الدولة يجب ان تتحمل مسؤوليتها بالاعتراف بمفهوم الأم العازبة، و التي يجب ان توفر لها جميع شروط الحياة الكريمة و ظروف ملائمة لتربية ابنها تربية سليمة، و هنا تصبح الفتاة لها القدرة على تحمل مسؤولية أسرة بدون إشكال … فيتأكد لنا أن هدفه  ليس حماية الفتاة القاصر و انما التمكين لقيم غريبة عن المجتمع من خلال سن هذا القانون .

القضية الرابعة  هي  ضرورة تغيير منظومة الإرث: يدعوا هذا التيار إلى تغيير منظومة الإرث في  اتجاه تكريس المساواة المطلقة بين الذكر و الأنثى  بإلغاء مبدأ للذكر مثل حظ الاثنين ومبدأ التعصيب،  ووجه التدليس  يكمن في إضمار النموذج الإرثي المراد تطبيقه و إبراز  قيمة المساواة،  ولكشف ذلك  لابد  من الوقوف عند  رؤيتهم لماهية المال بمعنى من هو صاحب المال الأصلي، ففي الرؤية الاسلامية المال مال الله و الانسان مستخلف عليه و التصرف فيه يجب ان يخضع للضوابط الشرعية من خلال دائرة الحلال  و الحرام و بالتالي ليس له الحق في التصرف المطلق كيف شاء في حياته  و بالأحرى بعد مماته .   اما في الرؤية الليبرالية فالمال مال صاحبه يفعل فيه ما يشاء أثناء حياته وبعد مماته، فمادام هو صاحب المال الأصلي فله الحق في التصرف المطلق  في ماله، فاذا كان القانون ينص على المساواة في الارث  فيمنحه في المقابل  الحق المطلق في  الوصية، حيث للمالك الحق أن يوصي بتركته لمن يشاء، هنا يصبح توزيع التركة خاضع للإرادة الفردية، فيصبح توزيع التركة خاضع لإرادة الهالك وليس للشرع ولا حتى للقانون المراد  تطبيقه، فاذا كان توزيع التركة في المنظور الاسلامي خاضع  للإرادة الربانية التي اقتضت تقسيم الارث بتلك الطريقة، والجميع له حقه المعلوم حسب درجة القرابة  تحقيقا لمقصد العدل، فان توزيع التركة في الرؤية الليبرالية تخضع لإرادة الفرد، فإذا أراد أن يترك التركة للورثة يوزعونها حسب القانون فله ذلك وإذا أراد أن  يوزعها من خلال الوصية فله ذلك أيضا، فيصبح من حقه أن يوصي بماله كله لمن شاء و حرمان الباقي  منه  فمثلا يوصي بماله لجمعية أو خليلة أو حيوان  أو أحد الابناء  كما هو معمول به في الدول الغربية… و بهذا ينتفي مبدأ المساواة و يتكرس مبدأ اللامساواة و الظلم.،

والتدليس الاكثر وضوحا هنا هي المرجعية المعتمدة في تغيير الإرث فيظهر أن دعاواه جاءت استجابة لحاجات الواقع و إعمالا لمبدأ الاجتهاد من داخل النص الشرعي، أي المرجعية هي  النصوص الشرعية  التي تخضع لعملية الاجتهاد الشرعي،  و يضمر المرجعية الحقيقة وهي الاتفاقيات الدولية، فالقارئ المتفحص سيجد ان مطلبهم هذا إنما هي ترديد   لمطالب المؤسسات الدولية التي تعمل على فرض بنود  الاتفاقيات الدولية ذات الصلة. وطريقته في  معالجته لقضية الارث تقوم على التبسيط  في موضوع   يعتبر منظومة نسقية مركبة لا يفيد معها منهج التبسيط و الاختزال، فالارث في الاسلام  يرتبط بدرجة القرابة و بالإقبال على الحياة أو الإدبار و  حفظ النسب ومرتبط بالوظائف و الواجبات الملقاة على عاتق الاخوة و الاخوات و الاقارب،   فالذكر مثلا مكلف وجوبا بالإنفاق  على الاسرة من الوالدين الى الاخوات والعمات و الخالات  وتشكيل أسرة و الانفاق عليها، والأعمام و الاخوال مكلفون برعاية اليتامى من اخوانهم او اخواتهم  و هكذا،  و في المقابل  المرأة معفية منها  وغير مكلفة بذلك، و في فلسفة التشريع هناك فرق كبير بين الواجب او الفرض وبين الاعفاء  أو ما يسمى بدائرة العفو، فالبنت معفية من الانفاق  و اذا أرادت فعل  ذلك فتطوعا  منها فقط وليس إلزاما لها، فقاعدة  الوجوب لا تلغيها حالة  الاستثناء أو التطوع ،، فاذا اردنا ان نأخذ بمبدأ المساواة فيعني ذلك تغيير فلسفة الانفاق بالكامل حيث يصبح الذكر و الانثى كلاهما خاضع لمنطق الفرض . وباستحضار مبدأ الوجوب و الفرض  الذي يلزم الرجل ودائرة العفو الذي تتمتع به المرأة  يمكن فهم فلسفة الإرث في الاسلام، باعتباره  منظومة معقدة، لا يمكن التعامل معه بتلك الطريقة الكاريكاتورية المخلة بأبسط أبجديات البحث العلمي،

القضية الخامسة وهي  الاستناد في مطالبه على معطيات الواقعية :  يؤكد هذا التيار على أن مطالبته  بتغيير المدونة يستند على معطيات واقعية تفرض ذلك، مثل  زواج القاصر و التعدد والمساواة في الإرث… فهو يزعم  اعتماده على معطيات الواقع و لكن يضمر الاحصائيات التي تثبت ذلك او تنفيه و هذا عين التدليس . فمثلا  في حديثه عن زواح القاصر يؤكد أنها ظاهرة سلبية و منتشرة في المجتمع  تستدعي تدخل الدولة لوقفها، ولكن إذا أخذنا المعطيات الاخصائية نجدها  تثبت ان نسبتها ضعيفة جدا و لا تشكل ظاهرة ولو بسيطة،  وهذه النسبة  مرتبطة بأوضاع اجتماعية  قاهرة تفرض ذلك الزواج،  فإذا أخذنا اخر استبيان قامت به النيابة العامة  حول زواج القاصرات نجد أنها  أكدت  على أن نسبتها  ضعيفة جدا لا تتعدى 7  %  حاليا، وأن غالبيتهن انقطعن عن الدراسة و يعانين من الهذر المدرسي، و بالتالي الزواج لم يكن سببا في انقطاعهن عن الدراسة كما يدعي هؤلاء، كما أن فقر بعض الأسر- خاصة في العالم القروي- يجعل الفتاة تفضل الزواج حتى تخفف العبء  عن الأسرة و بحثا عن ظروف عيش أفضل، ثم حالات  عديدة عاطفية تنشأ بين الفتاة والشاب اللذين يرفضان ممارسة الزنا و يفضلان  العلاقة الشرعية. و بذلك يتأكد ان زواج القاصر ليست ظاهرة و انما حالات معزولة يفرضها الواقع ولا يمكن مواجهتها بالمنع و انما ايجاد حلول لتغيير ذلك الواقع.

والحالة الثانية التعدد  الذي طالب هذا التيار  بإلغائه وشن عليه حملة هوجاء  باعتباره ظاهرة واقعية  مستشرية يجب القضاء عليه، لكن الاحصائيات تثبت عكس ذلك فنسبتها متدنية لا تتجاوز 0.6 %   حسب التقرير الاخير للمجلس الاعلى للقضاء فهي  حالة استثنائية جدا  لا تشكل ظاهرة و مرتبطة  بظروف معينة تستدعي ذلك ..

وفي المقابل نجده لا يلتفت  اطلاقا لظوهر  سلبية، أكثر خطورة، منتشرة في المجتمع،   فالإحصائيات  تتحدث عن ظاهرة مستشرية في المجتمع وأصبحت تشكل واقعا مريرا هي ظاهرة العنوسة و التي وصلت إلى 40 % حسب احصائية المندوبية السامية للتخطيط، فقد أكدت أن نسبة العنوسة مرتفعة بشكل مهول،  بحيث أصبحت أكثر من ثمانية ملايين فتاة بدون زواج،  و هذه مشكلة اجتماعية حقيقية وواقعية يجب معالجتها، بيد أن  هذا التيار لا يعيرها  أي اهتمام، لأن منظومته الفلسفية لا تعتبرها إشكالا مادام  الغريزة الجنسية يمكن ممارستها بأي طريقة كانت مادامت حقا فرديا  ليس شرطه الزواج. لكن في منظومتنا الثقافية  تعتبر العنوسة مشكلة حقيقية، لذلك يجب البحث لها عن حلول من بينها تشجيع التعدد وليس منعه، بمعنى أن معطيات الواقع تفرض تخفيف القيود عن التعدد باعتبار الزواج حق لكل فتاة، مادام ان الغريزة الجنسية لا يمكن ممارستها الا في اطار الزواج.

و خلاصة القول ان التيار الحداثي عندما يطالب بتغيير المدونة ليس منطلقه حاجات الواقع و ما يفرضه من شروط الاجتهاد لتغيير الاحكام، و انما تصورات معرفية ايديولوجية مرتبطة بنسق فكري مغاير لمنظومتنا الفلسفية، تسعى الى بناء نظام اجتماعي جديد على اسسها شبيه بالنظام الغربي،  و لتحقيق ذلك يمارس عملية التدليس الفاحش فيما يتعلق بالمرجعيات و المفاهيم و معطيات الواقع. اذن الصراع ليس بين من يريد تحقيق المساواة و العدالة في الأسرة ومن يرفضها و إنما صراع بين من يريد إعادة بناء نظام اجتماعي مندمج بشكل اعمى في العولمة الليبرالية المتوحشة و بين من يعمل للحفاظ على نظامه الاجتماعي الاسلامي و تطويره انطلاقا من الشرع و التجربة البشرية، حتى يتمكن الصمود في وجه العولمة و يكون بديلا للنموذج الليبرالي المتوحش.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M