“التطهير العرقي” من غزة إلى أراكان.. “الاحتلال” هو العنوان (تقرير)
هوية بريس – وكالات
أعادت الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة وخطط تل أبيب لتهجير الغزيين إلى الأذهان مأساة مسلمي الروهنغيا في ميانمار.
فبالنظر إلى أبعاد الأزمتين لا سيما البعد الاقتصادي، نجد أن هناك تشابها في الحالتين، من حيث أن كلا الشعبين تعرضا “لإبادة جماعية” ومحاولات تهجير متعمد للسيطرة على أراضيهم وتطوير مشاريع اقتصادية فيها تخدم مصلحة المحتل فقط وحرمان السكان الأصليين من حقوقهم فيها، إذ أن كليهما يتربعان على ثروات هائلة يمكن أن تنهض بالشعبين.
فمنذ عقود، تواجه أقلية الروهنغيا المسلمة في ميانمار جرائم وفظائع وحشية على أيدي السلطات العسكرية والمليشيات البوذية، وفق الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية، كحال الشعب الفلسطيني الذي يعاني منذ عقود جرائم حرب وفصل عنصري على يد سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
تعمقت أزمة الروهنغيا عام 2017، مع بدء ارتكاب سلطات ميانمار “أعمال إبادة جماعية وتطهير عرقي” بحقهم، ما تسبب في فرار مئات الآلاف منهم إلى الجارة بنغلادش للنجاة بأرواحهم، وصنفتهم الأمم المتحدة “الأقلية الدينية الأكثر اضطهادا في العالم”.
وفي 2018، شدد تقرير دولي صادر عن بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق في ميانمار على ضرورة مقاضاة كبار الجنرالات في ميانمار، بمن فيهم القائد الأعلى مين أونغ هلينغ، باتهامات ارتكاب الإبادة الجماعية في إقليم أراكان، وهو ما نفته السلطات الميانمارية.
أبعاد أزمة الروهنغيا
أساس الصراع في ميانمار يكمن في إقليم أراكان غربي ميانمار، الذي كان المسلمون يشكلون أغلب سكانه، وهي منطقة غنية بالموارد الطبيعية، كالغاز والنفط.
ورغم وفرة موارده الطبيعية، يعتبر أراكان واحدا من أكثر أقاليم ميانمار فقرا، حيث يعيش 78 % من سكانه تحت خط الفقر، بحسب البنك الدولي.
أرادت سلطات ميانمار السيطرة تماما على الإقليم وطرد مسلمي الروهنغيا منه، لإفساح المجال أمام الاستثمار الخارجي، خاصة أن لديها العديد من المشاريع الاقتصادية في هذا الإقليم.
وتعد الصين في مقدمة الدول التي تستثمر في ميانمار، خاصة بمجال الطاقة.
وفي أبريل 2017، اتفقت الصين وميانمار على مد خط أنابيب مزدوج (نفط وغاز) عابر للحدود من ميانمار إلى جنوب شرقي الصين.
وذكرت وسائل إعلام غربية أن هذا الخط من شأنه أن يسمح لبكين بتنويع خطوط الإمداد بالنفط، وتقليل اعتمادها على بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه.
وكل سفينة قادمة من الشرق الأوسط للصين يجب أن تمر عبر مضيق ملقة (بين شبه جزيرة ماليزيا وجزيرة سومطرة الإندونيسية) الخاضع للنفوذ الأمريكي، لذا تريد الصين بديلا لها عن هذا المضيق، والبديل هو أراكان.
وانطلاقا من أهمية أراكان في المشاريع التنموية الاقتصادية، يمكن تفسير سبب إقدام ميانمار على تهجير الروهنغيا من أراضيهم، وحرق قراهم، لإعادة بناء مشاريع عليها.
حتى الدعم الصيني لميانمار في قضية أراكان سببه المصالح التي تربط البلدين الآسيويين، حيث تريد بكين أن تصبح ميانمار منفذا لها إلى الشرق الأوسط.
حرب غزة
يعيش في قطاع غزة نحو 2.4 مليون فلسطيني يعانون حتى من قبل الحرب الراهنة من أوضاع كارثية، جراء حصار إسرائيلي مستمر للقطاع منذ أن فازت “حماس” بالانتخابات التشريعية في عام 2006.
ومنذ 7 أكتوبر 2023، يشن الجيش الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة خلّفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة”، وفقا لسلطات القطاع والأمم المتحدة.
وتواجه إسرائيل دعوى قضائية قدمتها جنوب إفريقيا لمحكمة العدل الدولية (في مدينة لاهاي الهولندية) متهمة إياها بارتكاب “جرائم إبادة جماعية” في غزة، وهو ما تنفيه تل أبيب.
الممارسات الإسرائيلية ضد القطاع من تدمير ممنهج للبنى التحتية وأحياء بأكملها وتدمير للمساجد والمشافي والمواقع الأثرية ودعوات التهجير تعيد إلى الأذهان ما ارتكبته السلطات العسكرية في ميانمار في أراكان التي كانت تهدف إلى إقامة مشاريع تنموية واقتصادية في المواقع التي دمرتها والقرى التي حرقتها في الإقليم المطل على خليج البنغال.
حلمت إسرائيل بإيجاد بديل عن قناة السويس، الممر الملاحي الأكثر اهمية في حركة التجارة العالمية والذي يستحوذ على حوالي 10 بالمئة من حجم التجارة العالمية، و100 بالمئة من إجمالي تجارة الحاويات المنقولة بحراً بين آسيا وأوروبا.
البديل المنافس الذي تطمح له إسرائيل هو مشروع قناة بن غوريون والذي يهدف إلى إنشاء قناة تربط البحرين الأحمر والمتوسط، تكون منافسة لقناة السويس بسبب قرب المسافة بين إيلات والبحر المتوسط.
أُطلق اسم بن غوريون على مشروع القناة تيمّناً باول رئيس وزراء دافيد بن غوريون الذي يعتبر مؤسس الدولة الإسرائيلية.
ويقول مراقبون إن إسرائيل تعتزم منذ سنوات تنفيذ مشروع القناة لكنها تفشل بسبب تكلفته الباهظة التي لا تغطي الايرادات المتوقعة منه إلا في حالة واحدة فقط وهي الاستيلاء على غزة كاملة.
وبحسب الصحفي والكاتب البريطاني، يفوني ريدلي، “ربما تكون غزة تقف في طريق المسار المقترح للقناة الثانية الرئيسية في المنطقة”.
وقال في مقال رأي إن “الشيء الوحيد الذي يعرقل إحياء فكرة المشروع الجديد هو وجود الفلسطينيين في غزة”.
ووفق الخبير الاقتصادي، عاطف قبرصي، وهو الأمين العام السابق بالوكالة، للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، فإن “الهدف من حرب إسرائيل على غزة والفلسطينيين هو اقتصادي وسياسي، وليس سياسي فقط”.
وقال للأناضول إن “إسرائيل تفكر في منع الفلسطينيين من استغلال الغاز الذي يتواجد بكثافة مقابل البحر في غزة (في إشارة إلى حقل غزة مارين)”.
وزاد: “كما أنها تريد أن تستعيض عن قناة السويس بقناة بن غوريون، وهي لا يمكن أن تكون فعالة ومريحة وموجودة إلا إذا تمكنت من تفريغ غزة من شعبها.. إسرائيل تحاول إفراغ غزة حتى تتضمن إنشاء هذه القناة”.
وسبق أن وجّه عضو المجلس السياسي الأعلى في اليمن، محمد علي الحوثي، رسالة لمصر بعد استهداف سفينتين إسرائيليتين في البحر الأحمر، أكد فيها أن مشروع الاحتلال الإسرائيلي لإنشاء قناة بن غوريون، “بات من الماضي”.
وقال الحوثي عبر صفحته على “إكس، في ديسمبر الماضي: “بفضل الله… بعد عمليات البحرية اليمنية نصرة لغزة نقول للأخوة الاشقاء المصريين: حلم الكيان المحتل بشق قناة بن غوريون بات من الماضي”.
إن إنشاء بديل عن قناة السويس سيخوّل اسرائيل السيطرة على خطوط الملاحة الأهم عالمياً لتصبح الموانئ الإسرائيلية، حلقة الوصل بين آسيا وأوروبا. وتصبح مصالح الدول المصدّرة للنفط والغاز مرتبطة بالحفاظ على مصالح اسرائيل.
وما يميز مشروع قناة بن غوريون عن قناة السويس أنه لن يعتمد على ممر بحري واحد تبحر عبره السفن من اتجاه إلى آخر، بل ستقوم إسرائيل بحفر قناتين مستقلتين، واحدة من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، والثانية من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر. وبالتالي ستتقلّص فترة عبور السفن.
وتعود فكرة المشروع إلى ستينيات القرن الماضي عندما اقترحت الولايات المتحدة في مذكرة -رفع عنها السرية- استخدام المتفجرات النووية لإنشاء القناة عبر صحراء النقب، مضيفة أن “قناة بمستوى سطح البحر عبر إسرائيل تبدو ضمن نطاق الجدوى التكنولوجية”.
المصدر: وكالة الأناضول.