الجزائر تستثمر في خطاب العداء والحرب
هوية بريس – عادل بنحمزة
النظام الجزائري يدقّ طبول الحرب، كان هذا هو العنوان البارز والغالب على وسائل الإعلام المهتمة بالعلاقات المغربية-الجزائرية، وبحالة السلم في شمال أفريقيا، وكذلك كان احتمال اندلاع الحرب بين المغرب والجزائر موضوع مناقشات وآراء في الصالونات وفي مواقع التواصل الاجتماعي. في المغرب الجميع يعلم أن الحرب ليست نزهة، وأن المغاربة يرفضون الحرب، لأن التجربة أثبتت أن الحروب لا تحمل سوى الخراب للشعوب والأمم، وأن أجمل ما في الحروب هو نهايتها. بناءً على ذلك ينطلق الموقف من حرب إقليمية في منطقة حساسة من العالم، من حجم المكاسب والخسائر التي ستنتج منها، وأساساً من مدى ضرورة خوضها، لأن المنطق يفترض أن تكون الحرب هي آخر الحلول.
من زاوية النظام الجزائري، الذي يعجز عن توفير المواد الأساسية للشعب الجزائري، يؤسس موقفه على أساس أنه أضحى فاقداً للأمل في تدارك الفرق في التنمية والنمو الذي يتحقق في المغرب على مدى عقدين من الزمن، وكذلك الفرق في قوة العلاقات مع دول العالم وحجم الحضور والتأثير الدبلوماسي. فقد حاول جنرالات النظام تدارك هذا الأمر بتعيين شخص مثل رمطان لعمامرة للخارجية، لكن ذلك أسفر عن فشل ذريع، ظهرت ملامحه الأبرز في مضامين قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2602، لذلك ليس مستغرباً أن النظام في الجزائر أطلق النار على الأمم المتحدة والمبعوث الشخصي لأمينها العام، وبعدها مباشرة حاول استثمار قصف أو تفجير أو حرق شاحنتين في المنطقة العازلة داخل التراب المغربي، للتلميح ببداية مواجهة عسكرية مع المغرب، خاصة أن المغرب الرسمي لم يرد مباشرة على جملة القرارات والتدابير والاتهامات التي صدرت عن النظام الجزائري، لكن رده غير المباشر كان في كواليس العمل الدبلوماسي، وهو ما ظهر جلياً في خلاصات الأمين العام للأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن.
النظام الجزائري باستثماره في خطاب العداء والحرب، وبمهاجمته النظام الدولي، أضحى عملياً في حالة الدولة المارقة التي يعرفها أنتوني ليك بأنها الدولة التي “تظهر عجزاً مزمناً في التفاعل البنّاء مع العالم الخارجي”، وقد أثبت النظام العسكري الحاكم في الجزائر، أنه يفتقد القدرة والنضج الكافيين للتفاعل البناء مع المجتمع الدولي، ولفهم حجم التحولات التي عرفتها العلاقات الدولية، وأهمية منطقة غرب شمال أفريقيا في حسابات القوى الدولية الوازنة، بل إن النظام الجزائري ظل سجين منطق الحرب الباردة، ومراهناً على استعادة شروطها بخصوص النزاع المفتعل في الصحراء المغربية. هذا الأمر يوضح درجة العجز الشخصي المرتبط بالقيادة الجزائرية التي تنتمي كجيل إلى زمن الحرب الباردة، لذلك فهي عاجزة عن امتلاك زاوية أخرى للنظر إلى العلاقات مع المغرب إلا وفق تركة هواري بومدين والسردية المشروخة عن دعم الشعوب في تقرير المصير، وأساساً العجز عن النظر إلى المستقبل.
في مقابل اللغة المهزوزة لأقطاب النظام الجزائري، كان العاهل المغربي الملك محمد السادس واضحاً في خطاب ذكرى المسيرة الخضراء، إذ أكد أن “المغرب لا يتفاوض على صحرائه. ومغربية الصحراء لم تكن يوماً، ولن تكون أبداً مطروحة فوق طاولة المفاوضات. وإنما نتفاوض من أجل إيجاد حل سلمي، لهذا النزاع الإقليمي المفتعل”، وفي الخطاب ذاته، أكد الملك في إشارة غير مباشرة لبعض الدول والكيانات الدولية التي أسماها بأصحاب المواقف الغامضة أو المزدوجة، أن “المغرب لن يقوم معهم بأي خطوة اقتصادية أو تجارية، لا تشمل الصحراء المغربية”، وهذا الأمر موجه أساساً للدول الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتها إسبانيا، هذا الوضوح في الخطاب يعكس وضوحاً في الرؤية، وهو ما يفتقده النظام الحاكم في الجزائر.
الخطوات التصعيدية للنظام الجزائري ستتواصل مع الإعلان الرسمي عن توقيف خط الغاز العابر للمغرب، والذي عبره يتم تزويد إسبانيا وعدد من دول غرب القارة الأوروبية بالغاز. النظام الجزائري يصوّر الأمر كإجراء سياسي ضد المغرب، لكن الواقع أن آثاره السلبية تهم الجانب الأوروبي، وقد أظهرت المواقف الأوروبية انزعاجاً كبيراً من المستوى الذي نزل إليه أقطاب الحكم في الجزائر، والذي يفتقد الحد الأدنى مما تتطلبه ثقافة الدولة وسلوكات رجال الدولة، وبالقدر الذي كانت الجزائر تعتقد أنها ستسيء للمغرب، بالقدر الذي أعفى المغرب من بذل جهود إضافية كي يكتشف العالم مع من حشره الله في الجوار، والعبارة هنا للراحل الملك الحسن الثاني.
موضوع إغلاق أنبوب الغاز المغرب العربي- أوروبا، له في الواقع، حسب ما كشفه خبراء في مجال الطاقة، جوانب اقتصادية داخلية تهم ارتفاع الطلب الداخلي في الجزائر على الغاز، إذ تستهلك السوق الداخلية أكثر من 52 في المئة من الإنتاج، يضاف إلى ذلك ضعف القدرة الإنتاجية لحقول الغاز نتيجة ضعف الاستثمار في الصيانة وتجديد المعدات، كحصيلة طبيعية لحالة الفساد الممتد الذي تعرفه شركة “سوناطراك” المملوكة للدولة، والتي طالما تم التعامل معها كصندوق أسود، زيادة على ذلك، تشير تقديرات الخبراء أنفسهم أن أهم حقول الغاز في حاسي بيضة ستنفذ احتياطاتها بحلول عام 2030، معنى ذلك أن الجزائر تعتبر قنبلة موقوتة في المنطقة وتعيش مقدمات الدولة الفاشلة.
لا يعد مفهوم الدولة الفاشلة بأبعاده الفكرية والسياسية، مفهوماً جديداً للدلالة على واقع الدول في علاقتها بوظائفها الأساسية الأمنية، الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية، فسجل التاريخ حافل بنماذج كثيرة لدول في مرحلة من مراحل تطورها، فقدت السيطرة الأمنية/العسكرية على كل أو جزء من ترابها الوطني، أو عجزت عن تلبية جزء أو كل من الطلب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لسكانها، هذه الوضعية إما أنها تنشأ لاعتبارات داخلية بخلفية مناطقية أو طائفية تنازع في شرعية السلطة الحاكمة أو في عدالة سياساتها على المستوى الترابي، أو أنها تنشأ بفعل عامل خارجي نتيجة للموقع الجغرافي أو الصراعات الإقليمية والدولية على المصادر الطبيعية والممرات البحرية والنهرية. وقد تجتمع هذه العوامل كلها، خاصة عندما تصادف ضعفاً بنيوياً في طبيعة تكوين الدولة نفسها، وهذه حالة الجزائر. لقد مثلت دراسات كل من هيرمان وراتنر وزارتمن في بداية التسعينات من القرن الماضي أولى الدراسات المحكمة التي استهدفت الإحاطة العلمية بمفهوم الدولة الفاشلة، وعموماً يمكن القول إنه ليس هناك اتفاق حول تحديد دقيق لتصنيف دولة ما على أنها دولة فاشلة، وإن كانت المعطيات المتعلقة بشرعية السلطة وقدرتها على احتكار العنف ودرجة الاستجابة للطلب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، تعتبر محدداً حاسماً في هذا التصنيف.
لقد وضع صندوق السلام (Fund For Peace) مجموعة من المعايير وفق آلية علمية لتحديد 12 مؤشراً، يتم تنقيط درجتها من 0 إلى عشرة للحكم على الدولة، هل هي دولة فاشلة أم لا، هذه المؤشرات هي: (الضغط الديموغرافي، اللاجئون والنازحون، انتشار الظلم، حق السفر والتنقل، الناتج الاقتصادي المتفاوت، الانحدار الاقتصادي، شرعية الحكم، الخدمات العامة، جهاز الأمن، الفصائل والطوائف المختلفة، التدخل الخارجي). وبالنظر إلى هذه المؤشرات، في ظل ما تعرفه الجزائر، خاصة على مستوى شرعية الحكم في ظل الحراك الاجتماعي، وفي ظل انهيار الاقتصاد الجزائري، وعجز الدولة عن تقديم الخدمات الأساسية، بما فيه ضعف التزويد بالماء الصالح للشرب في العاصمة والمدن الكبرى، غياب السلع من المحال والمتاجر (الخبز، الحليب، الخضر، اللحم، الدجاج،…)، يمكن القول إن النظام الجزائري قاد بلاده من دولة مارقة إلى دولة فاشلة، بكل ما يعنيه ذلك من مخاطر جدية على الأمن والسلم في المنطقة.