“التقاشير” والعلاقات الرضائية.. من أولى بالسؤال في قبة البرلمان؟
هوية بريس – د.محمد عوام
لقد أخذت معركة الجوارب التي تعرف في العرف المغربي بالتقاشير بعدا “استراتيجيا” مهما، وأهمية قصوى، لأنها “القضية المركزية” التي تشغل الرأي العام المغربي، فهي من صميم حياته اليومية.
فلم تجد النائبة البرلمانية، المنتمية لحزب الأصالة والمعاصرة بدا من وضع سؤالها على وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق.
وقد جاء سؤالها مغلفا بالشفقة والرحمة من “أن ينقل الخلاف من دائرة الرحمة والاجتهاد إلى فضاء الفتنة والتأليب…” على حد تعبيرها.
وأمام هذا البؤس والانحطاط في طرح الأسئلة في قبة البرلمان، نعلق على السؤال –والألم يعتصر القلب- بما يلي:
أولا: نتعجب من طرح هذا السؤال بقبة البرلمان، لأن طرحه ينبغي أن يوجه إلى المجلس العلمي الأعلى، وهو أكبر هيئة علمائية مغربية، به علماء محترمون ومقدرون، مشهود لهم بالعلم والرسوخ في الفقه. فالنائبة أخطأت الطريقة إن كانت نيتها سليمة، وتريد فعلا أن تحذر من الفتنة كما تزعم.
ثانيا: نتساءل هل تكتسي مسألة المسح على الجوارب كل هذه الأهمية حتى يسأل عنها، أم أن القصد هو التأليب على العلماء ومزيد من خنق أنفاسهم، بالتضييق والتحجير عليهم. مع العلم أن الفقه نفسه لا يتطور ويرتقي ويتجدد إلا في ظل الحرية. ومتى سلبت الحرية من أي شيء إلا ضمر وانمحى، وتقهقر وانكمش. فيبدو أن السؤال لم يكن الغرض منه السؤال عن المسح على الجوربين، بقدر ما كان منه التحريض والتحريش.
ثالثا: نحن نسأل النائبة وهي كذلك، لماذا بلعت لسانها ولم تبد شيئا حين كان رئيس حزبها السابق الوزير وهبي يدعو إلى العلاقات الرضائية ويريد رفع التجريم عنها، ويريد أن يغير أشياء كثيرة في مدونة الأسرة، ولو كانت من قطعيات الدين ومن صميم ثوابته؟ ولماذا خرس لسانها عن قضية الإرث التي ينادي بعضهن ومن حزبها وغيره بالمساوة المطلقة فيها؟ أليس هذا إفسادا للدين وخروجا عن قطعياته وثوابته أم أن التطاول على الشأن الديني لم يظهر لها إلا اليوم في مسألة فرعية وجزئية وهي المسح على التقاشير؟ في الوقت الذي يريد دعاة العلمانية المتطرفة مسح الدين من هوية الأمة المغربية وطمس معالمها الحضارية والوجودية.
رابعا: في منتهى الانحطاط والسقوط أن تكون مسألة المسح على الجوربين تهم نائبة برلمانية، ولا تهتم بما يعانيه الشعب المغربي يوميا في معاشه وحياته، وما وصل إليه من حرمان وفقر وهشاشة في ظل حكومة يمثل حزبها جزءا منها. هذا أكبر مؤشر على تدني وانحطاط السؤالات البرلمانية في زمن البؤس والتفاهة السياسوية.
خامسا: النائبة إن كانت كذلك، لماذا لم تسأل وزير الأوقاف عن أوقاف المغاربة بالقدس، وما هي الإجراءات المتخذة في ذلك؟ وما هي مطالب الدولة المغربية في أوقافها هناك؟ أما أن تسأل عن الإبادة الجماعية التي ترتكب من قبل الصهاينة المجرمين، فهو سؤال بعيد المنال في حقها. لأنه الذي ينبغي أن يكون أن تطالب هي ومن معها بوقف التطبيع المشؤوم لا السؤال عن الجوربين.
سادسا: لا تكثروا العويل على الشأن الديني في المغرب، فهو مقنن دستوريا، وهناك المجلس العلمي الأعلى والمجالس الجهوية، تقوم بدورها في الإفتاء وإرشاد الناس، ويتصل بها المواطنون، وإذا ما وجدت فتوى خارجة عن السرب، فإنها سرعان ما تتبدد بفتاوى الراسخين من العلم. والمجلس العلمي الأعلى أصدر فتاوى كثير ومهمة جدا، نستفيد منها، لكن ليست المسح على الجوربين، لأنها معلومة عند صغار الطلبة، أما الكبار فينظرون في القضايا المهمة. وهذا ما لا تعلمه النائمة عفوا النائبة.
وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام.