التعليم الأصيل.. وزارة الأوقاف تجبر الأساتذة على توقيع عقود لا علاقة لها بقانون الشغل
هوية بريس – متابعات
«حرصنا على تأهيل المدارس العتيقة، وصيانة تحفيظ القرآن الكريم، من كل استغلال أو انحراف يمس بالهوية المغربية مع توفير مسالك وبرامج التكوين، تدمج طلبتها في المنظومة التربوية الوطنية، وتجنب تخريج الفكر المنغلق، وتشجع الانفتاح على الثقافات» خطاب ملكي/2004.
تعليم «عتيق» أم تعليم «أصيل»
خصص الميثاق الوطني للتربية والتكوين، في دعامته الرابعة، بضعة سطور للتعليم الأصيل، تاركا للوزارة الوصية حرية تنفيذ توصياته، علما أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ما تزال لا تعترف باسم «الأصيل» وتصر، في المقابل، على تسمية «العتيق»، مع الاختلاف المفهومي الكبير بين الكلمتين، بشكل يجعل هذا التعليم خارج أولويات النقاش الوطني الذي انخرط فيه المغرب، الرسمي والشعبي، لإصلاح التعليم. وعلى الرغم من الإجراءات التي تم القيام بها لإلحاق مجموعة من المؤسسات بنظام التعليم المعتمد في التعليم العمومي، وما يفترضه ذلك من تنظيم للمدخلات والمخرجات والآفاق والشواهد وغير ذلك، فإن هذا التعليم ما يزال رهين المبادرات الشخصية والإحسانية على مستوى خلق المؤسسات وتسييرها، ورهين تصور «عتيق» للمناهج والمواد الدراسية.
وذكرت “الأخبار” في قراءة سريعة لكل أنواع التشخيص التي خضعت لها منظومة التربية والتكوين هذه السنة، سواء التي قام بها المجلس الأعلى للتربية والتكوين أو وزارتا التعليم العالي والمدرسي، فإن الحيز الذي أعطي لهذا التعليم في النقاشات يظل ضعيفا جدا، إن لم نقل منعدما، علما أن إصلاح المدرسة المغربية يجعل المسألة الدينية في قلب هذا الإصلاح، لكون المناهج الدراسية في كل مستويات التعليم المدرسي مايزال الدين الإسلامي إحدى المرجعيات التي يُعتمد عليها، حيث يستمر التلميذ المغربي في تلقي «تربية إسلامية» خلال الـ12 سنة التي يقضيها في التعليم المدرسي، إلى حين حصوله على شهادة الباكلوريا.
وعلى الرغم من تمثيلية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في المجلس الأعلى للتربية والتكوين، فإن الوزير أحمد التوفيق ليس عضوا في أي لجنة دائمة من لجان المجلس وكأن المجلس غير معني بالنقاش حول التعليم الأصيل، وهذا يعكس، في حد ذاته، خللا في فهم الأدوار المهمة التي يمكن أن يقوم بها هذا التعليم في صيانة هوية الأمة من الفتن المذهبية والدينية، كما أن الاهتمام بإعطاء الأهمية للشغل في كل أشغال لجان المجلس يعكس مقاربة أحادية لمشكلة التعليم، إذ ما قيمة تخريج مهندس أو تقني نشيط، إذا كان سيضع معارفه وكفاياته في خدمة تيارات التطرف التي تتناسل بشكل خطير في العقد الأخير.
فمنذ إشراف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على التعليم العتيق في أواخر الثمانينات، بعد أن كان شأنا يهم وزارة التعليم، حرص المغرب الرسمي، آنذاك، على إبقاء هذا التعليم قاعدة خلفية لحماية «الإسلام المغربي» بمواصفاته المعروفة: المذهب المالكي على مستوى التشريع، والمذهب الأشعري على مستوى العقيدة والمذهب الصوفي المعتدل على مستوى السلوك، وهي مذاهب تتآلف لتعطي ما يعرف بالإسلام المغربي المعتدل، المنفتح على العصر دون أن ينسى الحفاظ على الأصول. من هنا فاستمرار اعتماد وزارة الأوقاف على تسمية «التعليم العتيق» يجعلها بعيدة عن فلسفة إصلاح الشأن الديني والتربوي معا، لأن طبيعة الشأن الديني، في ظل موجات الفتن الدينية التي يعيشها «الأشقاء» في المشرق العربي، يجعل هذا التعليم متوجها للمستقبل، مستقبل أمة تضمن وحدتها الداخلية بوحدة مذهبها.
ووفق آخر إحصاء قامت به وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، فقد بلغ عدد مدارس التعليم العتيق 388 برسم الموسم الدراسي2012/2013 مدرسة مقابل 467 مدرسة في الموسم الماضي، وهذا راجع لكون مجموعة من المدارس رغبت في اعتبارها كتاتيب قرآنية نظرا لبنياتها المادية (في الغالب حجرة واحدة) لا تساعد على العمل بنظام الدراسات والامتحانات، بالإضافة إلى أن هذه المدارس لا تضم سوى عدد قليل من التلاميذ يمكن استيعابهم من طرف المدارس العتيقة الحالية، فضلا عن المدارس الجديدة التي هي في طور البناء سواء من طرف الوزارة أو المحسنين.
وتتمركز نسبة مرتفعة للمدارس العتيقة بالوسط القروي 63,14 %، كما أن 46,65 %من المدارس توجد بجهة سوس ماسة، 68,04% من المدارس بنايتها ملحقة بالمساجد مما يؤكد مدى ارتباط هذا التعليم بالمساجد. 64,43% من المدارس تشرف عليها جمعيات، 97,16% من المدارس مربوطة بشبكة الكهرباء و64,69 % من المدارس مربوطة بشبكة الماء و43,04 % مربوطة بشبكة التطهير. وبلغ عدد المتمدرسين بالمدارس العتيقة خلال الموسم الدراسي الحالي 22305تلميذا وطالبا، 88,25% منهم مصنفون في أحد الأطوار الدراسية، 53,37 % من المتمدرسين يتواجدون بجهتي سوس ماسة وطنجة تطوان، كما أن نسبة 51,04% من المتمدرسين يوجدون بالوسط الحضري، ونسبة تمدرس الفتاة بمدارس التعليم العتيق تناهز 15,65 %؛
بالنسبة للمدارس غير المصنفة (التي لا تشتغل بنظام الدراسات والامتحانات) والتي تمثل 26.55 % من مجموع المدارس العتيقة، فإنها لا تضم سوى 2621 تلميذا (11.75%من مجموع المتمدرسين) مما يبين عزوف التلاميذ عن هذه المدارس وتسجيلهم في المدارس المنخرطة في عملية التأهيل، 65,42 % من التلاميذ والطلبة داخليون مقابل 54,87%خلال الموسم الدراسي السابق،65,95% من التلاميذ والطلبة يستفيدون من الإطعام المدرسي في حين بلغت 56,36 %خلال الموسم الدراسي الماضي. ويؤطر المتمدرسين بالتعليم العتيق 3017 مدرسا بمعدل مدرس لكل 8 تلاميذ تقريبا، كما أن عدد الأطر الإدارية والأعوان والمستخدمين بهذه المدارس لا يتجاوز 1522 فردا، أما نسبة المدرسات بمدارس التعليم العتيق المصنفة فلا تتجاوز 11,86 %من العدد الإجمالي للأساتذة (347 أستاذة من بين 2925 أستاذا).
نظام سخرة في تشغيل المدرسين
وأضافت ذات اليومية، عندما قلنا إن وزارة الأوقاف ماتزال تنظر لهذا التعليم وفق رؤية عتيقة، فإن نظام التشغيل في هذا التعليم يعكس نظاما قديما أقرب للسخرة، حيث يعيش رجل التعليم العتيق مأساة حقيقية جراء ضياع حقوقه المتمثلة في اعتباره عاملا موسميا حيث إنه ملزم في بداية كل سنة دراسية بتعبئة وتصحيح إمضاء طلب التكليف بالنسبة للجدد أو بطلب تجديد التكليف بالنسبة للقدامى (تملك الجريدة نسخة منه)، وفيه: «وألتزم بمزاولة مهمتي وفق مقتضيات المرسوم 2.11.554 التي تنص على تخويلي مكافأة جزافية شهرية والمذكرتين الوزاريتين عدد 41/2010 و67/2011، اللتين تنصان بكل وضوح على أن الاستعانة في التدريس بالتعليم العتيق ليست توظيفا ولا تعاقدا، مع علمي أن لي كامل الحرية:
في القيام بمهمة أخرى ذات مردود في القطاع العام أو الخاص أو فيهما معا خارج ساعات التدريس التي أقوم بها في التعليم العتيق.
في التخلي عن مهمة التدريس في التعليم العتيق متى رغبت في ذلك.
كما أعلم أن للسيد(ة) المشرف(ة) على المدرسة المذكورة كامل الصلاحية في إعفائي قبل نهاية السنة الدراسية أو عدم تجديد تكليفي برسم السنة الدراسية الموالية إن أخللت بالتزاماتي أو ثبتت عدم كفاءتي أو تطلبت مصلحة المؤسسة ذلك بناء على تقرير معلل.»
هذا هو نص الالتزام، هو كما هو معلوم لا علاقة له بكل مقتضيات قانون الشغل، حيث هزالة المكافأة أو الأجرة الشهرية والتي لا تتعدي 2500 درهم في الابتدائي و3000 درهم في الإعدادي مع العلم أن بعضهم يحملون شواهد عليا كالإجازة، ناهيك عن عدم الترسيم حيث تبقى وضعيته كموسمي أو كعامل «الموقف»، وعدم منح التعويضات العائلية عن الزوجة والأبناء، وعدم تمتيعه وأسرته بالتغطية الصحية، تضيف يومية “الأخبار”.