التضييق على المنبر وفتح المجال للميوعة.. سياسة دينية تُربك ثقة المغاربة

06 سبتمبر 2025 20:50

التضييق على المنبر وفتح المجال للميوعة.. سياسة دينية تُربك ثقة المغاربة

هوية بريس – متابعات

أثار قرار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القاضي بتوقيف الدكتور مصطفى قرطاح، خطيب مسجد الغفران بالقنيطرة، موجة واسعة من الاستياء داخل الأوساط الدينية والفكرية والشعبية. ويأتي هذا القرار امتدادا لسلسلة من التوقيفات التي طالت كوكبة من الخطباء والعلماء المعروفين باعتدالهم وارتباطهم بقضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

أصوات غاضبة

الدكتور محمد عوام، الباحث في أصول الفقه ومقاصد الشريعة، اعتبر أن توقيف الخطباء لمجرد الدعاء لفلسطين هو “انخراط مباشر في الحرب القذرة على غزة”، واصفا الوزارة بأنها باتت تؤدي وظيفة “حارس أمني على الخطب ينوب عن إسرائيل”. وأضاف أن التضييق على الأئمة في قضايا أخلاقية ووطنية، مقابل التساهل مع موجات الميوعة والانحلال، يشكل انقلابا على ثوابت المملكة.

من جهته، عبّر عدد من مرتادي مسجد الغفران عن صدمتهم من القرار، مؤكدين أن الدكتور قرطاح كان أقرب إلى هموم الناس، حاضنا لمشاكلهم الاجتماعية، وداعمًا لقضية فلسطين في خطبه.

وأوضح الناشط الدعوي إبراهيم العوفي أن هذا التوقيف يمثل ضربة موجعة للمصلين، إذ كان خطيبهم مرجعا دينيا وروحيا، رسّخ علاقة قوية بين أفراد الحي عبر منبر الجمعة.

الدكتور رشيد بنكيران علق بتدوينة جاء فيها: “فليُسجَّل إذن في سجلات التاريخ أن وزارة الأوقاف – التي يفترض أنها حارسة للدين – أبدعت نظرية جديدة: الدين بخير ما دام ساكتا، أما إذا نطق بلسان الحق فلابد من إسكاته.”

هذه الكلمات تعكس بجلاء حجم السخط الذي يعتمل في نفوس عدد من العلماء والدعاة، الذين يرون أن سياسات الوزارة الحالية تسعى إلى تحييد المنابر عن قضايا الأمة، وتجعل من الصمت بديلا عن النصرة والبلاغ المبين، الأمر الذي يضع الوزارة في مواجهة مباشرة مع وجدان المغاربة وتاريخهم الديني والوطني.

خطب بلا روح

الجدل الدائر يعيد إلى الواجهة انتقادات سابقة لسياسة الوزير أحمد التوفيق في تدبير الحقل الديني. فقد سبق أن اتُّهم بتكريس خطبة موحدة باردة، تفتقر إلى الروح والتفاعل مع قضايا المجتمع، إلى درجة أن بعض العلماء شبّهوا الخطباء في ظل هذه السياسة بأنهم باتوا بحاجة إلى إذن من مهرجانات ومؤسسات غير دينية قبل صعود المنابر.

كما لم يسلم الوزير من انتقادات حول خطابه الفوقي في التعامل مع العلماء والخطباء، ونعته لهم بصفات مثل “الخوارج والمشوشين والمرضى”، إضافة إلى إثارته جدلاً فقهيا حين اعتبر أن فوائد البنوك ليست ربا، وهو تصريح أثار امتعاضا واسعا وطرح تساؤلات حول مدى انسجام المؤسسات الدينية مع المرجعية الشرعية المتوارثة.

خطر فقدان الثقة

هذا التوجه في تدبير الشأن الديني، بحسب مراقبين، يهدد بثلاثة مخاطر رئيسية، أولها: فقدان الثقة في المؤسسات الدينية الرسمية، خاصة مع ربط القرارات بتوجهات سياسية أو ثقافية مثيرة للجدل.

وثانيها؛ فتح الباب أمام البحث عن بدائل دينية خارج الأطر الرسمية، عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومنصات غير خاضعة للرقابة، ما يعمّق ظاهرة الفتاوى غير المؤطرة.

وثالها: إضعاف مكانة المنبر باعتباره فضاء لتوجيه المجتمع نحو قيم الدين والوطن، وتحويله إلى مجرد منصة للتلاوة الميكانيكية دون تفاعل مع قضايا الأمة.

خاتمة

توقيف الدكتور مصطفى قرطاح لم يكن حدثا معزولا، بل يأتي في سياق سياسة عامة تقودها وزارة الأوقاف منذ سنوات، تقوم على ضبط شديد لخطاب المنبر، حتى وإن كان ذلك على حساب التفاعل مع أولى قضايا الأمة، وفي مقدمتها فلسطين.

وفي الوقت الذي يتضامن فيه أحرار العالم مع غزة، يجد المغاربة أنفسهم أمام مشهد مثير للاستغراب: خطباء يُعزلون لأنهم دعوا للمستضعفين، ووزارة تُتهم بأنها تُقايض الأمن الروحي للأمة بخطاب رسمي جامد، ما يفتح نقاشا واسعا حول مستقبل المؤسسة الدينية في المغرب وعلاقتها بالمجتمع.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
19°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة