الجزائر وإسبانيا.. ما السيناريوهات المستقبلية للأزمة المتصاعدة؟ (تحليل)
هوية بريس – وكالات
دخلت العلاقات الجزائرية الإسبانية مرحلة من التوتر اللافت، بدأت بالموقف “المفاجئ” لمدريد من النزاع في إقليم الصحراء، ثم تطورت بعد تهديد الجزائر بفسخ عقود إمداد البلد الأوروبي بالغاز.
والأربعاء هددت الجزائر، بفسح عقد الغاز الطبيعي مع إسبانيا في حال تحويل أي كمية منه إلى وجهة غير منصوص عليها في العقد، وفق بيان لوزارة الطاقة والمناجم الجزائرية.
وجاء القرار، حسب البيان، بعد تلقي وزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب (الأربعاء) بريدا إلكترونيا من نظيرته الإسبانية تيريزا ريبيرا تبلغه فيه بقرار إسبانيا القاضي بترخيص التدفق العكسي عبر أنبوب الغاز المغاربي-الأوروبي وأن الشروع في هذه العملية سيتم اليوم أو غدا”.
ويعني هذا القرار شروع إسبانيا بضخ الغاز الذي تستقبله نحو المغرب، لكن مدريد أكدت، الخميس، أن الغاز الذي ستضخه إلى المغرب ليس جزائريا، وأنه سيتم اقتناؤه من السوق الدولية كغاز مسال وتحويله غلى حالته الغازية قبل ضخه.
وكانت الجزائر قد قررت عدم تجديد عقد توريد الغاز إلى إسبانيا عبر أنبوب يمر بالأراضي المغربية، والذي انتهى في 31 أكتوبر الماضي، على خلفية الأزمة السياسية مع الرباط.
وكان المغرب يستفيد من هذا الأنبوب في شكل عائدات مالية كحقوق عبور، إضافة لكميات سنوية من الغاز الطبيعي يتم استخدامها في تشغيل محطتين لتوليد الكهرباء شمالي وشرقي البلاد.
لكن الجزائر حافظت على توريد كميات الغاز المتعاقد عليها مع إسبانيا عبر أنبوب “ميد غاز” الذي يربط البلدين مباشرة عبر البحر الأبيض المتوسط، وينطلق من بلدة بني صاف شمال غربي الجزائر، ويصل مدينة ألميريا جنوبي إسبانيا مرورا بالبحر المتوسط، بطاقة سنوية تقدر بـ 8 مليارات متر مكعب، وتجري عمليات توسعة لرفعها إلى 10.6 مليار متر مكعب
وجاءت التهديدات الجزائرية في ظل أزمة غاز عالمية نتيجة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على موسكو.
بداية التصعيد
بداية التصعيد في العلاقات الجزائرية الإسبانية كان في 18 مارس الماضي، عقب موقف مدريد الجديد بشأن النزاع في الصحراء ودعمها مقترح الحكم الذاتي، الذي وصفته الجزائر بأنه “انقلاب” وغير مقبول.
وفي 19 مارس، أعلنت الجزائر استدعاء سفيرها في مدريد للتشاور على خلفية الموقف الجديد لمدريد بشأن قضية الصحراء.
وفي مقابلة مع وسائل إعلام محلية السبت الماضي، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إن موقف مدريد الجديد غير مقبول لا أخلاقيا ولا تاريخيا، لكون القضية تعتبر تصفية استعمار، داعيا إلى مراجعة الموقف الإسباني، وإن الجزائر لن تتخلى عن القضية الصحراوية مهما حدث.
وعقب تصريحات تبون، نقلت وسائل إعلام محلية إسبانية عن وزير خارجية بلادها خوسي مانويل ألباريس، قوله إنه لا يريد الدخول في “نقاش عقيم”، وبأن موقف بلاده “سيادي”.
وردت الجزائر عبر مبعوث وزارة الخارجية المكلف بالصحراء والمغرب العربي عمار بلاني، بالقول: إن تصريحات مسؤول الدبلوماسية الإسبانية “مؤسفة وغير مقبولة، وعليه تحمل تبعاتها”.
** خلافات سابقة
يتحدث مسؤول سابق في شركة سوناطراك الحكومية للأناضول، أن الشركة كان لها سوابق مع الإسبان قبل أكثر من عقد بعد خلاف بشأن أسعار الغاز الطبيعي.
ووفق المتحدث الذي فضل عدم كشف هويته، فإن شركة “غاز ناتورال” الاسبانية سابقا (ناتورجي) حاليا، لجأت للتحكيم الدولي ضد سوناطراك بشأن أسعار الغاز، ورفضت الجلوس على طاولة المفاوضات مع نظيرتها الجزائرية.
وقال إن سوناطراك ربحت القضية في التحكيم الدولي، وأرغمت شركة “غاز ناتورال” على دفع تعويضات لسوناطراك، بقيمة 1.7 مليار دولار.
وأضاف المسؤول أن نصف القيمة جرى تحويلها إلى الجزائر، والنصف الآخر جرى شراء أسهم بواسطتها في ذات الشركة التي تنازعت مع سوناطراك، وحاليا الشركة الجزائرية تحوز على حصة بـ 4 بالمائة في ناتورجي الإسبانية.
وتستفيد سوناطراك بموجب ذلك من عائدات مالية جراء تسويق الغاز في الشبكة الداخلية الاسبانية، إضافة لمداخيل التصدير.
وعلّق المسؤول الجزائري بالقول: “التصعيد كان إسبانيًا والغلبة كانت جزائرية”.
** وصول الغاز الجزائري للمغرب
ووفق مسؤول سوناطراك السابق فإن من السيناريوهات المطروحة هو أن الغاز الجزائري من الناحية التقنية يمكن أن يصل من إسبانيا إلى المغرب إذا تم عكس حركة التدفق في أنبوب المغرب العربي – أوروبا.
ويشرح قائلا: “الغاز الجزائري الغني من حيث القيمة الحرارية، عندما يصل إلى ألميريا جنوبي إسبانيا يتم مزجه في الشبكة الداخلية ومستودعات التخزين مع غاز قادم من مصادر أخرى”.
وبحسبه فإن عملية المزج هذه تتم بسبب تباين مكونات الغاز حسب المصدر، موضحا أن “الغاز الجزائري الغني بالقيمة الحرارية، يتم مزجه مع غازات أخرى فقيرة حراريا، للحصول على مزيج متجانس”.
ويتابع المسؤول، “لذلك فمن الممكن أن تتجه كميات (لم يحددها) من الغاز الجزائري إلى المغرب عبر أنبوب المغرب العربي أوروبا، ما قد يكون سببا في تصعيد العلاقات أكثر بين البلدين”.
سيناريو وقف الضخ وارد
من جانبه، يرى المحلل وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر الحكومية، توفيق بوقاعدة، أن “السياق الدبلوماسي بين الجزائر ومدريد يتسم بالتصعيد هو ما زاد من تعقيد العلاقات الثنائية أكثر”
ويقول للأناضول، إن تصريحات وزير خارجية مدريد الأخيرة حين وصف قبل أيام حديث الرئيس تبون بأنه “نقاش عقيم”، ساهمت في تعقيد العلاقات أكثر.
ويضيف بوقاعدة أن “هناك عوامل ربما ستزيد من توتر الوضع أكثر فأكثر وفي تقديري الجزائر ستبحث عن الدوافع والأسباب للضغط أكثر على إسبانيا في هذه المرحلة الحساسة المتسمة بالارتفاع الكبير في أسعار الغاز”.
ووفق المحلل السياسي، فإن الرئيس تبون مد يده لمدريد قبل أيام كي يصحح رئيس حكومتها بيدرو سانشيز الخطأ، ومباشرة علاقات ثنائية بعدها مثلما كانت عليه سابقا وربما تطويرها أكثر.
وتابع، “لكن حكومة سانشيز لم تفهم الدرس وواصلت أعمالها التي يمكن وصفها بأنها غير دبلوماسية تجاه الجزائر”.
وأشار بوقاعدة إلى أن “أي خطأ سترتكبه الشركات الإسبانية وتضخ الغاز الجزائري عكسيا نحو المغرب سيكلفها قطع الإمدادات في المرحلة المقبلة”.
وفي حال قطع الإمدادات يوضح المحلل السياسي أن السوق الدولية حاليا عطشى لكميات إضافية من الغاز في ظل الحرب الأوكرانية، ويمكن لسوناطراك حسبه أن تجد عشرات طالبي حصة اسبانيا بكل أريحية.
المصدر: وكالة الأناضول.