التوجيه ما بعد البكالوريا تحد يؤرق بال التلاميذ وأوليائهم
هوية بريس – و م ع
بالإعلان عن نتائج اختبارات الدورة العادية لامتحان نيل شهادة البكالوريا برسم الموسم الدراسي 2022-2023، أمس الاثنين، والتي أسفرت عن نجاح 245 ألف و109 مترشحة ومترشحا (في انتظار نتائج الدورة الاستدراكية)، يكون هؤلاء التلميذات والتلاميذ، قد انتقلوا، رسميا، من مرحلة الدراسة الثانوية إلى مرحلة جديدة في مسارهم الدراسي.
وإذا كان العديد من الحاصلين على الباكالوريا الجدد قد حسموا سلفا وبشكل مبكر مسألة “توجيههم”، أي فيما يتعلق بالمؤسسات التعليمية التي سيلجونها أو سيسعون للولوج إليها، فإن بعضهم لا يزالون في حيرة من أمرهم.
من ضمن هؤلاء من لم يسعفه المعدل الذي حصل عليه للالتحاق بالمؤسسة أو التوجه الذي يبتغيه، فلم تكتمل فرحته بالنجاح أصلا. ومنهم، على العكس من ذلك تماما، من حصل على معدل عالٍ يفتح الباب أمامه على مصراعيه لولوج تخصصات ومؤسسات عديدة، ولم يكن قد حدد توجهه مسبقا، فيجد نفسه أمام خيار حاسم صعب. ومنهم أيضا من لم يحسم بعد في مسألة الالتحاق بالتعليم العالي العمومي أو الخاص، أو استكمال الدراسة داخل الوطن أو خارجه، وما إلى ذلك من الفرضيات العديدة، والتي تعيد إلى الواجهة أهمية “التوجيه” الجيد في مرحلة ما بعد البكالوريا.
وعلاقة بهذا الموضوع، يُؤكد الأستاذ يحيى كبوري، وهو مستشار للتوجيه التربوي بالمديرية الإقليمية للدار البيضاء أنفا، التابعة للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الدار البيضاء- سطات، على أن “خيارات ما بعد البكالوريا يجب أن تكون محسومة بشكل مبكر”.
وأوضح، في حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء، أن “العديد من التلاميذ يُركزون أساسا في فترة الإعداد للبكالوريا على هدف الحصول على معدل يعزز فرصهم للالتحاق بمؤسسات الاستقطاب المحدود، وبالتالي يؤجلون بشكل كلي التفكير في التوجيه إلى مرحلة ما بعد الحصول على الشهادة. وفي تلك الأثناء، يكون، مثلا، قد انتهى أجل الترشح للالتحاق بمجموعة من المدارس والمؤسسات العليا، وبالتالي يضيعون على أنفسهم فرصا مهمة”.
وبالرغم من ذلك، وإن لم يكن بعض الملتحقين الجدد بركب الحاصلين على شهادة الباكالوريا قد حسموا بعد مسألة التوجيه، فإن الأوان لم يفت بعد للقيام بالاختيار الأمثل للدراسات العليا.
وكنصائح عملية من أجل التوجيه الجيد والناجع، يدعو السيد كبوري التلاميذ إلى تجنب الاختيارات “السطحية”، بل وجب تحديد المسار على خلفية استجلاء معمق للخيارات المتاحة، على اعتبار أن الولوج إلى المعلومات حول الأسلاك الدراسية صار متاحا بشكل أيسر من خلال التكنولوجيا، والتي توفر معطيات محينة باستمرار.
كما يدعو المستشار في مجال التوجيه إلى تجنب المعطيات غير المضبوطة المنتشرة في الأنترنت حول المعاهد والمؤسسات العليا، بل اللجوء إلى المواقع الإلكترونية الرسمية لهذه المعاهد والمؤسسات، مبرزا أنه يمكن أيضا الاستعانة بالمنتديات التوجيهية، ومستشاري التوجيه والأساتذة المتخصصين، بالإضافة إلى إمكانية استشارة الطلبة الذين سبق لهم الدراسة بالمعاهد أو التخصصات المعنية.
أما فيما يخص المفاضلة بين الشغف الشخصي والتكوينات التي قد تفتح آفاقا أكبر في سوق الشغل، فيؤكد السيد كبوري على أن “اتباع الشغف هو القاعدة، لكن مع الوعي بالإكراهات”، مبينا بأن “الاختيار المرتبط بالشغف يجب أن يكون عقلانيا وواعيا ونابعا من خيار مبكر وعلى أساس معلومات مضبوطة، أي بالشكل الذي يكون فيه الطالب مُلما بالتوجه الذي يعتزم التعمق فيه، وليس فقط من خلال معرفة سطحية بالأمور”.
من زاوية نظر أخرى، يُحذر كبوري الآباء من الضغط على أبنائهم من خلال فرض اختيارات معينة، مُؤكدا على أن “النجاح لا يكمن أساسا في اختيار توجه ما بعد الباكالوريا مباشرة، بل هو استثمار في مسار دراسي طويل، ولدينا نماذج كثيرة لطلبة غيروا مسارهم الدراسي بعد أربع أو خمس سنوات من الدراسة في تكوين معين، مما يعني أنهم كانوا قد التحقوا بذلك التكوين تنفيذا لرغبة آبائهم لا أقل ولا أكثر”.
ويُشدد كبوري، بهذا الخصوص، على أن دور الآباء يكمن في “مواكبة أبنائهم وليس اتخاذ قرار المسار نيابة عنهم”، كما يجب على أولياء الأمور تجنب المقارنات غير المجدية مع اختيارات أبناء المعارف والجيران، لأن لكل تلميذ مساره واختياراته الخاصة، وكذا عدم استحضار خيارات ومسارات التكوين في الماضي، وما إلى ذلك، على اعتبار تغير الأزمنة.
وفيما يتعلق بـ”شرط المعدل”، والذي يحول دون التحاق بعض التلاميذ بتخصصات أو معاهد معينة، كمدارس التجارة والهندسة وكليات الطب وما إلى ذلك، يُؤكد مستشار التوجيه السيد كبوري على أن الأمر ينطوي على “تمثلات خاطئة” لدى البعض، موضحا أنه بإمكان التلاميذ تأجيل الالتحاق بهذه المعاهد أو التخصصات لمدة سنة أو سنتين، من خلال التوجه إلى مؤسسات غير متطلبة، تُوفر تكوينات قصيرة المدة، للحصول على شهادة تفتح المجال للالتحاق، بعد سنة أو سنتين، بتكوينات لم تكن متاحة بالمعدل المحصل عليه في الباكالوريا.
ويُعطي كبوري هنا مثالا لتلميذ حاصل على 11 كمعدل، التحق مباشرة بسلك الماستر بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بعد حصوله على الإجازة، وذلك في إطار ما يُصطلح عليه بـ”الدبلومات ذات قيمة اختيارية”.
من جهته، يدعو رئيس الفيدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلامذة بالمغرب، نور الدين عكوري، الأسر إلى دعم خيار التوجه الذي يرى فيه التلميذ نقطة قوته وحظوظا أوفر بالنسبة له ووفق إمكانياته وقدراته، بالإضافة إلى ميولاته وتوجهاته، وفي المقابل، تجنب الضغط على الأبناء قصد سلك مسار غير ذلك، بل مواكبتهم ودعمهم من أجل اتباع المسلك الذي يرونه مناسبا.
ويؤكد عكوري، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، على أن سر النجاح في تخصص ما بعد البكالوريا يكمن أيضا في الجدية والإيمان بالمسلك والاجتهاد، وليس فقط في الاختيار الجيد.
وبهذا الخصوص، يدعو الحاصلين الجدد على البكالوريا ممن لم يتمكنوا من تحقيق معدل عال، إلى تجنب “إيداع” شهادتهم مؤقتا بإحدى الكليات، في انتظار ما ستجود به السنة الموالية، وهو ما يتسبب في هدر دراسي، بل وفي انقطاع عدد من الشباب عن الدراسة.
ومخاطبا التلاميذ الذين يعتبرون عدم حصولهم على معدل عال بمثابة “انتكاسة” في مسارهم الدراسي، يؤكد رئيس الفيدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلامذة بالمغرب على أن بإمكانهم الالتحاق بالعديد من المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح، ومن ضمنها الجامعات ومعاهد التكوين المهني وغيرها والتي تفتح آفاقا واسعة، سواء فيما يتعلق بتعميق المسار الدراسي أو بولوج سوق الشغل.
وغير بعيد عن خيارات الأبناء وطموحات الأسر، تُعتبر مسألة “التوجيه” حلقة أساسية في الإصلاح التربوي الجاري تنزيله بالمملكة. ولا شك أن هناك اليوم قناعة تامة لدى مختلف أطراف العملية التربوية، من مسؤولين وأساتذة وأولياء التلاميذ وغيرهم، بأهمية ودور التوجيه المدرسي في تأمين عبور آمن للتلميذ لمرحلة جديدة من حياته الدراسية.