التوظيف الإديولوجي للرموز في إذكاء الفتنة العرقية
هوية بريس – عبد الله السعدي
يمكن الجزم بأن إشعال الحروب العرقية والطائفية في بلاد المسلمين هي من أهم الوسائل التي اعتمدها العقل الغربي الإمبريالي، فاللعب على قضية الأرمن ضد الخلافة العثمانية، وقضية النصارى في لبنان، والأكراد في العراق والقومية العربية لتقسيم بلاد الحكم العثماني، والسياسة البربرية الفرنسية في المغرب والجزائر لإضعاف نسيجها الاجتماعي إبان الاحتلال الفرنسي البغيض، وقضية الأكراد في سوريا لإضعاف الحكم في تركيا اليوم واشغالها عن إحراز المزيد من النجاحات، كلها قضايا يلعب فيها على وتر الدين أو العرق بتكريس الصراعات الاستنزافية حتى تبقى الهيمنة للدول التوسعية نفسها التي كانت جيوشها تحتل بلاد المسلمين بالأمس.
وأعتقد كما يعتقد كل العقلاء أن الوقت قد حان لينتشر الوعي بهذه المخططات، التي تستغل آثار الاستبداد ونتائج الفساد، في تكريس الضعف والتخلف من خلال إذكاء الصراع بين عناصر المجتمع المغربي.
فمن المؤسف جدا، والمشين لهويتنا الأمازيغية استجلاب شخصيات تاريخية وتوظيفها لتمرير أديولوجية تخدم فئة دون مجموع الأمة مثلما يستجلب أحد ما شخصية محمد بن عبدالكريم الخطابي لتوظيفها في الدعوة إلى النظام الجمهوري وخدمة الفكر العلماني أو أطروحة معينة.
ومثله حينما يستجلب الآخر شخصية كسيلة لأدلجة الهوية الأمازيغية والتأصيل لحكم قومي. فلو أمكن السفر عبر الزمن الماضي لحوار تلكم الشخصيات، لكان الأمر مغايرا تماما لما يدعيه نشطاء الحركة الأمازيغية، وهذا واضح من خلال ما وصل إلينا في كتب التاريخ، وكما هو موثق في مثل مذكرات الخطابي(لارينيون).. فلا الخطابي دعا إلى التمرد على الملكية ولا هو أسس دولة مستقلة..
جل ما هناك تنظيمه لحركة مقاومة تحرير بأليات تنظيمية حديثة، لم تتمرد على العرش، بل كانت كما هو شأن حركة حماس الفلسطينية اليوم.. وقد بقي في علاقة حسنى بالحركة الوطنية وزعيمها الملك الراحل محمد بن يوسف إلى أن تصادمت أراؤه بسياسة الراحل الحسن بن محمد..
وقل مثل ذلك في كسيلة فلا هو ورث عرشا ولا هو أسس لأسرة حاكمة من بعده ليتوج ملكا.. جل ما يحكيه التاريخ أنه ثار حمية لنفسه بعد صدور قرار تنظيمي من القائد عقبة يزيحه من على الصدارة إلى الجندية.
وما يؤكد أن كسيلة كان برغماتيا وليس زعيما أو مصلحا سياسيا رِدته وانقلابه الى المعسكر المعادي للمسلمين، فاستجمع قوات بزنطية كانت قد تفرقت بعد هزيمتها أمام جيوش المسلمين -من عرب وأمازيغ- وموت حاكمها غريغوريوس، ومن بني قبيلته البرانس، فاستطاع تحقيق انتصار ميداني إلى حين قدوم زهير بن قيس البلوي وقتله في معركة ممس.. فعلى من أراد دعم أطروحته أو أيديولوجيته بشرعية تاريخية أن يتحرى الموضوعية والصدق، ولا يمرر قناعاته باستغلال رموز تم تشبيعها بحمولة لا تصمد أم البحث والنقد، خدمة لأغراض أيديولوجية لن تعود إلا بالدمار على الجميع.
بالركوب على ظهر شخصيات من التاريخ للتلويح بدعاوى العدائية تجعل كل من انتهج هذه الطريق وهذا المنهج متهافتا غالبا ما يسهل جر البساط من تحت رجليه ليخر في النهاية على قفاه.
نحتاج إلى مزيد من العرى الوثقى، وإلى تكثير الأواصر الاجتماعية للنهوض بالبلاد ومحاربة الفساد، لا إلى المزيد من تقطيع الأوصال وزرع بذور الفتن، فهذا لم يثمر سوى ضعفا يستغله الفاسدون في الداخل والخارج.
ولا سبيل لذلك إلا التوحيد والانضمام تحت هوية جامعة في إطار حضاري يتخذها المسلم تعبدا ودينا، ويتخذها غير المسلم ثقافة وحضارة، وليس هناك ما ينظم نحو ذلك إلا النظام الإسلامي والعودة به إلى ما كان.