“كل يعلم ما للمراجع العليا وإدارة العلوم والمعارف العامة من الاهتمام الزائد والاجتهاد العظيم في بث العلوم العصرية ونشرها بين أفراد الشبيبة المغربية، فقد صرفت عنايتها في أول الأمر لتنظيم المدارس الابتدائية وتأسيس العدد الكثير منها في جل جهات هذه الإيالة المباركة.
ثم التفتت لتنظيم التعليم العصري الثانوي، ووضعت له برنامجا جامعا وافيا لا يقل عن برنامج التعليم الثانوي في الأقطار المتمدنة، وها هي ما كادت أن تنفض يدها من تنظيم ذلك كله، حتى أخذت في تنظيم التعليم العصري العالي للشبيبة الوطنية التي أخذت النصيب اللازم من التعليم الثانوي وصارت تتوق لما هو أرقى وأعلى.
ولزيادة الإيضاح والبيان نقول بأن المجلس الإداري لمعهد الدروس العالية، قد عقد اجتماعا يوم التاسع من الشهر الجاري يناير 1922 تحت رئاسة جناب المسيو هاردي المدير العام للعلوم والمعارف، وحضره سيادة مندوب المعارف الفقيه السيد محمد الحجوي، وفي خلال هاتيك الجلسة تم وضع وتنظيم التعليم الإسلامي العالي بصورة وافية شافية، روعي فيها ما يتعلق باللغة الفرانسوية واللغة العربية.
فالعلوم الإسلامية المحضة يقوم بتدريسها علماء مسلمون، والعلوم العصرية يقوم بتدريسها أساتذة فرانسويون، حسب ما يتضح من قراءة التفاصيل الآتية:
والذي يؤخذ من برنامج هذا التنظيم الجديد أن العلوم الفرانساوية قد خصصت لها تسع دروس لكثير منها مساس عظيم بالعربية والإسلام والإيالة المغربية.
فجناب المسيو هاردي يقوم بإلقاء الدروس في موضوع الحياة الحاضرة والشؤون الحالية، والمسيو دوسينيفال يشتغل بتعليم فن الأساليب والتآليف، والمسيو ليفي بروفنسال يقوم بتدريس اللغة والآداب العربية طبق الأساليب الأوربية، أما المسيو سيليريي والمسيو برونو والمسيو فلوري فإنهم يقومون في كل أسبوع بتدريس فنون أخرى مناوبة، فالأول يدرس الجغرافية، والثاني يدرس أحوال الشعوب من الحيثية الأدبية والفنية والاجتماعية، والثالث يدرب الشبيبة على دراسة العلوم الرياضية والطبيعية والكيماوية.
وزيادة على هذا كله فإن المسيو مارتي يقوم بتدريب التلاميذ على دراسة الحقوق والتراتيب الإدارية، والمسيو باسي يقوم بتدريس أحوال الشعوب الخاصة بها وكذلك الفنون والصنائع الوطنية، والمسيو فيراس يقوم بتدريس التاريخ، والمسيو بوريو يقوم بتدريس الآداب الفرانساوية.
ويكون إلقاء هذه الدروس المفيدة في أيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء والسبت، ويكون يوم الجمعة من أيام العطلة والراحة، أما يوما الخميس والأحد فقد خصصا لتلقين الدروس الإسلامية المحضة حسبما وقع الاتفاق على ذلك مع سيادة مندوب المعارف، ودونك بيان هذه الدروس:
يقوم سعادة وزير العدلية الفقيه السيد أبي شعيب الدكالي بتدريس الحديث الشريف، ويقوم سيادة مندوب المعارف بتدريس تفسير القرآن الكريم، ويقوم جناب الفقيه السيد محمد السايح الأستاذ بالمدرسة الثانوية الإسلامية بتدريس اللغة، ويقوم جناب الأستاذ السيد محمد الأراوي الكاتب بوزارة الأحباس والمساعد في جريدة السعادة بتدريس التاريخ الإسلامي وسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام، ويقوم جناب الفقيه السيد ابن عبد النبي السلاوي الأستاذ بالمدرسة الثانوية الإسلامية بتدريس اللغة العربية وما يتعلق بها من نحو وصرف، ويقوم جناب الفقيه السيد محمد بوجندار الكاتب بإدارة الاستعلامات والمساعد في جريدة السعادة بتدريس الآداب العربية من معان وبيان وبديع.
وستلقى الدروس الفرانساوية العصرية بمعهد الدروس العالية، أما الدروس الإسلامية المحضة فإنها تلقى فيه أو ببيوت المدرسين أو في بعض المساجد.
ثم إن المدرسين الفرانساويين يبدلون الأوقات المفروضة عليهم في مدارسهم الخصوصية ليخصصوها بما عينوا له من الدروس الإسلامية العليا، وبموجب هذا فإنهم لا يتناولون أجرة زائدة، أما الدروس الإسلامية المحضة فإن السادات الأساتذة التي أسلفنا ذكرهم قد أظهروا ما لهم من الرغبة في التبرع بها ابتغاء لنفع الشبيبة الوطنية ومؤازرة سعادة المشير بقدر ما في الإمكان على تحقيق مشروعه العظيم الفائدة.
ويسجل حضور التلاميذ في كناش ليستدل على ذلك بحضورهم في الدروس، ويقوم المسيو مارتي بتعهد هاتيك الدروس بالحضور فيها والاطلاع على سيرها.
وقد قرر المسيو هاردي رغبة في الوصول بهذا البرنامج لدرجة الكمال أن يجمع مجلس المدرسين بعد خمسة عشر يوما، وسيحضر في هذا الاجتماع المسيو مارتي ليبين رغائب التلاميذ.
وقد وقع الشروع في هذه الدروس منذ الأسبوع الماضي، أما التلاميذ الذين انخرطوا في سلكها فهم الشبان النجباء:
السيد محمد الناصري، والسيد ادريس بن الجيلالي، والسيد عمر الباشا، والسيد محمد بن عبد الجليل، الملحقون بالإقامة العامة للتدرب على الأعمال.
وقد انضم إليهم في الحضور بالدروس المذكورة، وبطلب من سعادة المشير الشاب المهذب السيد أحمد بركاش نجل باشا الثغر، وقد طلب الأمين الأجل السيد محمد المريني أن لا يحرم نجله الأكبر من الحضور في هذه الدروس المفيدة، فحل طلبه محل القبول والاستحسان.
فلم يبق إلا تحريض هؤلاء الشبان النجباء على اغتنام هذه الفرصة، والاجتهاد في قطف ثمار العلوم العالية، لينفعوا بها أنفسهم ووطنهم للسير به في مدارج التقدم والحضارة طبق رغائب الجلالة الشريفة والدولة الحامية التي لا تالوا جهدا في إعانة المخزن الشريف على تحقيق هذه الرغائب”.
(انظر جريدة السعادة السنة:13؛ عدد:2327 بتاريخ:18/1/1922).
إضاءة
بعد عشر سنوات استطاعت الحماية تأهيل ستة من أبناء النخبة المساعدة لها لتتلقى دروسا عليا للسير بالمغرب في معارج التقدم والحضارة، مع العلم أن أربعة منهم يعملون في إدارتها، ترى هل هذا هو الإصلاح؟! وتلك هي التدابير الكفيلة بالنهوض بالبلد وتحقيق تقدمه؟!!