الثقافة الإسلامية في مواجهة ثقافة التبعية والاستلاب
هوية بريس – إبراهيم الناية
في البداية ماذا نعني بالثقافة الاسلامية؟ وهل المقصود بها المعلومات المتعلقة بالاسلام والمسلمين؟ ام القراءة الواعية لطبيعة خلق السماوات والارض والانسان؟ ام هما معا ؟وهل على المسلم ان يطلع على انماط الثقافة السائدة في زمنه ؟وهل عليه ان تكون له رؤية تخصه باعتباره مسلما ؟ ام انه يتناول الامور بدون خلفية ولا مرجعية.؟ وهل ينبغي ان يكون للانسان المسلم موقف ازاء القضايا الفكرية والاجتماعية التي تسود الواقع الذي يعيشه.؟
تعتبر المسألة الثقافية من المسائل المركزية التي يتعين النظر اليها بجدية لان تكوين العقل والذات والشخصية قضايا اساسية في قيام اي مشروع حضاري. يريد اصحابه له النجاح والتمكين فبدون الاعتراف بالذات واستقلال الارادة ورفض الوصاية يصبح ذلك المشروع ضمن الاحلام والاماني ،ولذلك جاءت الثقافة الاسلامية حاملة لمشروع البناء رافضة للتبعية والذوبان في الاخر،رغم أنها لا تمانع من الاستفادة من كل ما هو ايجابي ومفيد عند الاخر. اذا كان سيساهم في بناء الانسان وتحقيق سعادته. لأن الحاجة اليوم أصبحت ملحة. أمام الإنسان المسلم لك يتسلح بالعلم والمعرفة وان تكون له رؤية واضحة حول القضايا المطروحة سواء تعلق الامر بالمشاكل الاجتماعية او قضايا المعرفة ،ولكن من خلال قراءة واعية منبثقة من المرجعية التي يؤمن بها لأن الانسان المسلم لابد ان يكون له تصور يخصه يتناول من خلاله مجمل القضايا المثارة في الواقع الاجتماعي الذي يعيشه. ترتبط الثقافة الاسلامية بالإسلام ذاته باعتباره هو المنظومة المرجعية التي يتلقى منها الانسان كل افكاره وتصوراته في المعتقدات وفي كل انظمة الحياة ، فقد جاء الاسلام وأحدث انقلابا مذهلا في المفاهيم والتصورات وقدم للبشرية منهجا قادرا على مواجهة التغيرات في كل العصور وكل البئات وانشأ الاسلام مجتمعا يتسع لكل الاجناس واللغات دون تفرقة، ولذلك تميز بذاتية خاصة لم تكن قائمة ، فمنذ نزول القرآن بدأت البشرية تعيش على الحضارة الانسانية وادركت ان هناك رؤية جديدة تواجه كل الرؤى البشرية التي استعبدت الانسان واذلته. فقد حرر الاسلام العالم من الوثنية والرق والخرافة والعبودية ودعا الانسان الى عبادة الله وحده، ولذلك ليست هناك رؤية فكرية او معتقدات كونية مؤهلة تتعامل مع الانسان تعاملا حضاريا غير الاسلام، لأن الاسلام نظام شامل لكل جوانب الحياة. وحث المسلم على توظيف العقل في التأمل والتدبر في الكون. وشجعه على العلمي والابتكار. ولذلك إن الانسان المسلم يدرك قيمة العلم ومسؤولية العقل ومدى اهميته ولكن المسلم يخضع كل ذلك للوحي والايمان. والاسلام منهج مستقل لبناء المجتمع. ويتفاعل مع كل ما هو ايجابي لدى الشعوب، فقد ابقى الشجاعة والكرم كصفتين عرفهما العرب في الجاهلية ولكنه صحح مفهومهما ليكون منسجما مع الرؤية الإسلامية كذلك تفاعلت الرؤية الاسلامية مع كل ما هو ايجابي في الغرب (رغم ان هذه الايجابيات هي من الاسلام) كالتفاني في العمل والتنظيم والروح العلمية في تناول الموضوعات . ولكن الرؤية الاسلامية تطبع كل ذلك بطابعها الخاص لأنه كيف يمكن ان تحتفظ الشخصية بكينونتها ووجودها وذاتيتها وتميزها الخاص اذا تركت بغير ضوابط أمام مختلف العواصف؟ وإلا كيف يمكن الحديث عن تميز الثقافة الإسلامية وخصوصيتها اذا لم يكن هناك تميز في الذات واستقلال في الارادة؟ وكيف يمكن لشخصية الانسان المسلم ان تواجه التحديات اذا لم تكن مستقلة الرؤية؟
ورغم ان رسالة الإسلام جاءت حاملة تكريم الانسان وتحقيق العدالة ومحاربة الظلم والفساد. الا ان المكلفين بالمهمة اتباع الاحتلال الاجنبي لا يعنيهم ذلك في شيء وانما يتفانون في بث الاباطيل والاكاذيب فمنذ ظهور الاسلام والمكائد تحاك ضده من قبل قوى الشر ، سواء تعلق الامر بتصوره ومعتقداته او باساليب عبادته او بنظرته الى الحياة. فليس هناك دين تعرض للهجوم من الداخل والخارج غير الاسلام. رغم سماحته وقوة حجته. ومع ذلك مستمر في الانتشار لأنه يحمل عناصر البقاء والاستمرار، وكانت اول بوادر الهجوم هي خلق الفتن والمشاكل الداخلية. ثم جاء بعد ذلك التدخل الخارجي المتمثل في الغزو الفكري والثقافي. وفي الاحتلال العسكري ، فبداية من العصر الأموي ظهرت فرق تحمل شذرات فكرية بدأت تبتعد شيئا فشيئا عن التصور الاسلامي، الى ان جاء زمن العباسيين حيث اكتملت الحكاية ، فترجمت الفلسفة اليونانية بكل ما تحمل من رؤية ميتافيزيقية وعقلية وثنية وطبقية مؤطرة بمنطق جامد ، وهكذا انتشرت التصورات اليونانية ووجدت من يناصرها من الطبقة الحاكمة التي اشرفت على ترجمتها او من المعتنقين لتلك التصورات ، ومن المعلوم ان الرؤية الاسلامية تختلف اساسا عن تصورات فلسفة المجتمع اليوناني ورؤيته للحياة ومن هنا بدأ الصراع يحتدم حول القضايا التي طرحها معتنقو الفلسفة اليونانية، وبالمناسبة فهي محلولة في الرؤية الاسلامية ولا داعي لطرحها، ولكن طرحها من قبل المكلفين بالمهمة في البيئة الاسلامية. كان الغرض منه هو التشويش واحداث الارتباك. ورغم كل ما بذله هؤلاء من جهد من اجل وقف المد الاسلامي فقد زاد الاسلام في الانتشار لان الحضارة الاسلامية حضارة متحركة امتدت الى مختلف بقاع الارض، ولم تفلح تلك المحاولات التي كانت تسعى جاهدة لطمس الاسلام .وبقي الاسلام شامخا ولم يكن محل تساؤل رغم طرح كثير من التصورات المنافية له . غير ان الوضع يختلف في الازمنة الاخيرة لان الامر لم يعد يتعلق بطرح قضايا فكر اخر بل تجاوز ذلك الى التشكيك في عقائد الاسلام والتقليل من شأنه والنظر اليه بمنظار النقص والدونية وعدم انسجامه مع روح العصر كما يدعي المستلبون .فقد اتخذ الهجوم على الاسلام اشكالا متعددة فنرى من الكتاب المشهورين طه حسين وزكي نجيب محمود وجلال العظم وغيرهم كثير ، الا ان الامر اختلف اخيرا فاصبح كل من هب ودب يتهجم على الاسلام وعقائده واصوله من اجل ان يكسب شهرة رخيصة وينعت بالمفكر المتنور الحامل لفكر الحداثة. فما نرى من استهتار بالقيم الاسلامية من قبل اشخاص نصيبهم من العلم والمعرفة لا يكاد يرى ،حتى ان جزءا من كلامهم لم يعد مقبولا من بعض مناصريهم ، فقد نصبوا انفسهم قضاة لتقبيح ما ارادوا او تحسينه ولذلك إن محاولة النيل من الاسلام ليست نقدا بل هي كلام انفعالي مشكل من ضجيج من الكلمات ليس إلا ، هدفها في المجمل هدم ركائز الاسلام عن طريق التشكيك وبث الريب وارسال الاكاذيب ظنا من اصحاب هذا التوجه انهم سيغيرون وجه التاريخ ويلحقون الهزيمة بالاسلام، ولم يعلموا انهم يضربون الصخر بعود منكسر .
وعليه ان الحديث عن الثقافة الاسلامية في مواجهة ثقافة غير اسلامية لها ثوابتها ومنطلقاتها ، ومن ثم إن الحديث ينبغي أن يتم من خلال التقابل بين رؤيتين مختلفتين لكل واحدة منهما منطلقاتها وبنيتها الفكرية، فالثقافة الغربية ترتكز على البعد المادي وشيئية الحياة والتغير وعبادة الفرد والاستعلاء على الاخر ، المخالف لها وكأنها هي التي تمثل عين الحقيقة او النموذج المثال الذي يتعين الاقتداء به، في حين ان الثقافة الاسلامية تنطلق من مبدأ التوحيد وتحرير الانسان من الرق وعبودية الانسان للانسان.
ان قيم التوحيد والحرية والعدل والمساواة. التي يدعو اليها الاسلام ستكون في مواجهة عقلية العبودية والاستكبار والميز والحيف والاحتقار التي تدعو اليها عقلية المجتمع الغربي. ولذلك ان التقابل بين ثقافة الكراهية والميوعة والذوبان وبين ثقافة الاستقامة والمحبة والانضباط لهي تقابل في المبادئ والقيم. والمفاهيم والتصورات. وفي الانظمة الفكرية والسياسية والاقتصادية والتقابل في علاج قضايا المجتمع كاملة. وفي الاخير لقد ارتبطت ثقافة الغرب كايديولوجية للاستعمار واستغلال الآخر والهيمنة والتسلط واستغلال خيرات الشعوب الضعيفة. في حين ارتبطت الثقافة الإسلامية ببشرى تحرير الانسان ورد الاعتبار اليه كذات عابدة لله وحده.