التصعيد المصري تجاه “إسرائيل”.. دوافعه وخلفياته
هوية بريس- محمد زاوي
الشيخ علي جمعة، وهو من هو في انتمائه الأزهري ومشيخته الشاذلية، يفوض الرئيس المصري مسؤولية التصرف في حماية أمن مصر وسيادتها؛ بل هاجم الكيان الصهيوني وقال إنه “شاخ وأصبح يعاني من الزهايمر” ودعا الجيش المصري إلى الصمود والاستعداد، بعد أن وجه التحية إلى المرأة الفلسطينية وصمودها.
شيخ الأزهر، أحمد الطيب، ذو السمعة الوازنة مصريا، وعربيا وإسلاميا، يدعو إلى نصرة فلسطين وأهالي غزة… يوجه خطابه بوضوح للشعوب والحكام، فيتحرك معه كل الأزهر في نصرة تمتح من “التأويل الكفاحي للدين”.
الكنيسة القبطية الأرثودكسية، بقيادة البابا تواضروس الثاني، أدانت في بيان لها “العنف الإسرائيلي غير المبرر ضد الفلسطينيين الأبرياء، والذي بلغ ذروة قاسية بقصف المستشفى المعمداني في غزة”، كما أكدت “موقفها الثابت ضد إراقة الدماء الزكية في كل مكان وعلى كل جانب، ودعمها الكامل لحقوق الشعب الفلسطيني في العيش الآمن داخل أراضيهم”.
وساند “حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي” (حزب يساري قومي) الشعب الفلسطيني في معركته للحصول على حقوقه الوطنية كاملة، كما أدان العدوان الصهيوني على قطاع غزة والفلسطينيين، مشددا على “رفضه تهجير الشعب الفلسطيني خارج أراضيه”، ومحذرا من “تصفية القضية الفلسطينية” بهذه الكيفية.
حزب النور، ذو المرجعية السلفية، يؤكد التزام مصر بالدفاع عن “حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، وحق كل فرد فلسطيني في أرضه وبيته ومزرعته وكل ما يملك، لا ينقل عنها ، ولا يجبر على تركها في داخل فلسطين فضلا عن خارجها، وحق الشعب الفلسطيني في دولته الفلسطينية التي يحكمها بنفسه”.
أما الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، فقد تحدث بوضوح في ندوة صحفية جمعته بالمستشار الألماني، وقال إن “تهجير الغزيين إلى سيناء محفوف بالمخاطر ويغامر بسيادة مصر، وعلى إسرائيل أن تنقل المدنيين الغزيين إلى صحراء النقب بدل سيناء، ثم ترجعهم إلى قطاع غزة بعد انتهاء مهمتها في القضاء على المقاومة”!
وهنا يجب طرح السؤال: ما سر هذا التصعيد المصري تجاه “إسرائيل”؟
طبعت مصر الدولة مع الكيان الصهيوني منذ توقيعها على اتفاقية كامب ديفيد (1978)، إلا أن مصر الشعب لم تخسر مناعتها تجاهه. لقد حافظت على هذه المناعة لهذا اليوم ومثله من الأيام، حيث تكون الدولة في حاجة إلى صمام أمان، إلى قوة شعبية ومؤسسات مجتمعية، تعلن النفير لحماية سيادتها المهددة!
ومهما تقدمت الدولة المصرية في علاقتها بالإسرائيلي، أبقت في المجتمع على رموز دينية (إسلامية ومسيحية) ويسارية تكن العداء للكيان الصهيوني؛ بمرجعية دينية تعتبر الكيان الصهيوني خطرا على المقدسات في القدس، وبمرجعية يسارية ترى في “إسرائيل” كيانا وظيفيا يخدم الطغمة المالية والإمبريالية العالمية. من المعاصرين، أحمد الطيب وتواضروس الثاني مثال للنموذج الأول، والمرحوم رفعت السعيد (يساري قومي/ حزب التجمع) مثال للنموذج الثاني.
هذه نماذح لشخصيات فاعلة في المجتمع، لكنها غير مقطوعة الصلة بالدولة وأجهزتها، تحافظ الدولة على رمزيتها في المجتمع مهما بلغ الخلاف بينهما (مثال: خلاف شيخ الأزهر والسيسي مؤخرا)؛ وعندما تقتنع بتوجيه من الدولة أن المصالح الاستراتيجية لدولة مصر في خطر فإنها تلبي النداء وتخرج مستثمرة رمزيتها وشعبيتها (المصانة) للدفاع عن سيادة مصر بلا هوادة وبخطاب واضح!
خطابات شتى، شعارات شتى؛ والأصل مصلحة مصر وسيادتها، فمصر لا تقبل تصفية قطاع غزة على حساب مصلحتها.. صحيح أن في هذا الصمود المصري يجسد وقوفا في وجه الكيان الصهيوني لمصلحة القضية الفلسطينية، حتى لا تتكرر النكبة في سياق جديد؛ إلا أن الأصل فيه هو “سيناء خط أحمر.. وسيادة مصر خط أحمر.. وإلا سنعود إلى شروط ما قبل كامب ديفيد”!
لما تصبح مصلحة مصر مهددة، تنصهر كل الشعارات في خطاب واحد وتعزف لحنا واحدا… مواجهة الإمبريالية، حقن الدماء الزكية، نصرة المقاومة، إنقاذ الأقصى، الدفاع عن المصالح القومية العربية… شعارات وأهداف نبيلة، تحتها يجب البحث مليا عن الهدف الأكبر والاكثر ارتباطا بمصلحة مصر: السيادة على كامل التراب المصري..
قد يتحجج البعض بالنصرة المصرية حتى قبل طرح مسألة “التهجير إلى صحراء سيناء”.. فنجيب: كثيرا ما يتحقق الآجل بالعاجل فيكون حفظ النصرة واجبا، ولمصر حدود كبرى بها تصبح معنية بما يقع في غزة وفلسطين..