الجزيرة: لهذه الأسباب تذبح الغوطة الشرقية بسوريا
هوية بريس – الجزيرة
على وقع أخبار الموت القادمة من الغوطة الشرقية في ريف دمشق، يبدو السؤال الذي يبحث عن إجابة يتمثل في أسباب القصف العنيف واليومي لها منذ ستة أعوام، إضافة لحصارها من النظام السوري منذ نهاية 2013.
ارتبط اسم الغوطة الشرقية بما يعرف بـ”مجزرة الكيميائي” عام 2013، والتي قتل فيها نحو 1300 مدني بعد أن قصفتها قوات النظام بالسلاح الكيميائي، لكن عداد الموت لم يتوقف فيها منذ سيطرة المعارضة عليها عام 2012.
بالرغم من تمكنه من السيطرة على بعض مدن الغوطة وبلداتها في السنوات الماضية عبر ما تسميه المعارضة بـ”اتفاقات التهجير” بعد القصف والحصار، فإن نظام الرئيس بشار الأسد والمليشيات الموالية له فشلت في اقتحام معظم مناطق الغوطة أو السيطرة عليها عسكريا.
ودفع النظام السوري بقوات من الحرس الجمهوري تارة وقوات النخبة في الجيش تارة أخرى فضلا عن مشاركة مقاتلي حزب الله اللبناني في مرات عديدة في محاولات اقتحام الغوطة لكن دون جدوى، غير أن النظام يحضر منذ أيام لحملة كبرى عليها بقيادة الجنرال في الحرس الجمهوري سهيل الحسن.
اتفاقات التهجير
وكانت قوات النظام السوري قد عقدت -بوساطة من الأمم المتحدة وحليفتها روسيا وأطراف دولية وإقليمية- عدة اتفاقات، انتهت بتهجير سكان مدينة داريا ووادي بردى والمعضمية وبلدات استخدم النظام معها سياسة الحصار والتجويع المتزامنة مع القصف الشديد، وهو ما دفع سوريين إلى اتهام الأمم المتحدة بأنها شريكة النظام في عمليات التهجير.
وتحاول قوات النظام بدعم من روسيا تكرار السيناريو ذاته في مدن الغوطة وبلداتها، بدءا من حي جوبر شرق العاصمة -الوحيد من أحياء دمشق الذي تسيطر عليه المعارضة- مرورا بحرستا وعربين وحمورية حتى دوما -كبرى مدن الغوطة- وما بينها وبعدها من بلدات تقع جميعها على خط النار والقصف العنيف.
وتعود أسباب حملة النظام المستمرة منذ خمسة أعوام للسيطرة على الغوطة الشرقية، إلى إستراتيجيته التي أطلقها عام 2013 والقاضية بتأمين حزام العاصمة دمشق، وهي الإستراتيجية التي تتقاطع مع أهداف إيران وروسيا في سوريا للسيطرة على مناطق ما يعرف بـ”سوريا المفيدة”.
أسباب النظام
وقد نجح النظام على إثر هذه الإستراتيجية في إخراج المعارضة من أحياء برزة والقابون ومناطق الزبداني ووادي بردى وغيرها، إلا أن سياسته هذه فشلت في حي جوبر ومدن الغوطة التي تسيطر عليها المعارضة.
ولذلك فإنه يتخوف من تسلل المقاتلين المعارضين إلى العاصمة عبر الأنفاق تحت الأرض، فقد تمكنت المعارضة من إخراج آلاف المدنيين ونقل الأدوية عبر أنفاق كانت تربط حرستا بحيي برزة والقابون قبل سيطرة النظام عليهما.
والسبب الآخر يتمثل برغبة النظام في إبعاد المعارضة عن مطار دمشق الدولي الذي وصلت قذائفها إليه في سنوات ماضية، إضافة لتأمين قواعده العسكرية وفروعه الأمنية التي تتعرض لهجمات مستمرة آخرها هجوم المعارضة الشهر الماضي على فرع المركبات قرب حرستا.
ومن الأسباب المهمة التي يسعى النظام من خلالها للسيطرة على الغوطة، أنها تعتبر “سلة غذاء دمشق”، وذلك لاحتضانها مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وهو من عوامل صمود سكانها المحاصرين فيها.
سيطرة المعارضة
وتسيطر المعارضة حاليا على نصف مساحة الغوطة الشرقية التي تقدر بنحو 110 كيلومترات مربعة.
وبعد أن كان عدد الفصائل المقاتلة فيها أكثر من خمسين، بات يتقاسم السيطرة عليها فصيلا فيلق الرحمن وجيش الإسلام، كما توجد حركة أحرار الشام في حرستا بعد أن أعلن فصيل ثوار حرستا انضمامه إليها. وما يميز الغوطة أنها المنطقة الوحيدة التي لم يتمكن تنظيم الدولة الإسلامية من الدخول إليها.
ويعيش في الغوطة حاليا نحو أربعمئة ألف نسمة بحسب إحصاءات مؤسسات المجتمع المدني في المنطقة، بعد أن كان عدد هؤلاء السكان يزيد على مليون نسمة قبل الثورة.
وبالرغم من أن الغوطة هي إحدى مناطق خفض التصعيد وفقا للاتفاق الذي عقد بين المعارضة والنظام برعاية روسيا وتركيا العام الماضي، فإن القصف والحرب عليها لم تتوقف.
وبرأي المتحدث الرسمي باسم فيلق الرحمن وائل علوان، فإن النظام يحاول استغلال اتفاق وقف التصعيد للسيطرة على الغوطة، وذلك بعد أن توقفت معاركه في بقية مناطق سوريا.
علوان قال للجزيرة نت إن النظام يحشد منذ أيام قوات نقلها من ريفي حماة وإدلب لمحاولة اقتحام الغوطة، مشيرا إلى أن الدعم الجوي الروسي للحملة الحالية للنظام جعلها الأعنف والأكثر فتكا بالمدنيين منذ سيطرة المعارضة على الغوطة.
قصف وحصار وتجويع
وأشار إلى أن الغوطة تتعرض يوميا لأكثر من مئة غارة يدفع المدنيون ثمنها الأكبر، حيث يستخدم النظام سياسة القصف والحصار والتجويع، في محاولة لتكرار سيناريو حلب.
علوان قال أيضا إنه “منذ اتفاق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري في فبراير/شباط 2016 القاضي بوقف إطلاق النار في عموم سوريا، لم يتم وقف إطلاق النار والقصف عن الغوطة الشرقية”.
واعتبر أن النظام يدرك أنه لا يمكنه اقتحام الغوطة بعد أن فشلت حملاته السابقة، لذلك يحشد قوات كبيرة منذ أيام ربما لتكرار المحاولة بدعم روسي هذه المرة.
وزاد أن “الغوطة ليست محل اختبار، فقد اختبرت بقوات النخبة من جيش الأسد، والفصائل قادرة على صد جميع الحملات البرية”، معتبرا أنه في حال نجح النظام في السيطرة على الغوطة فإنه سينتقل إلى بقية مناطق المعارضة التي تصمت جبهاتها الآن “مما جعل النظام يتفرغ للغوطة”، كما قال.
وعلى وقع حملات النظام المستمرة، لا تخرج من الغوطة سوى صور الموت التي باتت تطبع واقع السوريين منذ سبعة أعوام، وقد تعدد أسبابه بين موت تحت القصف، أو بالتجويع، أو حتى في الطريق إلى اللجوء برا وبحرا.