الجباري وسؤال “هل للمغاربة إسلام آخر؟”

هوية بريس – د.مصطفى العلوي
شاهدت نصف لقاء (بودكاست “بصيغة أخرى” في قناة مثلث) عبد الله الجباري، فوجدت فيه نفس التشوف للحرية في الفكر والانتهاج، وهو أمر حسن، والظاهر أنه ينهج التحرر المنضبط أيضا؛ لاعتباره طريقة شحرور تسيبا لا اجتهادا.
في اللقاء إيجابيات وأفكار حسنة؛ كنقده التضييق على العباد في عقيدة معينة لا بدليل بل بمحض الاختيار القطري، وكذا في الفقه، وإن كان قد مارس هذا التحجير في التصوف حيث نفى وجود مخالف لمنهج التصوف قبل ظهور الوهابية بزعمه، يريد بذلك إسقاط أي مخالف لنهج التصوف المحدث.
لكن هذا القدر من اللقاء اشتمل على تمرير مغالطات كثيرة، لا أتذكرها كلها، وأذكر على سبيل المثال:
– هذا الزعم المذكور من أن التصوف كان مذهب كل الناس قبل الوهابية!
وهو غلط محض مقطوع به، فأين كتب الرادين على التصوف وهم كثر كالقاري والبقاعي وابن تيمية وغيرهم؟ وأين كلام السلف القدماء في نقد طريقة الصوفية كالإمام مالك والشافعي وغيرهم؟ حتى ألفت مؤلفات في جمع كلام الأئمة في نقد الصوفية…
– زعمه التسوية بين كل أشكال التصوف، حتى ذهب إلى أن كل العلماء صوفية، وتصوف جميعهم كتصوف ابن عربي والحلاج وابن الفارض ممن كفرهم العلماء في عصرهم ومن جاء بعدهم، بل قتل بعضهم زندقة… وهذه بدهيات حولها الجباري إلى عكس الحال، ولن يوافقه على هذا أحد ممن تصوف أو ناقض التصوف.
– زعمه أن ابن تيمية خلط بين الحلول ووحدة الوجود! وهذه معضلة، فلعل شيخ الإسلام أول من فرق بين الأمرين، وفصل في الفرق بين الطريقتين، وبين اختلاف الصوفية في تلك الاتجاهات…
– تفسيره وحدة الوجود بتفسير باطل لا حقيقة له، حيث زعم أن المراد به كون وجود الخالق وجودا حقيقيا ووجود المخلوق وجودا مجازيا!!
وكل من درس الفكرة وقرأ كلام الاتحاديين والوحديين فيها يعلم يقينا أن المراد نفي الاثنية أصلا، وهو نفسه قرر هذا عندما فرق بين الحلول والوحدة! وهذه عجائب!
ولما استدرك عليه المقدم بقول بعض هؤلاء الوحديين عن نفسه “سبحاني سبحاني…” وما قالوه عن الكلاب والحمر… وهي أمور معلومة… أجاب متلعثما بأنها “رموز”!
– زاد الطين بلة بأن نسب القول بالوحدة إلى ابن تيمية!! وهذا لأنه يستشهد بقول لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل!
عجائب..
– من المغالطات زعمه أن الإمام مالكا كان يميل لبني أمية، وأخذ هذا من توقفه عن التربيع بعلي رضي الله عنه فيما أثر عنه، وهذا لعب بمذاهب الأئمة، وتسفيه لمقامهم، فالإمام إنما كانت تحكمه النصوص، لا السياسات وألاعيب الجماهير، ولا العرقيات ولا الأنساب، ومسألة التفضيل معروف الكلام فيها بين السلف، وأكثرهم على التنصيص على علي رضي الله عنه حتى الإمام مالك رحمه الله.



