التمسك بالمذهب المالكي.. دعوة إلى التقيد لا إلى التقليد وإلى الانضباط لا إلى الانفلات
هوية بريس – د. رشيد بنكيران
لقي المذهب المالكي، وباقي المذاهب الفقهية المعتبرة، قبولا مرضيا في الأمة منذ قرون، وحظي بخدمة علمية جليلة من جيل إلى جيل جعلت منه صمام أمان من التسيب المعرفي والتجاسر على مرتبة الاجتهاد.
وإذا كان المجتمع المغربي يحتاج إلى إصلاح في مجالات متنوعة، فإن من مداخل إصلاحه هو التقيد بالمذهب المالكي في الفقه، وليس هي دعوة إلى التقليد المذموم والجمود الفكري، بل هي دعوة مستشرفة لفقه الدليل والتزامه، بعقلية متبصرة بفقه الواقع وفقه الواجب وفقه المآل، ذلك:
أن المذهب المالكي باعتبار الدليل أو الصواب له ثلاثة مواقف:
– موقف يكون فيه المذهب المالكي موافقا للصواب، ففي هذه الحالة الأخذ به متحتم؛ لأن الصواب حليفه، ونسبة الصواب إلى المذهب المالكي حينئذ ونشره بين المجتمع من محاسن العقلاء والحكماء، اعترفا بالخير الذي كان بيد الناس وتأكيدا له وتثمينه، والذي تربى عليه الآباء والأجداد .
– موقف ثان يكون فيه المذهب المالكي مقاربا للصواب، وأعني بذلك أن الخلاف بينه وبين المذاهب الفقهية الأخرى قوي جدا، يكاد أن تتساوى فيه أدلة المذاهب الفقهية، ففي هذه الحالة الأخذ بالمذهب المالكي -هنا في المغرب- راجح عن غيره للنظر المصلحي، والذي يتجلى في دفع ما يمكن أن يسبب تشويشا على العامة، وزرع الخلاف بينهم، وفقد ثقتهم بدينهم، دون مصلحة كبيرة مرجوة.
– موقف أخير يكون فيه المذهب المالكي مجانبا للصواب وضعيفا، وغيره من المذاهب الفقهية وافقت الصواب في تلك المسألة التي جانب هو فيها الصواب، ففي هذه الحالة لا نعدم -في الغالب الأعم- أن نجد من داخل المذهب المالكي من قال بالصواب في المسألة، والتي سبرت من لدن فقهاء المذهب بعد القول بها ومحصت تمحيصا يطمئن إليه القلب، فنشهر ذاك القول ونبرز قوته ورجحانه عن القول المجانب للصواب في المذهب، بالاعتماد على أصول المذهب المالكي.
ولا يخفى أيضا النظر المصلحي في الأخذ بهذا المنهج، والذي يتجلى في كبح جماح المستهترين بالدين جهلا أو قصدا، تسيبا أو تمييعا. ولا إخال أن كلام إمام المقاصد أبي إسحاق الشاطبي الذي يُجز لنفسه القول بغير المشهور في المذهب في فتوى له، وقبله الإمام المجتهد المازري، إلا خرج من رحم هذا النظر المصلحي، وخشي من تلاعب المتلاعبين بالشرع وذهاب الدين كله، لا أن الشاطبي من طبقة المقلدة الفروعيين، أو أنه يقصر عن رتبة المجتهدين ويصعب عليه النظر في الخلاف العالي ونخله، وتحقيق الصواب فيه، ومن تأمل كتابه الموافقات علِم علْم اليقين مرتبة الشاطبي في الاجتهاد، ويكفي في ذلك إشارة أنه اعتمد على دليل الاستقراء للنصوص الشرعية قرآنا وأحاديث، وكذلك للجزئيات والكليات، وللأصول والفروع، ولأقوال المذاهب وأدلتهم، فضلا على تمكن كبير من لسان الشرع .
ولهذا، فأنا أوجه دعوة إلى الدعاة وطلبة العلم عامة، وإلى اللامذهبيين منهم خاصة الذين تصدروا مجالس العلم والتوجيه والإرشاد والخطابة، إلى التزام المذهب المالكي بالمنهج المذكور أعلاه في إخبار من حولهم من الناس بالأحكام الشرعية أو تدريس الفقه.
وإذا كان من الحكمة العتيقة والنفيسة من فقيه النفس ألا يصنع الخصومة بين الواقع والواجب كما أصله المحققون من العلماء، فإن من الإفساد بمكان أن يصنع المشتغل بالفقه في المغرب العداوة بين الدليل والمذهب المالكي، أو بين فقه السلف والمدرسة المالكية، بدعاوى هزيلة أو ضعيفة تؤول بعد سكون الضجيج وهدوء زوبعة الأفكار إلى التقليد في أقبح صوره باعتبار أن المقلَّد:
– هو أحد العلماء المجتهدين المعاصرين الذين لم يتسن بعد نخل قوله في مختبر الدرس الأصولي والفقهي كما يجب، وكما حصل لأقوال المذاهب الفقهية المعتبرة، وإذا كان قوله هو توقيع عن الله، فأمر الله أحق أن يحترز له؛
– أو أنه لم يتأهل بعد إلى مرتبة الاجتهاد، وإنما بريق الإعلام، أو فصاحة اللسان، وجرأته على الكلام، أكسبه مكانة بين الناس، وليس هو أهلا ليكون إماما يقلده الناس.
كلام علمي موزون جزاك الله خيرا
كلام معتدل وطيب. لا للتعصب والجمود. ولا للاستهتار بأصحاب المذاهب وأقوالهم، فهم عن علم تكلموا رحمهم الله، هؤلاء الذين ذاع صيتهم في مشارق الأرض ومغاربها. وتجد الغمر من الشباب يتكلم في الواحد منهم وفي أقوالهم، وما يعلم المسيكين أن هؤلاء هم أئمة الهدى والنور. رضي الله عنهم أجمعين.
كلام في الصميم , بوركت شيخنا الجليل
كلام جميل …غير أن مثل هذا الخطاب -وقد انتشر كثيرا في الآونة – من الخطاب البعيد عن زمانه ، المحايد لوقته وموقعه ، فإننا في زمان يحارب فيه الدين من أساسه ، والشريعة من أصلها ، ليحل محلها القانون الوضعي ، والطاغوت الغربي !!!