يضحكني بعض الرفاق اليساريين والحداثيين وكذا بعض الغيورين جدا عن الديمقراطية؛ حين يتحدثون عن التوظيف السلطوي أو المخزني للتيار الإسلامي عموما والسلفي بوجه أدق، فيخوضون طولا وعرضا في نقاش بعض الأحداث والوقائع السياسية الجزئية ليخلصوا منها مباشرة إلى توظيف السلطة للإسلاميين خدمة لمصالحها!
وكأن الإسلاميين المعنيون فقط بهذا التوظيف، والسلطة هي من تحتكر وحدهما عملية التوظيف!
السلطة حفاظا على مصالحها وتنزيلا لمشاريعها تعمل على توظيف كل من يتحرك أمام ناظريها، سواء تعلق الأمر بتيارات اليمين أو اليسار، الإسلاميين أو العلمانيين، العروبيين أو الأمازيغ..
أضف إلى هذا أن عملية التوظيف ليست حكرا على السلطة وحدها، فقد لا أكون مبالغا إن قلت إن جل الأحزاب السياسية تقوم بعملية التوظيف خدمة لأجنداتها وتوسيعا لقاعدتها وحربا على أعدائها.
والمحلل المراهق لا يتعب نفسه ليفهم جيدا الواقع الذي يعيش فيه وما يجري حوله من تطورات؛ وهذا النوع يكون غالبا ممن ليست لهم مشاريع على أرض الميدان، فيرفع -غير مبال- السقف عاليا في كل مناسبة، ويطالب من يخوضون عباب البحر ويصارعون الأمواج العاتية للاستمرار على قيد الحياة بما يستحيل في حقهم، ولو أطبقت السلطة بسقفها على محللنا الحدَث لرأيته مرتميا في أحضانها؛ مبررا لقراراتها؛ مطبلا لمشاريعها وهو مبتهج قرير العين.
وأحب ها هنا أن أنقل شهادة عن الفيلسوف اليساري محمد سبيلا العضو السابق بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي ذكر في سلسلة له تنشرها يومية “المساء” أن تسمية حزبي الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية واللذان كانت لهما مواقف معادية للملكية كانت باتفاق مع القصر.
فإذا كانت أسماء الأحزاب السياسية لا يسمح بها حتى تعرض على الجهات العليا؛ فلا تسل بعد ذلك عن برامجها وتحالفاتها وما يمكن أن تقوم به من أدوار وظيفية؛ لم يكن البلوكاج الحكومي الذي قارب الستة أشهر آخرها.
نحن نتحدث ها هنا عن الأحزاب السياسية التي لها قاعدة شعبية ودعم مالي وغطاء قانوني تشتغل في ظله؛ فما بالك ببعض جمعيات المجتمع المدني التي تعاني الأمرين من أجل الحصول على الوصل القانوني، وتبقى تحت رحمة دائرة السلطة التي يمكن أن تجد لها؛ في ظل القوانين المعمول بها؛ ألف عذر لإعدامها نهائيا وإغلاق مقراتها.
فسهل جدا أن ينقض الإنسان (لا ينتقد) أعمال الآخرين، ويبخس مشاريعهم، ويتهمهم بالتوظيف والعمالة والخيانة.. لكن المحك هو أن تشارك في الحياة العامة، وتحتك بالسلطة، وتلهبك سياط الخصوم، وتستطيع أن تقاوم كل ذلك وتتجاوزه لتستمر على قيد الحياة وتواصل العطاء.